جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تنظم ندوة "الوثائق الإنسانية الخالدة"
نظمت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في الإمارات ندوة بعنوان "الوثائق الإنسانية الخالدة".
يأتي ذلك ضمن المبادرات الفكرية والثقافية والمعرفة التي تضطلع بها الجامعة، في إطار دورها التنويري في المجتمع.
وشارك في فعاليات الندوة نخبة من العلماء والمهتمين بقضايا التسامح والسلام، وتضمنت محاور الندوة أبرز المعاهدات السلمية والوثائق الإنسانية على مر العصور، وتناول كل محور منها محطة من المحطات التاريخية البارزة التي شكلت ملامح الحضارة البشرية بدءا بوثيقة المدينة المنورة ووثيقة الأخوة الإنسانية ووثيقة الفاتيكان، إلى جانب دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، وميثاق الأمم المتحدة وإعلان مراكش.
وأكد الدكتور خالد اليبهوني الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أن هذه الفعالية تأتي في إطار الجهود التي تبذلها الجامعة لترسيخ قيم الأخوة الإنسانية التي تتبناها دولة الإمارات نهجا وممارسة، حتى أصبحت واحة للعيش المشترك والتسامح الديني، من خلال احتضانها هذا الكم الهائل من التنوع البشري، والذي أصبح جزءا أصيلا من تاريخها الإنساني.
وأضاف: "وهذا ما تؤكده استراتيجية دولة الإمارات التي تسير على مبدأ إحلال السلام ونشر المحبة والخير والتسامح في دول العالم كافة، متخذة من هذا المبدأ بعدا أساسيا في سياستها الخارجية التي أرست دعائمها القيادة الرشيدة، وتعمل باستمرار على ترسيخه وتطويره عبر إسهامات عديدة قامت بها دولة الإمارات على مختلف الصعد الإنسانية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية".
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للندوة قال الدكتور خليفة الظاهري، نائب مدير الجامعة لقطاع الشؤون الأكاديمية: "للعام الثاني على التوالي تنظم جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ندوة الوثائق الإنسانية الخالدة، لما لها من أهمية في التعريف بتلك الوثائق والتي من أهمها وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في أبوظبي في فبراير/شباط 2019، ووثيقة المدينة المنورة ووثيقة الفاتيكان، وإبراز ما تضمنته تلك الوثائق من مبادئ وقيم إنسانية مشتركة تتبناها كافة الأمم والحضارات على اختلاف مشاربها وتنوع ظروف نشأتها، لتعزيز الأمن والسلام في المجتمعات، وتعميق أواصر الأخوة والتعايش السلمي ونبذ ثقافة العنف والكراهية بين البشر".
وأشار إلى أن الأخوة الإنسانية تقوم على مجموعة من المبادئ والأسس، من أهمها مبدأ الوحدة البشرية التي تزيل جميع الفوارق بين البشر سواءً من ناحية الدين أو العرق أو اللون أو الجنس، ليتعايش الناس فيما بينهم في سلام ومودة وترابط، وتعني أن يحترم الإنسان حق أخيه الإنسان في العيش بكرامة وحرية وأمان، بعيدا عن الاضطهاد والتطرف والإرهاب، وأن يحظى بمواطنة كاملة وعدالة شاملة، واعتبار لا يتيح للعنصرية والتهميش مكانا.
وأضاف "هذه المعاني القيمة والسامية نجدها متجسدة فعلا وواقعا على أرض دولة الإمارات، ويحس بعظمتها وفائدتها كل من زارها أو عاش على ترابها، لذلك أرادت دولة الإمارات أن تنشر هذه الثقافة خارج أرضها لتنعم شعوب العالم قاطبة بالأمن والسلام والاستقرار والعيش المشترك".
وأكد الظاهري أن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تسعى من خلال هذه الندوات وغيرها من الفعاليات، إلى تعزيز ودعم نهج دولة الإمارات لترسيخ ثقافة الأخوة الإنسانية محليا وإقليميا ودوليا، باعتبار أن الجامعة مؤسسة أكاديمية وتنويرية، ومنارة للعلم والفكر ومصدر إشعاع ثقافي وحضاري.
وقدمت الدكتورة ماريا الهطالي خلال الندوة ورقة حول وثيقة المدينة المنورة، مشيرة إلى أن الوثيقة جاءت لتؤكد أن الناس أمة واحدة، وأن حفظ الحقوق واجب للتعايش السلمي بين مختلف الشعوب والقبائل.
وقالت "إن وثيقة المدينة تنصر الدولة الوطنية المدنية لأن الذين أقاموا مجتمع المدينة ودولتها بعقد، فعلوا ذلك بحق التوطن والإقامة والقرار الحر ومصلحتهم في وجود سلطة مسؤولة تحقق الأمن وتطبق حكم القانون أو تضمن تطبيقه، ولم يقل أحد وقتها إن السلطة المحلية أو القطرية هذه غير شرعية لأنها لا تشمل كل الأمة، فكل مجموعات قائمة على الأرض تستطيع بالتوافق إقامة سلطة مشتركة بدون عوائق دينية أو اثنية، لذلك يكون على العرب مسيحيين ومسلمين دعم دولهم الوطنية ذات الحكم الصالح للحيلولة دون التقسيم والتشرذم واعتداءات الخارج وتجاوزاته على السيادة الوطنية".
وأشارت إلى أن الدولة الوطنية في العالم العربي تواجه تحديات كبرى اليوم كما واجهت تجربة المدينة، لذلك ينبغي الوقوف معها بدون تردد.
من جانبه قدم مونسينيور د.يوأنس لحظي جيد، عضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، ورقة حول وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في أبوظبي في فبراير/شباط 2019، مؤكدا أن إعلان أبوظبي حول وثيقة الأخوة الإنسانية يعتبر من أهم المبادرات العالمية والإنسانية التي انطلقت من عاصمة التسامح، وتعد الأخوة الإنسانية وثيقة دينية مهمة لتفعيل المشترك الديني بين الأديان، وترسيخ مفهوم الأخوة الإنسانية بين بني البشر.
وقال إن الوثيقة التي جاءت من أجل تعزيز السلام العالمي والعيش المشتركة نتجت عن محادثات جادة وأخوية بين الأزهر الشريف، والكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان، ووقّعت في العاصمة الإماراتية أبو ظبي برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بحضور الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، ويعد هذا الحدث حدثاً تاريخياً في مسار الحوار بين الشرق والغرب ونقلة فريدة في تاريخ الإنسانية.
وأشار إلى أن الوثيقة التاريخية تضم ما يشترك به الإسلام مع المسيحية من مشترك إنساني وهموم وقضايا عالمية تخص الإنسان الكوني، فجاءت الوثيقة تدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، والحوار والتفاهم بين الديانتين ونشر ثقافة التسامح ما يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب حماية دور العبادة من معابد وكنائس ومساجد باعتباره واجب تكفله الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية، واعتبار العلاقة بين الشرق والغرب ضرورة قصوى لكليهما، ولا يمكن الاستعاضة عنها أو تجاهلها.
وأضاف "مثل هذه الوثائق لها مكانتها وثقلها في عالمنا المعاصر، وهي نقلة نوعية وقفزة تجديدية في الخطاب الديني، وتشارك ديني بين عقلاء العالم وحكماء الأديان لتوضيح رأي الأديان في قضايا مهمة وجوهرية".
وفي محور آخر تناول الأب إيلي الهاشم كاهن الجاليتين العربية والفرنسية في كاتدرائية القديس يوسف في أبوظبي، خلال الندوة وثيقة الفاتيكان، مشيرا إلى أنها تعتبر الوثيقة المجمعية التي فتحت آفاق الحوار بين الأديان، وشكلت نقلة في العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والديانات غير المسيحية، وغيرت بشكل كبير مقاربة الكنيسة إزاء هذه الأديان، كما أنها وثيقة مؤسسة للحوار مع الأديان الأخرى.
وحول العلاقة مع الإسلام، قال إيلي إن الوثيقة نصت على أن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم، خالق السماء والأرض، المكلم البشر، ويجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله الخفية كما يخضع له إبراهيم الذي يسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي، وإنهم يجلون يسوع كنبي ويكرمون مريم أمه، علاوة على ذلك فإنهم ينتظرون يوم الدين عندما يثيب الله كل البشر بعد البعث، ويعتبرون أيضا الحياة الأخلاقية ويؤدون العبادة لله لا سيما بالصلاة والزكاة والصوم.
وتوقف إيلي عند مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، مشيرا إلى أنها جاءت من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، مشيدا بجهود جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وما تقوم به من مبادرات لتعزيز التعايش السلمي بين الأديان لما فيه خير البشرية والإنسان.
إلى ذلك قدم المستشار القانوني هشام الخليفات، مدير الشؤون القانونية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ورقة حول دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، تطرق فيها إلى الحريات والحقوق والواجبات العامة للمواطنين، والتي تهدف إلى النهوض بالبلاد وشعبها.
وأشار إلى أن الدستور الإماراتي خصص بابا كاملا لحقوق الإنسان، وتطرق إلى حق الأجانب في التمتع بالحقوق والحريات العامة المقررة لهم قانونيا، كما نص على الحق في تقديم شكوى في حال انتهاك أي حق من هذه الحقوق، باعتبار هذه الحقوق حقوقا إنسانية ثابتة، لافتا إلى أن ما ورد في الدستور يتطابق مع ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذا ما يعكس شمولية الدستور الإماراتي ويؤكد أن القيم الإنسانية هي قيم مشتركة بين البشرية جمعاء.
وأكد أن دستور الإمارات أسس لأسلوب حضاري مميز قائم على العدل وعلى الرحمة، باعتبارهما سبيل تحقيق الحياة الكريمة للجميع.
كما تضمنت ندوة الوثائق الإنسانية الخالدة ورقة أخرى بعنوان أحلاف ومعاهدات، قدمها الدكتور محمد الشيخ عبدالله عضو الهيئة التدريسية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وورقة بعنوان إعلان مراكش قدمها الدكتور يوسف حميتو عضو اللجنة العلمية لمنتدى أبوظبي للسلم وأستاذ مشارك بالجامعة، وورقة أخرى حول ميثاق الأمم المتحدة قدمها الدكتور محمد الدقاق المستشار القانوني بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، وقدم الحاخام إيلي عبادي ممثل اليهود في دولة الإمارات ورقة بعنوان "حب جارك كما تحب نفسك"، وأدار الندوة محمد العزيزي عضو الهيئة التدريسية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.