حكومة العثماني الجديدة.. تشكيلة كبيرة بمفاجآت قليلة
في غضون نحو أسبوعين تمكن العثماني من فك عقدة الحكومة التي استعصت على سلفه بنكيران طيلة خمسة أشهر
في غضون أقل من أسبوعين فقط، استطاع رئيس الحكومة المغربية المعيّن سعد الدين العثماني، فك عقدة تشكيل الوزارة التي استعصت على سلفه عبد الإله بنكيران طيلة خمسة أشهر.
وبعد مشاورات انطلقت في 21 مارس/آذار المنصرم، أعلن العثماني (رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية)، السبت الماضي، التوصل إلى تشكيل ائتلاف حكومي يضم 6 أحزاب، بينها حزب "الاتحاد الاشتراكي".
وقال العثماني في مؤتمر صحفي حينها، إن الحكومة الجديدة ستضم إضافة إلى حزب العدالة والتنمية (125 مقعدا في مجلس النواب من أصل 395 مقعدا)، التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا)، الاتحاد الدستوري (19)، والتقدم والاشتراكية (12 مقعد)، وحزب الاتحاد الاشتراكي (20 مقعدا).
وبذلك يكون الرجل قد استبعد حزب الاستقلال (46 مقعدا) من حكومته، بينما اصطفّ "الأصالة والمعاصرة" (102 مقعد) في طابور المعارضة.
وأمس الأربعاء، أقرّ العاهل المغربي الملك محمد السادس، تعيين حكومة العثماني الجديدة التي ضمت 39 وزيراً وكاتب دولة بينهم 9 نساء، ينتمون إلى الأحزاب الستة السابقة، بالإضافة لوزراء مستقلين.
بيْد أن الحكومة الجديدة لم تشهد مفاجآت كبيرة، إذ احتفظ العديد من الوزراء بحقائبهم السابقة، أو انتقلوا إلى مناصب وزارية أخرى.
ورغم سرعة العثماني في فك شيفرة ما يسمى مغربيا "البلوكاج" (أي الانسداد)، إلا أن حكومته الجديدة تباينت حولها ردود الأفعال بين مدافع عنها ومنتقد لها، فيما ذهب آخرون إلى القول بأن حزب "العدالة والتنمية" هو الخاسر الأكبر من هذه التشكيلة، وأن "التجمع الوطني للأحرار" خرج بحصة الأسد، فيما عاد التكنوقراط بقوة.
"محمد بودن"، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، قال لبوابة العين الإخبارية، إن "هذه التشكيلة التي تمت صياغتها وفقاً لنظام الأقطاب (قطب استراتيجي، اقتصادي، اجتماعي، تنموي...) هي مناسبة للظرفية السياسية الحالية".
"بودن" رأى أن حكومة العثماني "لا تظهر فيها أحزاب خاسرة وأخرى رابحة بشكل واضح، كما أنها لا تُظهر سيطرة حزب معين، بل تكرس فقط الوزن النيابي لكل حزب."
واللافت في هذه الحكومة، حسب ذات المحلل، هو بقاء 18 عضواً من أعضاء الحكومة السابقة، واستمرار 11 في نفس القطاع الذي شغلوه في نسختي الحكومة السابقتين.
واعتبر "بودن" أن الحكومة الحالية عملياً، تتكون من 23 وزارة، ولكن بعضها سيكون بوزير مشرف ومعه كاتبي دولة على الأكثر، وهو ما جعل التشكيلة تبدو عريضة نوعا ما.
يشار إلى أنه بالمقارنة مع النتائج التي سجلها في الانتخابات، حصل حزب "العدالة والتنمية" على عدد قليل نسبيا من الوزارات المهمة.
فقد عُهد للحزب بوزارات النقل (عبد القادر أعمارة)، والطاقة والمعادن (عزيز رباح)، والشغل (محمد يتيم) والأسرة (بسيمة الحقاوي)، بحسب التشكيلة التي نشرتها الوكالة الرسمية.
ولم يحصل الحزب على حقيبة العدل التي كان يريد الاحتفاظ بها ولا حقائب استراتيجية أخرى كان يرغب بها.
أما الحقائب السيادية وهي الخارجية والداخلية والدفاع، فسيتولاها على التوالي ناصر بوريطة، وعبد الوافي لفتيت، وعبد اللطيف لوديي.
فيما عُهدت الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أحمد توفيق، وأصبح وزير الداخلية السابق محمد حصاد وزيراً للتربية.
بينما تكلف "التجمع الوطني للأحرار" بحقائب الاقتصاد والتجارة والزراعة التي سيواصل إدارتها.
وأعيد تعيين رئيس "التجمع الوطني للأحرار" عزيز اخنوش، وزيراً للفلاحة والصيد البحري.
أما جديد الوزارة الوليدة، وفق بودن، فهو تولي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، مهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة وليس وزير الاتصال، بالإضافة إلى استحداث قطاعات حكومية هامة تمس بشكل مباشر المواطن والإنسان وأهمها التنمية المستدامة، والتنمية القروية، والإدماج المهني والمساواة والهجرة.
ولم يخف المحلل السياسي، أن بعض الأسماء يشهد لها بامتلاكها رؤية متخصصة حول القطاع الذي أوكل لها، بعكس آخرين لم يُعرف عنهم أية رؤية في مناصبهم السابقة.
وأردف "التركيبة الجديدة استحدثت عدداً من القطاعات لها تقاطعات مع مؤسسات أخرى كوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان التي لا يعرف القطاع الذي ستكون وصية عليه، في ظل تواجد المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، علاوة على دمج الثقافة مع الاتصال في وزارة واحدة."كما لفت إلى أن عدداً من الحقائب الوزارية لم يقتصر على شخصيات الصف الأول في الأحزاب السياسية، وإنما تم منح الفرصة لأسماء غير معروفة.
وفيما يتعلق بحصة المرأة، وصفها بودن بـ"الأمر المحترم" حيث جاءت بوزيرة وثماني كاتبات للدولة.
وفي هذا الصدد، قال بودن: "بالمقارنة مع الحكومات السابقة هناك تطور مهم على مستوى إشراك المرأة كعضو في الحكومة وقطاعات لها أهميتها على مستوى الأقطاب الرسمية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية".
أما عن المستوى البروتوكولي، فقد أوضح المحلل السياسي نفسه، أن وزارات السيادة حافظت على سبق المكانة.
وأوضح أن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني والبحث العلمي أصبحت وزارة شبه سيادية بالنظر لحساسية القطاعات المكونة للوزارة وأهميتها.
بينما وزارة التشغيل، فاعتبر "بودن" أن تعيين رجل نقابي على مستوى هذه الوزارة هو "انتصار للتخصص" خاصة وأن الوزير المكلف بهذا الجانب "يجب أن ينكب على التحضير لحوار اجتماعي مع النقابات."
من جهته، عرّج عبد الرحمان علال، الباحث في العلوم السياسية، على تضخم عدد أعضاء الحكومة الذي بلغ 39 بين وزير ووزير منتدب وكاتب دولة.
وقال في هذا الصدد، لبوابة العين الإخبارية، إن "هذا الرقم مبالغ فيه، في ظل تنامي أصوات داعية إلى تقليص عدد الوزراء ترشيداً للنفقات، واقتصاداً للمال العام، في ظل أقطاب حكومية منسجمة، وهو ما لم يتحقق مع وزارة العثماني".
وسجل "علال" نفس ما تحدث عنه "بودن" بخصوص وجود 19 وزيراً من أصل 39 لم يشغلوا مهمة خلال الولاية الحكومية الأخيرة التي قادها عبد الإله بنكيران، بينما أعيد استوزار 20 وزيراً، سبق لهم أن شغلوا مقاعد في الحكومة السابقة، مع تسجيل إعادة الانتشار على مستوى الحقائب الوزارية.
وفيما يتعلق بتعيين "عبد الوافي لفتيت" وزيراً للداخلية، وهو الذي عُرف بصراعه مع حزب "العدالة والتنمية"، فقد رأى "علال" أن العثماني "لم تكن له أية سلطة في اقتراحه، ولن تكون له أية سلطة عليه أثناء مباشرة مهامه"..
وأشار المحلل السياسي إلى أن التشكيلة الجديدة والأسماء المستوزرة تطرح تحديات كثيرة على مستوى تحقيق الانسجام الحكومي.
أولى هذه التحديات، وفق علال، هي إعداد برنامج حكومي يعكس التوجهات المختلفة للائتلاف الحكومي، بحيث إن الحكومة يوجد فيها الإسلامي، بجانب اللبيرالي، والشيوعي، والتكنوقراطي والاشتراكي.
أما ثاني هذه التحديات، فهو حدود سلطة رئيس الحكومة على وزرائه، مشيراً إلى أن أن حزب "التجمع الوطني للأحرار" قد حصل على أهم وزارات القطب المالي والفلاحي.
وعلى صعيد السيرة الذاتية للعديد من الوزراء، فنوه "علال" بأن الأصل في هذه التشكيلة "كان الاستوزار، دون أن يكون للوزير أية دراية بالقطاع".
مستشهداً بكون بعض الوزراء كانوا يشغلون قطاعات حكومية في الوزارة السابقة، وانتقلوا اليوم لشغل قطاعات بعيدة كل البعد عن ما سبق، كأن يشغل الوزير في السابق حقيبة التعليم العالي، واليوم يتولى حقيبة الصناعة التقليدية".
وكانت مشاورات بنكيران أخفقت على مدار خمسة أشهر لتشكيل الحكومة؛ جراء تشبث حزبي التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، بمشاركة الاتحاد الاشتراكي (يساري)، وهو ما رفضه الأول.
aXA6IDMuMTMzLjEwOS4yNTEg
جزيرة ام اند امز