الناقد الأدبي وليد الخشاب: قصيدة النثر تحتاج إلى آفاق جديدة
الناقد الأدبي المصري وليد الخشاب يؤكد في حوار لـ"العين الإخبارية" أن قصيدة النثر صارت الخطاب الشعري السائد في عالم الأدب العربي.
قبل 20 عاماً، حصل الناقد الأدبي المصري وليد الخشاب على فرصة للعمل واستكمال الدراسة بإحدى الجامعات الكندية.
وتدريجياً تحوّل إلى أستاذ جامعي مهاجر، إلا أن هذه الهجرة لم تقطع صلته بواقع الحياة الثقافية في العالم العربي، حيث نشط في كثير من المبادرات التي تقوم على تأكيد حضور الأصوات الإبداعية العربية في كندا.
في حواره لـ"العين الإخبارية"، أكد الخشاب أن قصيدة النثر صارت الخطاب الشعري السائد في عالم الأدب العربي، وأنها بحاجة إلى استكشاف آفاق جديدة، مشيراً إلى أنه حاول في ديوانه "قمر مفاجئ" مداعبة التراث العربي القديم والحديث، عبر قصائد تتراوح بين "ادعاء" التفعيلة والقافية، وبين قصيدة الحب التي تستخدم آليات التفاصيل اليومية.
وإلى نص الحوار..
- لا يتجاوز إنتاجك الشعري 3 دواوين.. ما السر وراء هذا الكم القليل؟
أكتب كثيراً وأنشر قليلاً، نشرت 3 دواوين وعندي ديوان جاهز للنشر وآخر شبه مكتمل، لكني مثل زملائي من جيل التسعينيات الذين يحرصون على التكثيف الشديد والجدّة، وأستبعد 4 أو 5 قصائد مقابل كل قصيدة أنشرها.
وأكتب القصيدة من 20 أو 30 سطراً، ثم أختصرها إلى 10 أو 15 سطراً، كما أحرص على التركيز وحذف ما كان الشاعر الراحل حلمي سالم يسميه "الثرثرة".
وبشكل عام، أكتب قصائد كثيرة لكن لا أحتفظ في دواويني إلا بالقليل منها، لأتجنّب نشر نصوص تشبه نصوصاً منشورة بالفعل. بالمنطق نفسه، كتبت مئات الصفحات من شعر العامية في الثمانينيات، ولم أنشر منها حرفاً للسبب ذاته، حتى وجدت صوتي في الفصحى، ولهذا نشرت ديواني الأول عام 2001، بينما كانت محاولاتي الأولى بالفصحى في بداية الثمانينيات، وكنت أكتب بالعامية المصرية منذ منتصف الثمانينيات.
- هل أخذك التركيز على النقد من الشعر والإبداع؟
النقد شكل من أشكال الإبداع، خاصةً إذا ما سعى إلى تقديم الجديد، لكنّ التدريس في الجامعة هو الذي يأكل الوقت وينخر البال، وإن كان يغذي الروح لأنه يجعلني دائماً متواصلاً مع الشباب.
النقد يحتاج إلى أكبر قدر من راحة البال، أما الشعر فهو شكل إبداعي يتطلّب شيئاً من التوتر، أو حداً أدنى منه، ويحتاج إلى انفعال قوي، ولكن لو زاد عن الحدّ تُشَلّ الكتابة، ولو غلب عليَّ الهدوء تختفي الدافعية لكتابة الشعر أيضاً.
وأعتبر قسوتي النقدية مع نفسي من قبيل التوفيق الذي ألهمني ألا أنشر قصائد البدايات في مرحلة الجامعة وما بعدها، فالآن ليس لي دواوين أندم على نشرها أو أحاول محو ذكراها في نفوس من قرأوها، وربما كانت هذه القسوة وراء توقفي عن نشر الشعر وندرة مسوداتي بين 2001 و2008، أي في الفترة التي كنت أنهي فيها رسالتي للدكتوراه في جامعة مونتريال، ثم أبدأ خطواتي المهنية الجديدة كمدرّس جامعي في كندا.
من أجل كل ذلك صمت عن النشر 12 عاماً بالتمام بين سنة 2001، حين صدر ديواني الأول "الموتى لا يستهلكون"، و2013 عندما صدر ديواني الثاني "التي"، وكنت قد قررت التوقف عن كتابة الشعر والاقتصار على النقد والتنظير، بسبب الانشغال بالأكاديمية والعمل، ولأنني تصوّرت أن "معين الشعر" قد نضب.
وعندما توفيت والدتي عام 2008 عاودتني الكتابة الشعرية، مثلما عاودتني عام 1996 بعد وفاة ابنتي، وذلك عقب توقّف دام عدة سنوات.
هكذا تحرك ديواني الأول والثاني بعد وفاتين فارقتين في حياتي، لكن في الحالين استغرق العمل بالديوان والتأمل في جدته وتكثفه 5 سنوات، فقد بدأت كتابة "الموتى" عام 1996 ولم يُنشَر إلا سنة 2001، وبدأت كتابة "التي" عام 2008 ولم ينشر إلا في 2013.
- ديوانك الأخير "قمر مفاجئ" يحمل عبق الحب والغزل.. ألا ترى ذلك سباحة ضد تيار قصيدة النثر العربية؟
هذا الديوان كله عن الغزل، وللأمانة فتجربة كتابة قصيدة نثر غزلية تتمرد على السائد، أو قصيدة التفاصيل اليومية، هي تجربة قدّمها أحمد يماني منذ سنين، وما حاولته في ديواني "قمر مفاجئ" مداعبة التراث العربي القديم والحديث (مثلاً الإحالة إلى المتنبي وشوقي) في قصائد تتراوح بين "ادعاء" التفعيلة والقافية وبين قصيدة الحب التي تستخدم آليات التفاصيل اليومية.
وحاولت تجريب المعارضة الساخرة والمعارضة "المحتفية" بالتراث، وأعتقد أن قصيدة النثر وقد صارت الخطاب الشعري السائد في عالم الأدب العربي بحاجة إلى استكشاف آفاق جديدة.
- اتخذتَ عهداً على نفسك ألا تكتب نقدياً عن أعمال زوجتك الروائية مي التلمساني.. لماذا خالفتَ العهد مؤخراً؟
منذ قرأت مخطوط أول قصة كتبتها مي عام 1990 أدركت أنها كاتبة متميزة، لكني رأيت أن الأفضل، تقديراً لعملها، هو أن يتفاعل معها نقاد شهادتهم غير مجروحة، خاصةً أن نقاداً بارزين أبدوا إعجابهم بكتابتها، حتى قبل صدور مجموعتها الأولى.
وأظن أن الدكتور سيد البحراوي أول من قدّم مي في مجلة "أدب ونقد"، عبر سلسلة مقالات تبرِز شباب القصاصين والشعراء الشبان في الثمانينيات والتسعينيات، فإذا ما كتبتُ عن مي، ربما تصوّر البعض أنني منحاز إليها لأنها زوجتي.
وكتبت عن مي، بعد نحو 30 عاماً على ارتباطنا، في مناسبة احتفالية شارك فيها كثيرون من الأصدقاء، وبشكل عام أتجنّب مدح أعمال مي، حتى لا يُؤخَذ الأمر عليها، لكني لا أخجل من الكتابة دفاعاً عنها إذا ما تعرّضت أعمالها للسرقة.
- هل الأفضل للمبدع أن يتزوج مبدعة؟
أن يرتبط شاعر بشاعرة أو روائي بروائية، فهذا يزيد أسبابَ الشجار المنزلي سباباً آخر، أما إذا مارس كل منهما نشاطاً إبداعياً مختلفاً، فهذا يزيد من وعي كل منهما بتحديات الإبداع ومقتضياته.