المغربي عبداللطيف الوراري لـ"العين الإخبارية": قصيدة النثر تواجه خطابا نقديا سلفيا
الناقد والشاعر المغربي عبداللطيف الوراري يؤكد أن الشعر في بلاده لم يعرف في أي وقت وضعًا مزدهرًا مثلما يعرفه في وقتنا الراهن
أكد الناقد والشاعر المغربي عبداللطيف الوراري أن قصيدة النثر تواجه خطابا سلفيا في النقد العربي، داعيا الى ضرورة التعامل معها بأدوات جديدة.
والوراري هو واحد من الأسماء المهمة في المؤسسة المغربية النقدية المهتمة بقضايا الأدب العربي، وهو عضو بيت الشعر في المغرب، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الآداب، ونال جوائز أدبية، منها جائزة الاستحقاق من جوائز ناجي نعمان الأدبية- لبنان، عن ديوانه "ما يُشْبه نايًا على آثارها" (2007)، وجائزة الشارقة للإبداع العربي عن دراسته النقدية "تحوُّلات المعنى في الشعر العربي" (2008).
في حواره مع "العين الإخبارية" قال الوراري: "إن المشارقة يجهلون الشعر المغربي وما يقع فيه"، مشيرا إلى أهمية عدم قصر وظيفة الشعر على ما هو فنّي وجمالي صرف فحسب، والتجديد في بعدها السياسي بمعناه الواسع.. وإلى نص الحوار:
ما الذي دفعك إلى كتابة الشعر، وما المؤثرات التي كانت السبب في ذلك؟
انفتحتُ على الشعر وتعايشتُ معه منذ صغري وأثناء نزوحي من قريتي الصغيرة إلى عالم المدينة بمشاهدها المتناقضة، ولهذا، كلّ ما قرأته وتعرّفتُ عليه في البداية من دواوين الرومانسيين، وقصائد الحبّ التي غنّتْها أمّ كلثوم تحديدًا، ثم ميلي الانطوائي وانجذابي للغة الخاصة في الشِّعر واقتسامها الحلم معي، حتى في فترات اليقظة، قد يكون كلُّ هذا بالنسبة لي عزاءً، ويرفع الشِّعر في وجداني إلى مرتبة الضروريّ.
صدرت لك العديد من الأعمال الشعرية.. ما التغير الذي طرأ على تجربتك من البداية إلى اليوم؟
كلّ ديوان هو امتدادٌ لما سبقه على نحو من الأنحاء، وليس تواضُعًا إذا قلت لك إنّ علاقتي بما كتبتُه سابقًا ليست على ما يرام، إذ كُلّما فرغتُ من ديوان جديد قلتُ في نفسي إنّه عملي الأول، دائمًا ثمّة شعور بالنقصان، وقلق الكتابة.
يجد القارئ لدواوينك احتفاءً بالذكريات.. ما الذي تمثله لك؟
شعري مرآة لحياتي ليس التي عِشْتُها وحسب، بل كذلك التي لم أَعِشْها، وهذا ما يعطي لما أكتبه صفة الشعر الشخصي، وهناك دائمًا عودة إلى الماضي، ولكنها ليست عودة تنقطع فيما مضى فتسجن نفسها داخل نوع من "البكائيّات"، بل هي بالأخرى تَصِل هذا الذي مضى بما صار إليه حاضري وحمله معه في نهر الزمن من رضوض وانكسارات.
هل معنى ذاتية تجربتك الشعرية أنها منقطعة عن الواقع وغير متّصلة بهموم الناس؟
قد تكون كذلك بمعنى ما، لكنّها في جوهرها مرتبطة بالإنسان الذي انتهبه الواقع وكاد يُجهز على روحه، فتظلّ القصيدة، من ذات إلى ذات، تتغنّى بعذابات الإنسان، هنا، سياسة الشِّعر؛ بحيث يعبر كلّ شاعر عن اللاشعور السياسي الذي ينبض في صميم كتاباتنا وهو موجعٌ للغاية، لكن لا ينبغي أن يُلهينا بالأمل والدفاع عن المستحيل، وإلّا فما أحزن الشعراء في أُمّة ضائعة.
هل يعني هذا أن الشعراء ابتعدوا عن تغيير الواقع؟
دائمًا ما نُواجَه، بحسن نيّة أو سوئها، بهذا السؤال: ماذا بِوُسْع الشعراء أن يُغيّروا؟ وفي اعتقادي أنّه حينما نطالب بالتغيير فإنّنا لا نقصد به التغيير المادي سياسيًّا واجتماعيًّا بالضرورة، لأنّ قدراتنا محدودة ومدى كلماتنا ممتدّ في الزمن، بل نقصد التغيير الذي يمسُّ إحساسنا وتفكيرنا ورؤيتنا إلى الأشياء.
ويعد هذا التغيير ملحٌّا ومتنوّعا في آن، لذلك لا ينبغي أن نقصر وظيفة الشعر فيما هو فنّي وجمالي صرف فحسب، وإنّما علينا أيضًا أن نُجدّد في بعدها السياسي بمعناه الواسع الذي لا يبتذله ما هو إيديولوجي وواقعي وتعبوي مباشر وضيّق، بهذا المعنى، يصير للشعر معنى في حياتنا، وضرورة لإنسانيّتنا المعذّبة اليوم.
وأود أن أشير هنا إلى أن قصيدة النثر تواجه خطابا سلفيا في النقد العربي، وأدعو إلى ضرورة التعامل معها بأدوات جديدة.
كيف ترى الشعر المغربي حاليا؟
الشِّعر المغربي يمرُّ بعافية جيّدة، بل أقول إنّه لم يعرف في أي وقت وضعًا مزدهرًا مثلما يعرفه في وقتنا الراهن، لكن إخواننا المشارقة يجهلون الشعر المغربي وما يقع فيه، وليس بحوزتهم سوى مجرّد كليشيهات، وقد أتيح لي في أكثر من مناسبة أن أكتشف هذا الجهل، حيث نطالع من بعض الأصدقاء المشارقة لوائح بأسماء أبرز شعراء الحداثة العربية، ولا تجد فيها اسمًا لشاعر مغربي أو مغاربي يكتب بالعربية أو بغيرها.
وكان من المُؤمَّل أن تلعب الملتقيات ودور النشر وورشات الكتابة التي تنفتح على الجيد والمختلف من الضفتين دورًا طليعيًّا للجسر بين التجارب، إلا أنها ظلت في مجملها بمنأى عن ذلك، فيما الانفجار الفيسبوكي يتلف الأوراق ولا يعكس -بأي حال- حقيقة المشهد الشعري المغربي في غياب النقد الذي حلت محله ضروب "التزييف" اليومي، بل أكثر من ذلك: "إنّ المغرب الثقافي عانى من مركزيّتين؛ مشرقية وأوربية، وربّما اليوم من مركزيّة ثالثة وهي جلد الذات".
aXA6IDE4LjIyMy4yMDkuMTI5IA== جزيرة ام اند امز