شرطة الأخلاق في إيران.. رقيب قسّم المجتمع وفاقم عيوبه
مجموعة من الشباب الإيراني واجه القمع بتطبيق يتيح رصد "الشرطة الأخلاقية"، لكن السلطات حجبته.
في إيران، لا يقتصر دور "شرطة الأخلاق" على المحافظة على مشهد عام خالٍ من المظاهر المخلة أو المسيئة للآداب العامة، كما هو متعارف عليه في عدد من بلدان العالم، وإنما يتجاوزه إلى إهانة وضرب النساء وقد يصل الأمر لأكثر من ذلك.
- إيران ترد على الإدانة الأممية الـ64 بإعدام 10 سجناء
- "المقاومة الإيرانية" تضع 7 نقاط أمام الغرب للتخلص من نظام الملالي
"دوريات الإرشاد".. ضرب وإهانة وعقوبات
ففي جميع الشوارع والأماكن التي تعرف إقبالا كبيرا بمختلف المدن الإيرانية، تقوم شرطة الأخلاق بتعقّب المواطنين، عبر ما تسميه بـ"دوريات الإرشاد"، فتوقف النساء وتعاقبهن، وقد تقتادهن إلى مراكز خاصة لضربهن أو تغريمهن أو احتجازهن.
كل العقوبات ممكنة ومتاحة لهذه الشرطة، ما دام الهدف منها "فرض رقابة صارمة على النساء"، كما تقول السلطات.
فالإيرانيات قد يتعرّضن للضرب بسبب تسريحة شعر "غير ملائمة" في عيون عناصر "شرطة الأخلاق"، أو لأنهن لم يغطين شعورهن "بشكل كافٍ"، أو لأنهن "أكثرن" من وضع مساحيق التجميل.
ممارسات قمعية لا ينجو منها الرجال أيضا، فهم أيضا عرضة لعقوبات أقل بطشا، إذ تكتفي شرطة الأخلاق بتوبيخهم وزجرهم في حال رأت أنهم "متأثرون بالغرب" في لباسهم أو سلوكهم.
رجال ونساء ينتشرون بشكل مكثف في جميع المدن الإيرانية، وبصفة خاصة في الشوارع والأماكن التي تعرف إقبالاً كبيراً، لحراسة "الأخلاق" عبر مراقبة التزام المواطنين بالقواعد الصارمة الخاصة باللباس والسلوك المعتمدة في جمهورية الملالي.
وكل من يخالف "قواعد السلوك والتصرف" في إيران، يواجه خطر سحبه إلى سيارة "دورية الإرشاد" ونقله إلى "مؤسسة للإصلاح"، حيث يتلقّى دروسا في طرق التصرّف التي تليق بـ"المواطن الصالح".
وفي حال رأت "شرطة الأخلاق" أن "المخالف" أبدى امتعاضا من أي نوع كان، تصبح عقوبته مضاعفة، وتشمل خيارات الضرب والإهانة، إلى جانب المثول أمام القضاء أو دفع غرامة مالية.
انتهاكات يعجز الكثير من الإيرانيين عن إيصالها للخارج، في وقت تُحكم فيه السلطات قبضتها على مواقع التواصل، ولذلك لم يجدوا من حلّ سوى اللجوء إلى استخدام الخدمات الوكيلة (البروكسي سيرفر)، للدخول إلى مواقع "فيس بوك" و"تويتر".
ففي هذه الفضاءات الافتراضية، يجد الإيرانيون فسحة للتعبير بحرية عن مواقفهم من الممارسات القمعية التي تستهدفهم من دوريات شرطة الأخلاق المتناثرة في كل ركن من مناطق البلاد.
تطبيقات الإنترنت للإفلات من الرقابة
مطلع العام الماضي، تمكنت مجموعة من الشباب الإيراني، من تطوير تطبيق لنظام "أندرويد"، أطلقوا عليه اسم "غيرشاد"، يتيح للإيرانيين رصد "الشرطة الأخلاقية" بما يمكّن من تفاديها في الشوارع. ولاقى التطبيق إقبالا منقطع النظير عقب طرحه بمتجر "جوجل"، حيث تم تحميله بكثافة، وهو ما أثار رعب السلطات الإيرانية التي سارعت بحجبه ومنعه بعد 24 ساعة فقط على إطلاقه.
مطلع العام الماضي، تمكنت مجموعة من الشباب الإيراني، من تطوير تطبيق لنظام "أندرويد"، أطلقوا عليه اسم "غيرشاد"، يتيح للإيرانيين رصد "الشرطة الأخلاقية" بما يمكّن من تفاديها في الشوارع.
ولاقى التطبيق إقبالا منقطع النظير عقب طرحه بمتجر "جوجل"، حيث تم تحميله بكثافة، وهو ما أثار رعب السلطات الإيرانية التي سارعت بحجبه ومنعه بعد 24 ساعة فقط على إطلاقه.
التطبيق الذي يعتمد بشكل أساسي على خدمة التتبّع الإلكتروني "جي بي إس"، يمكّن مستخدميه من تحديد حواجز "دوريات الإرشاد"، وهو ما يسمح بتجنّبها، وهذا ما أرعب السلطات التي رأت في التطبيق "تمرّدا" سارعت بإخماده، وسط استياء واحتقان بالغين من قبل المواطنين.
تقارير إعلامية دولية نقلت عن مطوّري تطبيق "غيرشاد"، قولهم، في تدوينات عبر صفحاتهم على الإنترنت، إن "شرطة الأخلاق" الإيرانية أوقفت، في 2013، أكثر من 3 ملايين امرأة، وأجبرت 207 آلاف منهن على توقيع اعتذار خطي للدولة، فيما أحالت 18 ألفا منهن إلى القضاء.
ووفق المصادر نفسها، فإنه يكفي الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا إلى حسابات إيرانيين، للوقوف على صور بشعة تُظهر نساء تعرّضن للضرب من طرف "دوريات الإرشاد"، وقد يكنّ تعرّضن لأكثر من ذلك، لكنهن لا يجرؤن على البوح بأكثر مما تعرضه الصور.
ومن هنا، جاءت فكرة التطبيق الذي أراده مطوروه وسيلة آمنة لهؤلاء النساء لتجنّب الظلم الذي يلاحقهن في كل خطوة يخطونها خارج منازلهن، وتجنب ممارسات خلفت للكثيرات منهن ضغوطا نفسية وأمراضا وانهيارا نفسيا.
شرطة الأخلاق أفرزت مجتمعا موازيا
"لماذا نحتاج هذا التطبيق؟ على الرجال أن يصطحبننا إلى منازلهم؛ لأن الشرطة في كل مكان في الشارع".. تغريدة كتبتها إيرانية عقب حجب سلطات بلادها وحظر تطبيق "غيرشاد"، تلتها تغريدة أخرى من رجل إيراني هذه المرة، يقول فيها ساخرا: "إلى حد الآن، كانت شرطة الأخلاق تمنحنا سببا لاصطحاب صديقاتنا إلى منازلنا، لكن هذا التطبيق دمر كل شيء".
تعبيرات تلقائية لكنها تستبطن الكثير من الضغط الذي أفرز نتائج عكسية، أو بالأحرى مجتمعا موازيا، فهو محافظ تحت الضغط في ظاهره، ومتحرر بل منحلّ في جزء منه في الخفاء، في نتائج يعتبرها مراقبون بديهية في مواجهة ممارسات تنتهك الخصوصية وتعتدي على المواطنين.
وجه آخر للمجتمع الإيراني أظهرته مجموعة من الصور بعنوان "رحلة إلى إيران"، التقطها حسين فاطمي، المصور الإيراني المقيم في الولايات المتحدة.
الصور التي فجّرت -ولا تزال- جدلا واسعا عبر مواقع التواصل، أظهرت أن القسم الأكبر من المجتمع الإيراني يعيش حياة محافظة في الظاهر، وحياة منفتحة ومنحلة أحيانا، وراء الأبواب المغلقة.
صور صدمت العالم بما تحمله من تناقض صارخ بين سلوكيات المجتمع المحافظ والمتمسك بالتقاليد، وبين حياة سرية وصاخبة للشباب ولفئات أخرى تمارس حياتها على النمط الذي اختارته، في مقاهٍ وقاعات أزياء وصالات رياضية وغيرها، تحت الأرض.
فالضغط فوق الأرض دفع إيرانيين إلى صنع حياة أخرى تحتها، هناك حيث لا تلتزم النساء بالقيود الصارمة التي تفرضها "شرطة الأخلاق"، فيتركن العنان لأنفسهن ليرتدين الأزياء الحديثة التي تعتبرها السلطات "مخلة بالآداب العامة".
aXA6IDEzLjU4LjE4LjEzNSA= جزيرة ام اند امز