تحويلات المهاجرين.. شريان حياة للملايين في الاقتصادات النامية
يُحيي العالم في 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام اليوم العالمي للمهاجرين، احتفاءً بمساهماتهم الكبيرة في المجتمعات التي يعيشون ويعملون فيها، وكذلك في أوطانهم الأصلية.
في قلب هذه المساهمات، تأتي التحويلات المالية التي يرسلها العمال المهاجرون إلى عائلاتهم، لتصبح شريان حياة يعتمد عليه الملايين حول العالم.
وتشكل التحويلات المالية التي يرسلها العمال المهاجرون إلى أوطانهم مصدر دخل رئيسياً لملايين الأسر في الدول النامية، حيث تساعد في تحسين مستوى المعيشة وتلبية الاحتياجات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
دعم الاستقرار المالي
تسهم التحويلات المالية في تعزيز استقرار العملات المحلية ودعم موازنات الدول النامية من خلال توفير النقد الأجنبي، كما تُستخدم كأداة لمواجهة التقلبات الاقتصادية، ما يساعد هذه الدول على تحسين استدامتها المالية ودفع عجلة التنمية.
نمو التحويلات
بلغ إجمالي التحويلات المالية إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل 669 مليار دولار في عام 2023، بنمو نسبته 3.8% مقارنة بالعام السابق، بحسب البنك الدولي.
ومع أن هذا النمو أبطأ مما كان عليه في السنوات السابقة، فإنه يعكس مرونة نسبية وسط التحديات الاقتصادية العالمية.
لكن التحديات قائمة، إذ يواجه العمال المهاجرون في 2024 عوامل مثل انخفاض الدخل الحقيقي بسبب التضخم واحتمالية تراجع فرص العمل في الدول الغنية، ما قد يؤثر سلباً على قدرتهم على تحويل الأموال إلى أوطانهم.
تفاوت الأداء بين المناطق
وأشار البنك الدولي، إلى أن المناطق المختلفة شهدت تفاوتاً في نمو التحويلات خلال 2023، وسجلت أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي أعلى معدل نمو بنسبة 8%، تلتها جنوب آسيا بنسبة 7.2%.
في المقابل، كانت الزيادة أقل في شرق آسيا والمحيط الهادي (3%) وأفريقيا جنوب الصحراء (1.9%).
أما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد انخفضت التحويلات إليها بنسبة 5.3%، نتيجة للتراجع الكبير في التحويلات المرسلة إلى مصر.
وبالنسبة لأوروبا وآسيا الوسطى، شهدت انخفاضاً بنسبة 1.4% بعد نمو قياسي تجاوز 18% في 2022.
الدول الأكثر تأثراً بالتحويلات
تصدرت الهند قائمة الدول المستقبلة للتحويلات بـ125 مليار دولار، تلتها المكسيك بـ67 مليار دولار، والصين بـ50 مليار دولار، والفلبين بـ40 مليار دولار، ثم مصر بـ24 مليار دولار، بحسب بيانات البنك الدولي.
إضافة إلى ذلك، تشكل التحويلات نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول الصغيرة مثل طاجيكستان (48%)، وتونغا (41%)، وساموا (32%)، ما يعكس مدى اعتماد هذه الاقتصادات على التحويلات كمصدر رئيسي للدخل.
التحويلات في أوقات الأزمات
تلعب التحويلات دوراً حيوياً في دعم الأسر خلال الأزمات الاقتصادية والطبيعية. أثناء جائحة كوفيد-19، تراجعت التحويلات عالمياً بنسبة طفيفة بلغت 1.1% فقط رغم الانكماش الكبير في الاقتصاد العالمي، ما يعكس أهمية التحويلات كوسيلة لدعم الأسر المحتاجة في أوقات الشدة.
كما أسهمت التحويلات في التعافي الاقتصادي بعد الجائحة، حيث شهدت نمواً بنسبة 20% بين عامي 2021 و2022، مدعومة باستخدام القنوات الرقمية لتحويل الأموال.
مصادر التحويلات الرئيسية
وتعد الولايات المتحدة المصدر الأكبر للتحويلات عالمياً، تليها دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تساهم السعودية والإمارات بدور كبير في دعم اقتصادات جنوب آسيا وشمال أفريقيا، لكن مع جهود هذه الدول لتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية وتنويع مصادرها، قد تتأثر تدفقات التحويلات مستقبلاً.
تحديات تكاليف التحويلات
أفريقيا تُعتبر المنطقة الأعلى تكلفة في تحويل الأموال، حيث تصل تكلفة تحويل 200 دولار إلى 8% من قيمتها، وهو رقم يتجاوز بكثير الهدف الأممي بخفض التكاليف إلى 3%، ما يمثل عبئاً كبيراً على العمال المهاجرين وأسرهم.
ارتفاع التكاليف يعود إلى عوامل مثل تعدد عمليات تحويل العملات وغياب أنظمة دفع مترابطة بين الدول، إضافة إلى احتكار عدد قليل من الشركات الكبرى للسوق.
حلول لتقليل التكاليف
لخفض تكلفة التحويلات، ذكر البنك الدولي أنه يمكن اعتماد حلول مثل المحافظ الرقمية والتكنولوجيا المالية، التي أثبتت فاعليتها في تقليل التكاليف خلال جائحة كوفيد-19.
كما يمكن تبسيط اللوائح التنظيمية لتشجيع استخدام القنوات الرسمية وتخفيف القيود على المبالغ الصغيرة.
ودعم التنافسية في السوق بدخول شركات تكنولوجيا مالية جديدة يقدم حلولاً مبتكرة قد يساعد في خفض الأسعار وتوسيع نطاق الوصول للخدمات المالية.
إمكانات التحويلات المالية
تُعد التحويلات المالية أداة لتعزيز الشمول المالي وتحقيق التنمية الاقتصادية، ويفتح تحسين القوانين وتخفيض التكاليف المجال أمام الملايين للاستفادة من خدمات مصرفية أساسية مثل التوفير والقروض.
كما يمكن استخدام التحويلات كضمان للحصول على تمويل دولي بأسعار فائدة منخفضة، كما فعلت البرازيل ونيجيريا في تجارب ناجحة.
التحويلات ومستقبل الاقتصاد العالمي
مع استمرار تزايد أعداد العمال المهاجرين، خاصة من أفريقيا وجنوب آسيا، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا المالية، ستظل التحويلات المالية دعامة أساسية للاقتصاد العالمي.
وتحسين كفاءة هذه التحويلات وخفض تكاليفها سيعزز من أثرها التنموي على الأسر والاقتصادات المحلية.