رغم الحزن الكبير، الذي لا يزال يخيم على دولة الإمارات شعباً وحكومة لوفاة المغفور له بإذن الله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله
ثراه، قدمت الإمارات والإماراتيون نموذجاً يحتذى في التلاحم الوطني والرقي الإنساني.
حيث تغلبت الإمارات على أحزانها واتفقت بصوت واحد على تنصيب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيساً للدولة بسلاسة وهدوء بين المكانة التي وصلت إليها دولة الإمارات من الرسوخ الدستوري وبين التآخي الوطني.
فقبل خمسين عاماً، بدأ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان تلك المسيرة المظفرة، وراح يبني الدولة ويرسخ أركانها.. وانتقل بها إلى كيان الدولة الاتحادية.
وقبل أن ينتقل "زايد" إلى جوار ربه في عام 2004، كانت دولة الإمارات قد اتخذت مكانتها اللائقة ووصلت إلى ما يبتغيه كل إماراتي من نضج وتقدم.. بل إن الارتباط بالدولة الاتحادية في أواخر عهد الشيخ زايد، تجاوز حدود الشعب الإماراتي نفسه وصار ذلك الارتباط الروحي والفخر الوطني بالإمارات سمة ملازمة لكل من يقيم بالدولة أو حتى يزورها.
أما في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، انتقل رحمه الله بالإمارات من مرحلة بناء الدولة إلى التركيز على بناء الإنسان، من خلال استراتيجية "التمكين".. إيماناً بما زرعه الشيخ "زايد" في عقل وقلب كل إماراتي، بأن "مَن بنى الدولة هو من يحافظ عليها ويطورها"، وهو الإنسان الإماراتي، الذي هو الغاية والأساس في فلسفة بناء الدولة في الإمارات.
وهكذا وجهت دولة الإمارات مواردها ووظفت قدراتها من أجل تنمية الإنسان، في تطبيق مبكر ودقيق لمفاهيم ومقتضيات علم "التنمية البشرية"، فكانت الإمارات من أولى الدول التي أدخلته في مؤسساتها ونفذته نظرياً وعملياً، برفع قدرات مواطنيها الوظيفية والمهنية، وتأهيلهم معرفياً بتطبيق أحدث نظم التعليم المتقدمة.
وبالفعل بدأت نتائج هذا التطور المفصلي في تاريخ الإمارات تظهر تباعاً، وتبلورت بوضوح خلال السنوات الأخيرة.. وهو المسار المتطور والتقدم الذي قاده وأشرف عليه في مختلف المجالات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات.. والذي انعكس بوضوح في حضور وظهور دولة الإمارات على الساحتين الإقليمية والعالمية، بفضل إمكانات وقدرات ذلك "الإنسان" الإماراتي المتعلم الواعي، الذي تم تأهيله بعمق وحداثة معاً على مدار سنوات طويلة سابقة.
فقد كان للشيخ محمد بن زايد آل نهيان الدور الأساس في انتقال الإمارات دولة وشعباً إلى مراتب الدول المتقدمة والشعوب المتحضرة.
وليس أدل على ذلك من حالة الازدهار التي تشهدها الدولة في كل المجالات والقطاعات.. والتي أخذت تظهر في أشكال عدة تزداد حضوراً ووضوحاً باستمرار.
فقد باشر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بنفسه توظيف قوة وإمكانات دولة الإمارات خارج النطاق المحلي.
فبدأ بالمحيط الإقليمي، الذي يحفل بقضايا وتطورات مهمة ومعقدة، فأصبح لدولة الإمارات فيها كلمة مسموعة وفعل مشهود.. سواء فيما يتعلق بأزمات الإقليم، أو في مجال ترسيخ التعاون وتهيئة السبل نحو الاستقرار الإقليمي.
ولأن أبناء "زايد" لا يتوقفون عن السعي إلى التقدم والارتقاء بشعبهم وبلدهم، راح محمد بن زايد يقود مسيرة تعظيم مكانة الإمارات وتمديد أدوارها إلى النطاق العالمي.
فإذا بالإمارات في صدارة المجتمع العالمي، ليس بالمعنى السياسي التقليدي، وإنما بالمعنى الإنساني الأعمق والأشمل من السياسة والقوة المادية المباشرة.
ويجسد هذا المنظور نفسه عمق الرؤية وبُعد النظر لدى قيادة الدولة، فقد أصبحت القضايا الإنسانية والتطورات البيئية والمسائل التكنولوجية هي العناوين المهمة والشغل الشاغل للإنسان المعاصر.. ولأن الإمارات دائماً حاضرة وفي الموعد، كان لها السبق في قيادة حركة التطور الإنساني والتعاون البشري لمواجهة تحديات العولمة وتحقيق غايات البشرية وأهدافها بأحدث الأساليب وأكثر الاقترابات فعالية.
فكان اضطلاع الإمارات بتنظيم واستضافة سلسلة متواصلة من الفعاليات والأحداث العالمية الكبيرة.. بالتأكيد يصعب حصرها جميعاً، لكن أذكر منها فقط ما شهدته الأشهر القليلة الماضية، مثل القمة العالمية للحكومات وإكسبو دبي.. وما ستشهده الأشهر القليلة المقبلة (القمة العالمية للمناخ "كوب-28")، التي ستنعقد في الإمارات العام المقبل 2023.
وفي هذه المسيرة لفتة مهمة جديرة بتسليط الضوء عليها، وهي أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان شارك في قيادة هذه المسيرة منذ سنوات، بروح الزعامة وعقل القائد وقلب الإنسان، دون أن يكون في أعلى منصب بالدولة.. ما يعني بالتالي أن توليه الرئاسة ليس نقطة بداية، وإنما محطة تطوير ومنصة لمزيد من الانطلاق.
وهكذا يبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عهده في رئاسة الدولة وهو ماض بالفعل في مسيرة بدأها وسيستمر فيها ويطورها كما يفعل دائماً.. ليجسد عملياً وعلى أرض الواقع القيم والمفاهيم التي تبناها دائماً حول الإنسان العالمي والقيم الإنسانية المشتركة والتعاون من أجل مستقبل البشرية والتآزر الإنساني في مواجهة التحديات التي تفرض نفسها على كوكب الأرض ككل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة