الناقد محمد برادة لـ"العين الإخبارية": الرواية المغربية بمرحلة النضج
الكاتب والناقد المغربي البارز محمد برادة يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن عمله الجديد ومسيرته النقدية والإبداعية الحافلة.
انضمت أحدث روايات الكاتب والناقد المغربي البارز محمد برادة "رسائل من امرأة مختفية"، الصادرة عن دار الفنك المغربية إلى أعماله الأخرى التي وضعت اسمه في صدارة النقاد العرب والروائيين المجددين، الذين لا يجدون أي تناقض في الجمع بين خيال المبدع ومنهجية الناقد.
وتدور أحداث الجديدة حول قصة امرأة مغربية اسمها "جاذبية" تجرأت في كسر القيود في مرحلة ما بعد الاستقلال في المغرب.
وتشتمل على 5 رسائل بعثتها امرأة مغربية في القرن الماضي إلى عشيقها زهوان، ورغم زواجها فقد أباحت لنفسها أن تعيش علاقة حب خارج الزواج، وذلك لأنها كانت تطمح أن تصبح كاتبة كبيرة وبدأت بالعمل في الصحافة، وأظهرت موهبة في كتابة المقالات عن التحولات التي طرأت على المجتمع المغربي بعد الاستقلال.
وتتحول هذه العلاقة، شيئاً فشيئاً، بين شخصية "جاذبية" وزهوان إلى علاقة حب مطلق بدون قيود خارج المؤسسات الاجتماعية، لذلك فهي ستعيش تجربة معقدة، وتتزوج جاذبية 3 مرات وفي النهاية لا تبقي على العلاقة التي تملأ حياتها فتقرر أن تختفي.
وفي الوقت ذاته، تدخل شخصية البطل في علاقة مع امرأة ويعيش لمدة سنتين منقطعاً عن أخبارها، لكنه يحّن إلى رؤية "جاذبية" المختفية، لكنه لا يعثر عليها.
وتحدث الكاتب والناقد المغربي لـ"العين الإخبارية" عن عمله الجديد ومسيرته النقدية والإبداعية الحافلة، وكان نص الحوار كالتالي..
روايتك التي سبقت هذه الرواية وهي "بعيداً من الضوضاء.. قريباً من السكات"، تُرجمت إلى الفرنسية، ما أصداؤها؟
تُرجمت روايتي "بعيداً من الضوضاء.. قريباً من السكات" إلى الفرنسية خلال الشهر الماضي، وشاركت بها في معرض بلدان المغرب وبلدان الشرق.
والرواية تحاول أن تقدم ملامح من تاريخ المغرب الحديث بالاعتماد على الشخصيات واللغة، لذلك عمدت إلى حبكة معينة، وهي أن شاباً عاطلاً متخرجاً من شعبة التاريخ لا يجد عملاً لكن مؤرخاً كبيراً يستنجد به ليجمع له شهادات 50 مواطناً من استقلال المغرب، وأثناء هذا العمل تأتيه فكرة أن يكتب رواية فيختار من بين المواطنين الذين استجوبهم 3 شخصيات ولدوا مع الاستقلال، ويسعى إلى رسم ملامح حياتهم، ومن خلالها تتبلور بعض القيم بما فيها الإيجابي والسلبي.
لكن كون الشاب الذي كتب الرواية من الفترة الراهنة، يكتشف أن المشكلة لا تتعلق بهؤلاء الذين وجدوا لأنفسهم وضعية ما، بل المشكلة تكمن فيه هو العاطل عن العمل الذي يبحث عن مصيره.
هل تعتقد أن الرواية المغربية وصلت إلى مرحلة النضج؟
أجل ربما ببطء، هناك جيل جديد ظهر في الشعر والقصة القصيرة لكن أقل مما في الرواية رغم أن هذا العالم أي عالم الرواية يشهد انفجاراً في كافة الوطن العربي وخاصة في بلدان الخليج مثل السعودية، وهذا له دلالته الخاصة، من خلال نماذج كاشفة وعميقة، وهي ظاهرة صحية تفسر إلى حد ما الأبواب التي كانت موصدة في وجه الشباب.
هل هناك تعارض بين كونك تكتب الرواية والنقد الأدبي في آن واحد؟
بدأت في شبابي بكتابة القصة القصيرة، وتوجهي نحو النقد جاء بعد دراستي الجامعية في القاهرة، وكان لا بد من البحث عن مهنة في التدريس الجامعي، والنقد يعبر عن ميولي الأدبية مثل كتابة القصة والشعر والرواية، ولا أجد في ذلك تعارضاً لأنني أعتبر كل مبدع حتى الذين لا يكتبون نقداً هم نقاد من خلال اختيارهم للغة معينة، أو اختيار شكل ما دون آخر، ويتجلى ذلك في الحوارات التي يدلي بها هؤلاء الكتّاب.
وتتبنى الكتابات النقدية بعض القيم الجمالية والدلالية التي يعبّر عنها الناقد أو يتفاعل معها.
تجيد اللغة الفرنسية، وقد ترجمت العديد من الأعمال الأدبية إلى العربية، هل فكرت يوماً أن تكتب بالفرنسية؟
كلا، لكنني كتبتُ أطروحتي باللغة الفرنسية، وأكتب بعض المقالات فيها لكني لا أكتب نصا إبداعيا باللغة الفرنسية لأن ذلك يتطلب نوعاً من الحميمية مع اللغة، بمعنى أن يكون يتجرأ الكاتب على تحوير اللغة أو تشويهها إن صح التعبير.
درستُ اللغة العربية في بداية حياتي، ومن ثم درست الفرنسية، هناك بعض الكتّاب يكتبون بلغات عديدة مثل جوزيف كونراد الذي يكتب بالفرنسية والإنجليزية، وكذلك صموئيل بيكت، وعندنا نموذج لهذا النوع من الكتّاب وهو الأستاذ عبد الله العروي الذي يكتب أبحاثه ودراساته الفكرية باللغة الفرنسية لكنه كتب بعض الروايات باللغة العربية، فهو يتقنها بشكل جيد، ويؤمن أن هذه اللغة ترتبط بالطفولة والجذور الأولى.
ويصعب ترجمة لغة الكلام، بعض الكتّاب يدمجون كلمات عربية في كتاباتهم الفرنسية لكننا لا نحس بقوتها وتميّزها كما في اللغة العربية.
ما رأيك بالأدب الفرانكفوني المنتشر في المغرب العربي؟
رأيي إيجابي لكن علاقتي مع الأدب الفرانكفوني علاقة جدلية ونقدية، أحياناً أجد أن ما يُكتب باللغة العربية يتفوق على ما يُكتب باللغة الفرنسية، في الوقت الذي أصبحت فيه الرواية فنا عالميا عبر وسائل كثيرة.
ماذا تكتب الآن وهل لديك مشروع روائي جديد؟
سأتوقف عن كتابة الرواية لفترة من الزمن، لأنني منشغل الآن بكتابة عمل نقدي، حيث أعود إلى مسألة: مدى أهمية الشكل الروائي في تخصيص الدلالة وإعطائها القوة من خلال استعراض الإنتاج الروائي عبر 100 عام.