محمد الهسي.. مسعف فلسطيني ينال أعلى وسام دولي في التمريض
الهسي يروي لـ"العين الإخبارية" محطات مضيئة من مسيرة عمله الإنساني، مؤكداً أنه بفخر لنيل الجائزة الدولية التي لم تأتِ من فراغ.
على مدار 21 عاما خاض المسعف الفلسطيني محمد الهسي (44 عاما) رحلة عطاء كبيرة تخللتها إصابات قاتلة ومتكررة في اعتداءات إسرائيلية خلال عمله الإنساني، قبل أن يتوج عطاءه بنيل أعلى وسام شرف يمنح للعاملين في مجال التمريض من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عرفانا بعطائه وشجاعته.
ويشعر الهسي بفخر لنيل الجائزة الدولية التي لم تأتِ من فراغ إنما من مسيرة عمل طويلة، ويروي لـ"العين الإخبارية" محطات مضيئة منها امتزج فيها العطاء بالتضحية خلال رحلة عمله الممتدة في مجال الإسعاف والطوارئ منذ عام 1998.
قبل أسابيع، نال الهسي الجائزة الدولية التي يؤكد أنها تزيده تصميما على المضي في أداء رسالته الإنسانية التي لا تعرف تمييزا بين البشر.
بدأت رحلة الهسي مع الإسعاف عام 1998، عندما خاض أول دورة في معهد ضبط الإسعاف والطوارئ، ليجتازها بتفوق ويحصل على دبلوم في الإسعاف والطوارئ ليكون ضمن أول موظفي جهاز الإسعاف والطوارئ بعد تكليف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات جمعية الهلال الأحمر بالمسؤولية عن الرقم الوطني المجاني 101.
الإصابة القاتلة
وفي غمرة انتفاضة الأقصى، واجه الهسي التحدي الأخطر في حياته، تحديدا في 8 مارس/آذار 2002، عندما تلقى مركز الإسعاف والطوارئ الذي يعمل به إشارة بوجود قصف إسرائيلي على موقع فلسطيني في منطقة السودانية شمال قطاع غزة، ليسارع مع آخرين للإنقاذ هناك، ولكن الطائرات الإسرائيلية استهدفتهم في المكان ليستشهد 3 فلسطينيين أحدهم مسعف ويصاب هو بجروح بالغة الخطورة.
وقال: "استهدفنا بشكل مباشر، استشهد 3 أشخاص وأُصبت إصابة بالغة في أنحاء جسمي عطلني ذلك لمدة عام كامل أمضيته في المستشفيات بين غزة ومصر، كان الاستهداف مخالفا للأعراف الدولية بضرورة حماية الطواقم الطبية العاملة في الميدان".
وبعد رحلة علاج استمرت عاما كاملا، رجع الهسي لعمله كضابط إسعاف لكن ليس مسعفا ميدانيا إنما ضابط إشارة وحركة في مراكز الإسعاف لاستقبال المكالمات من المواطنين لأن حالته الصحية لم تكن تسمح بالعمل الميداني، وفق قوله.
وأضاف: "بقيت على هذا الحال لمدة 3 سنوات ثم تماثلت للشفاء شبه الكامل، وبدأت أعود للعمل الميداني، وعام 2008 عينت مديرا لمركز إسعاف في الهلال الأحمر وعاصرت حروب غزة الثلاثة (2008-2012-2014) وجميع الاعتداءات وكنت على رأس عملي فيها، بكل ما كانت تحمله من مخاطر بما في ذلك استشهاد وإصابة عدد من زملاء العمل في الميدان".
ذراع حديدية
وأشار إلى أنه خلال عام 2012 تعرض لإصابة جديدة في يده اليمنى ما تسبب بحدوث كسر بها، وكانت الإصابة في محل إصابة سابقة، وأجرى 11 عملية جراحية فيها شملت وضع بلاتين وعملية ترقيع عظمي ومثبت خارجي وهو عبارة عن جسر حديدي، رافقه لسنوات طويلة، وبقي علامة مميزة له في العمل الميداني، كمسعف مصاب ينقذ مصابين.
لم تمنع الإصابات المتكررة التي تعرض لها الهسي، ولا الجهاز الحديدي في ذراعه من الاستمرار في عمله الإنساني في خطوط التماس الأولى مع كل المخاطر التي يحلمها العمل.
وواصل عمله الميداني بعد انطلاق المظاهرات الرافضة لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل في شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، حيث كانت تنظم مسيرات قرب السياج الحدودي شرق القطاع أسبوعيا، قبل أن تندلع مسيرات العودة في 30 مارس/آذار 2018 التي شكل العمل فيها محطات عمل مضنية نتيجة الأعداد الكبيرة للإصابات.
وقال: "إصابتي والجهاز الحديدي على يدي لم تشكل عائقا لتوصيل رسالتي وهي رسالة كل ضابط إسعاف تقديم الخدمة الطبية لكل محتاج لها دون تمييز".
وتعرض الهسي في مسيرة العودة للعديد من الإصابات بالاختناق والتشنج والضربات المباشرة بقنابل غاز الاحتلال، وواصل مهمته الإنسانية كمسؤول عن النقطة الطبية الميدانية التابعة للهلال الأحمر في خزاعة شرق خانيونس التي استقبلت عشرات الشهداء وآلاف الجرحى في غضون أقل من عامين.
وسام فلورانس
وحول حصوله على الوسام الدولي، أوضح أنه تقدم مطلع عام 2019 عبر جمعية الهلال الأحمر لنيل وسام "فلورانس نايتنغيل"، وهو أعلى وسام يمكن أن يُمنح للممرضين والممرضات والعاملين في الحقل الإنساني، تقدمه اللجنة الدولية للصليب الأحمر كل عامين.
وأوضح أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر خصصت صندوقا لمنح جائزة ووسام باسم فلورانس نايتنجيل تخليدا لدورها في إسعاف الجرحى خلال حرب القرم في خمسينيات القرن الـ19، ولقبت بحاملة المصباح، حيث كانت تبحث عن الجرحى ومن أصيبوا في الحرب أثناء الليل حاملة مصباحا لتستطيع رؤيتهم وإنقاذ حياتهم.
وأشار إلى أنه كل عامين يرشح مرشحون من الجمعيات الوطنية التابعة للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في العالم لنيل هذا الوسام وخلال هذا العام كان هناك عشرات المرشحين من 19 دولة.
وذكر أنه أبلغ في مايو/أيار 2019 بقبوله للجائزة وكان يفترض أن يسافر لنيروبي 12 مايو/أيار 2019 الذي يوافق اليوم العالمي للتمريض (وذكرى ميلاد فلورانس) للمشاركة بمؤتمر دولي هناك ينال خلاله الوسام، لكن سفره تعذر ولاحقا حرمه الاحتلال من السفر للضفة للمشاركة في الاحتفال التكريمي.
وشدد الهسي على أن حصوله على هذا الوسام يعكس مدى التزامه وزملاءه في العمل الإنساني، رغم جميع أشكال الاستهداف من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وهذه ليست الجائزة الأولى التي ينالها الهسي لعطائه وتضحياته، ففي 12 مايو/أيار 2017 حصل على جائزة ووسام المنظمة العربية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في دورتها الـ42 في تونس "رفيدة الأسلمية للإنسانية".
aXA6IDMuMTUuMTQ0LjE2MiA= جزيرة ام اند امز