محمد بن راشد يوجّه بتأسيس صندوق التنمية الثقافية
"خلوة مستقبل الثقافة" أوصت بـ 17 مبادرة وشملت نقاشاتها الإبداع والابتكار واللغة العربية والمواهب الشابة والدبلوماسية الثقافية.
وجّه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بإطلاق "صندوق التنمية الثقافية" في دولة الإمارات، وكلّف وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بتأسيس الصندوق والإشراف عليه، وفق الأهداف المرسومة له، من بينها توفير الموارد المالية اللازمة لدعم النشاط الثقافي في مختلف أنحاء الدولة، ومساندة المشاريع والمبادرات الرامية إلى تعزيز المنتج الثقافي الإماراتي، والارتقاء به على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وإشراك كافة عناصر المجتمع في مؤازرة خطط التنمية الثقافية التي تمثل رصيداً إنسانياً مشتركاً ومطلباً مهماً من متطلبات التنمية الشاملة، وتشجيع القطاع الخاص على القيام بما تمليه عليه المسؤولية المجتمعية تجاه الشراكة الواعية في دفع معدلات عملية التطوير الثقافي والمعرفي؛ التي تأتي في مقدمة ركائز التنمية الشاملة.
جاء ذلك خلال حضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جانباً من "خلوة مستقبل الثقافة" التي نظمتها، الإثنين، وزارة الثقافة وتنمية المعرفة في متحف "اللوفر" – أبوظبي، بحضور الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الإماراتي، و الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، بهدف رسم ملامح مستقبل المشهد الثقافي الوطني، بمشاركة عدد من أصحاب الوزراء ونخبة من أبرز الشخصيات المؤثرة على الساحة الثقافية والسياسية والدبلوماسية، علاوة على مجموعة من رواد الأعمال وممثلي الجهات الإعلامية في الدولة.
كما وجّه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بإطلاق "مؤشر مساهمة الصناعات الإبداعية" في الناتج الإجمالي المحلي للدولة، لتحديد مدى إسهام قطاع الثقافة بمختلف مساراته وتخصصاته في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية، إذ تمثل الصناعات الإبداعية مصدراً مهماً من مصادر الدخل، لاسيما للدول التي ترعى الإبداع والتي توفر البيئة المحفّزة لتلك الأنشطة والصناعات، ومن بينها دولة الإمارات التي اهتمت بترسيخ أسس الاقتصاد القائم على المعرفة، والذي يمثل الإبداع مقوّماً محورياً من مقومات نموه وازدهاره.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم : "ثقافتنا هي هوية أجيالنا وعمق لتاريخنا ورسالة للعالم؛ نريد أن ننقلها بطرق أكثر إبداعاً... ثقافتنا الإماراتية تحمل روح المحبة والتسامح وتدعو للانفتاح على الآخر وتستمد روحها وهويتها من الحضارة العربية والإسلامية".
وحول أهمية اللغة العربية، قال : "عمود ثقافتنا اللغة العربية.. ولا يمكن تنمية معرفتنا وترسيخ هويتنا وتطوير ثقافتنا إذا ابتعدنا عنها".
وأضاف "إن سعينا نحو ريادة المستقبل وحرصنا على أن نكون في مصاف أكثر الدول تقدماً لا يكتمل إلا بتعزيز رصيدنا الثقافي وتوظيفه التوظيف الأمثل وتطويره.. نريد ثقافة جوهرها الإبداع ونهجها الابتكار".
وختم بالقول: "الاقتصاد والثقافة والسياسة مكونات تمتزج لتشكل أُمّة.. وتبني دولة.. ولا غنى لتطورنا ونهضتنا عن ثقافة راسخة منفتحة ومتطلعة للمستقبل".
وكلّف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بالعمل على إعداد مؤشر مساهمة الصناعات الإبداعية، ووضع آلياته وتحديد معاييره والمنهج القياسي الذي سيتبعه لتحقيق الأهداف المرجوة من ورائه، وبما يدعم عمليه صنع القرار فيما يتعلق بالتنمية الثقافية والمعرفية في الدولة، وكذلك ما يعنى بمجال الصناعات الإبداعية في إطارها.
أعمال الخلوة
ناقشت الخلوة، التي استمرت أعمالها لمدة يوم واحد وتضمّنت 9 جلسات وورش عصف ذهني، العديد من القضايا والموضوعات المتعلقة بالإبداع والابتكار في الثقافة، والمواهب الوطنية، واللغة العربية، والهويّة والقيم والتلاحم المجتمعي، والدبلوماسية الثقافية والعلاقات الدولية، والعلوم والتكنولوجيا، والتمويل والاستدامة الثقافية، ومستقبل الفنون، والبنية التحتية والمرافق الثقافية الإماراتية.
وشارك في أعمال الخلوة، التي أثمرت عن 17 توصية، كل من عبد الرحمن العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، ومعالي أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، وحصة بنت عيسى بوحميد، وزيرة تنمية المجتمع، والدكتور سلطان الجابر، وزير دولة، وشمّا المزروعي، وزيرة الدولة لشؤون الشباب، وعمر بن سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، و محمد المر، رئيس مجلس أمناء جائزة محمد بن راشد للغة العربية، ومحمد المبارك، رئيس مجلس دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، والشيخ فاهم القاسمي، الرئيس التنفيذي في دائرة العلاقات الحكومية بالشارقة، وعدد من المفكرين والخبراء والمعنيين بمجالات الثقافة والفنون في الدولة.
في هذا السياق، قالت نورة الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة: "الخلوة تترجم توجيهات القيادة الرشيدة نحو تعزيز أسس النهضة الثقافية الإماراتية، وتوسيع دائرة حضور الشباب في المشهد الثقافي، إذ يمثل فكر الشباب إحدى ركائز مستقبل الحياة الثقافية دون إغفال لفكر المتقدمين من رموز الفكر والإبداع في دولتنا، بما قدموه من إسهامات ستبقى نقاطاً مضيئة في سجل الثقافة الإماراتية".
ونوّهت بأن انعقاد خلوة مستقبل الثقافة في مستهل عام بالغ الخصوصية، وهو "عام زايد"، يعكس مدى الالتزام بالسير على نهج مؤسس الاتحاد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي وضع التنمية الثقافية والاستثمار في بناء الإنسان ضمن أولويات العمل الوطني، ومواصلة هذا النهج خلال العقود الخمسة المقبلة، بما يترجم أهداف رؤية "مئوية الإمارات 2071"، الساعية إلى أن تكون دولة الإمارات من بين الأفضل في العالم في مختلف القطاعات التنموية، من بينها قطاع الثقافة الحيوي.
وأكدت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة حرص الوزارة على التعاون مع كافة الوزارات والدوائر والجهات الحكومية والمؤسسات شبه الحكومية والخاصة؛ من أجل النهوض بقدرات قطاع الثقافة، والعمل على تنمية قدرات معرفية متميزة للمجتمع، بما يضمن مواكبة ركب التطور الثقافي العالمي ويتناسب مع التقدم التكنولوجي الكبير الذي أحرزته دولة الإمارات خلال السنوات الماضية والخطط العريضة التي تسعى الإمارات من خلالها إلى أن تكون رائدة في مسيرة التطور الإنساني بصفة عامة، والاهتمام بمجالات الإبداع والابتكار بما يؤهلها للقيام بهذا الدور بكل كفاءة واقتدار.
وأوضحت نورة الكعبي أن ما حققته دولة الإمارات من إنجازات يعد شاهداً على قدرة أبناء الإمارات على أن يكونوا دائما في طليعة التطور العالمي، وعاملا رئيسيا في صناعة مقوماته، مشيرة إلى أن مناقشات الخلوة برهنت أن القطاع الثقافي يقع في قلب هذا التطور مما يمكن دولتنا الغالية من تعزيز تنافسيتها في مختلف مؤشرات الأداء العالمية.
مخرجات الخلوة
وشملت مخرجات الخلوة توصيات معنيّة بالمواهب الوطنية ووضع خطة عمل لاقتراح التفرغ الإبداعي، وتوصيات بشأن الأوركسترا الوطنية، ووضع خطة عمل مبدئية لمجلس شباب وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، فيما قدّمت جلسة الإبداع والابتكار في الثقافة توصياتها بشأن الناتج القومي الإبداعي، وأوصت كذلك بوضع خطة عمل لحاضنات الأعمال الثقافية والصناعات الإبداعية، بما يكفل تشجيع تلك الأعمال وتحفيز نموها، وحثّ الشباب على الانخراط فيها، وتضمّن محور التمويل والاستدامة الثقافية التوصية بتطوير خطة عمل تكفل تحقيق هذا الهدف وضمان الموارد المالية اللازمة لدعم العمل الثقافي.
كما أثمرت المناقشات في محور العلوم والتكنولوجيا توصيات حول إيجاد مسوّدة لنموذج الثقافة والمستقبل، علاوة على توقيع مذكرة تفاهم للشراكة بين وزارة الثقافة وتنمية المعرفة ومكتب وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، حول كيفية التعاون من أجل تعزيز الوعي المجتمعي فيما يتعلق بالتقنيات الذكية ودورها وأثرها في المستقبل، وكيفية إتقان توظيفها لخدمة أغراض التنمية الاجتماعية والثقافية والمعرفية فضلاً عن التنمية الاقتصادية.
وتركّزت التوصيات في الجلسة الخاصة باللغة العربية على إيجاد المبادرات الداعمة للمحتوى العربي الرقمي، وتعزيز مكانة لغة الضاد في عصر التقنيات المتطورة والذكاء الاصطناعي بحلول تكفل للعرب مواكبة التقدم العلمي السريع من حولنا، وتكفل للغة العربية أن تكون جزءاً من هذا التطور حفاظاً على مكانتها كعنوان للثقافة العربية، هذا إلى جانب تعزيز مكانة الكتاب الإماراتي ضمن القوائم العالمية للكتب المترجمة.
وأوصت جلسة الهوية والقيم والتلاحم المجتمعي بوضع خطة لتعزيز الثقافة الإماراتية، بالتعاون بين وزارة الثقافة وتنمية المعرفة ووزارة تنمية المجتمع، في حين طرح المشاركون في جلسة البنية التحتية والمرافق الثقافية الإماراتية مجموعة توصيات شملت مشروع إعداد خارطة الإمارات الثقافية، وجملة مقترحات بشأن البيانات المفتوحة الثقافية.
كما قدمت جلسة الدبلوماسية الثقافية سلسلة من المقترحات المهمة من أبرزها العمل على تعزيز التعاون مع منظمة اليونيسكو العالمية، علاوة على تعزيز دور الملحق الثقافي في ضوء مسؤوليته في بناء وتوطيد روابط التعاون والتبادل الثقافي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة؛ كجزء مهم من مجمل الحراك الدبلوماسي الإماراتي النشط.
وشملت مخرجات الجلسة التي أفردتها الخلوة لمناقشة مستقبل الفنون مجموعة مقترحات خاصة بتطوير المشهد الفني والإبداعي في الدولة، وإطلاق مبادرات ومشاريع من شأنها تحقيق مواكبة تطور قطاع الفنون في الدولة لحركة التطوير القوية في مختلف القطاعات التنموية الأخرى، بما في ذلك مبادرة الترقيم المعياري للأعمال الفنية، حيث سيتم الكشف عن تفاصيل تلك المقترحات بشكل مفصّل في مرحلة لاحقة عقب الانتهاء من استيفائها للدراسة اللازمة.
نحو المستقبل
وتفصيلاً، وفي جلسة "مستقبل الفنون"، قال عبد الرحمن العويس وزير الصحة ووقاية المجتمع إن تعلّم الفنون لابد أن يبدأ من المراحل الأولى للتعليم في المدارس، وصولا إلى الجامعات والمعاهد، مؤكداً أن الفنون هي جزء من ثقافة دولة وليست للترفيه فقط. وتطرق معاليه إلى الوضع الحالي للفنون ومستقبلها في ظل العولمة والتواصل التكنولوجي مع أهمية وجود مؤسسات لاكتشاف ورعاية الموهوبين، والارتقاء بالفنون الإماراتية على الخريطة الثقافية العالمية. شارك في الجلسة الشيخ زايد بن سلطان بن خليفة آل نهيان، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشيخ الدكتور سلطان بن خليفة آل نهيان الإنسانية والعلمي، وخلود العطيات من مؤسسة سلامة بنت حمدان ومايكل جيها من شركة كريستيز وعبد المنعم السركال من سركال افنيو.
وتحدث أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في جلسة "الدبلوماسية الثقافية" ومستقبلها ومبادرات تطويرها والقوة الناعمة بحضور منى غانم المرّي، المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، وسعيد العطر، مدير مكتب الدبلوماسية العامة والدكتورة نوال الحوسني نائب مدير عام أكاديمية الإمارات الدبلوماسية.
وترأّس الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير دولة، جلسة التمويل والاستدامة الثقافية في الدولة بحضور مجموعة من أهم رواد الأعمال في المنطقة.
وطرحت حصة بنت عيسى بو حميد وزيرة تنمية المجتمع خلال رئاستها لجلسة "الهوية والقيم والتلاحم المجتمعي" سلسلة من التساؤلات المهمة حول آلية نقل ثقافة دعم الدولة المتواصل للمواطن، إلى دعم المواطن للدولة ومدى قدرة الشباب الإماراتي على نقل ثقافته عالمياً في ظل العولمة مع المحافظة على هويته الوطنية.
من جانب آخر، ترأس محمد المر، رئيس مجلس أمناء جائزة محمد بن راشد للغة العربية جلسة بعنوان "اللغة العربية"، بمشاركة كل من: علي بن تميم مدير عام شركة أبوظبي للإعلام، وجمال بن حويرب الرئيس التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد للمعرفة وعلي الشعالي رئيس لجنة تحكيم "تحدي القراءة العربي"، وبلال البدور رئيس مجلس إدارة جمعية حماية اللغة العربية وحبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
وعلى خلفية سعي الخلوة لدعم دور الشباب، وانطلاقا من حرصها على تشجيع الابتكار، نظمت الخلوة جلسة "المواهب الوطنية" حيث تحدثت شمّا المزروعي، وزيرة الدولة لشؤون الشباب عن أبرز التحديات لتمكين المواهب الشابة وتحويلهم إلى رواد عالميين في المجال الثقافي.
وترأس عمر العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي جلسة "العلوم والتكنولوجيا" التي ضمت ورشة عصف ذهني لمستقبل الثقافة بوجود الذكاء الاصطناعي؛ بمشاركة عدد من المتحدثين المتخصصين بالتكنولوجيا والتطور العلمي.
واحتلت كل من جلسة "البنية التحتية والمرافق الثقافية الإماراتية" أهمية كبيرة ضمن أجندة الخلوة، وترأس الجلسة محمد المبارك، رئيس مجلس دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي لطرح الأفكار الداعمة لخارطة الإمارات الثقافية. فيما أدار النقاش في جلسة "الإبداع والابتكار في الثقافة" الشيخ فاهم القاسمي، الرئيس التنفيذي في دائرة العلاقات الحكومية بالشارقة تحدث فيها عن أبرز ممكنات الابتكار في الدولة، والعائد القومي للثقافة وكيفية إعداد جيل ثقافي مبتكر.
نهضة ثقافية شاملة
وتعد خلوة مستقبل الثقافة، هي الأولى من نوعها على مستوى دولة الإمارات، حيث استهدف هذا الجمع من كبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية والعلمية والاقتصادية، ورموز الفكر والثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة مناقشة واقع العمل الثقافي في الدولة لرسم ملامح مستقبل المشهد الثقافي الوطني؛ بما يتوافق مع رؤية القيادة الرشيدة لآفاق التنمية الفكرية والمجتمعية الشاملة، وبما يتماشى مع الطموحات العريضة لمستقبل مسيرة التطوير ضمن مختلف القطاعات.
aXA6IDMuMTQ5LjIzNS42NiA= جزيرة ام اند امز