المغرب وأزمة "الكركرات".. دبلوماسية رصينة تقصف الاستفزازات
دبلوماسية رصينة يتبناها المغرب بمواجهة استفزازات مليشيات البوليساريو في معبر "الكركرات"، منفذ المملكة الوحيد مع موريتانيا.
حرب عصابات تحشد لها المليشيا الانفصالية بإغلاقها للمعبر، ما تسبب في توقف حركة التبادل التجاري والمدني بين موريتانيا والمغرب، ودفع نحو ارتفاع صاروخي لأسعار الخضر بالبلد الأول.
خبيران أكدا، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن المليشيا تعمل على استخدام المدنيين دروعا بشرية لاستفزاز الرباط، سعيا نحو الظهور بصورة المظلوم أمام المجتمع الدولي.
غير أن الدبلوماسية الحكيمة للرباط بعثرت جميع مخططات الجبهة الانفصالية، وحشرتها في ذات الزاوية المستهدفة بالاستنكار والتنديد الدوليين.
بلطجة
منذ أغسطس/آب الماضي، تتعمد مليشيات البوليساريو القيام باستفزازات مُتتالية بمنطقة الكركرات الحدودية، عبر إيفاد عناصر تابعة لها إلى المعبر، وعرقلة حركة الأشخاص والبضائع.
سلوك بدا أشبه بحرب عصابات وقطاع الطرق، بلغ الأربعاء الماضي حد إغلاق المنفذ بشكل كامل.
وعمد هؤلاء القادمون من وراء المنطقة العازلة إلى بناء الخيام في المنطقة الحدودية، مع رفع أعلام الجمهورية الوهمية، والقيام بعرقلة سير الشاحنات والسيارات في المعبر، علاوة على استفزاز السائقين، خصوصا المغاربة منهم.
ولا تعتبر هذه أول مرة تقوم فيها البوليساريو بعرقلة حركة السير في المنطقة، وفق حسن بلوان، الخبير في العلاقات الدولية، إذ سبق أن قامت بفعل مشابه عام 2016.
وقال بلوان إن "البوليساريو تعيش اليوم حالة من التخبط بسبب تزايد الدول التي تسحب اعترافاتها بالجمهورية الوهمية، وأيضاً الحركية الدبلوماسية الكبيرة التي تعرفها المنطقة لصالح المغرب".
وأضاف أن التطورات الأخيرة جعلت الجبهة الانفصالية في حالة من "العُزلة الدولية".
ولضُعف حُجتها القانونية، يتابع الخبير، تلجأ المليشيات إلى سياسة حرب العصابات وقُطاع الطرق، من خلال الزج بمدنيين، ودفعهم إلى منطقة مشمولة باتفاق نزع السلاح، وتحريضهم على القيام بأعمال تخريبية واستفزازية.
وترنو المليشيات من وراء سلوكها لاستفزاز المغرب حتى يقوم بردة فعل، ثُم تستغل ذلك لتُشهر ورقة المظلومية أمام المجتمع الدولي، وهو ما فشلت في تحقيقه لتشبث الرباط بالآليات الأممية والدبلوماسية السلمية في تدبير هذا النزاع.
ولفت إلى أن البوليساريو تخرق، بهذه الخطوة، مقررات مجلس الأمن وتوصياته، وأيضا اتفاقية جنيف الرّابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، والاتفاقية العسكرية رقم 1.
وإضافة إلى التجاوزات المذكورة تستخدم البوليساريو المدنيين دروعا بشرية، سواء في معبر الكركرات أو حتى في المخيمات، في تصرفات قال بلوان إن فيها مُخالفة صريحة لكافة المواثيق الدولية التي تدعو إلى عدم تعريض حياة الناس للخطر.
المسارات الأممية
أمام الاستفزازات حرص المغرب على تبني سياسة ضبط النفس، والتحرك دبلوماسياً عبر الأمم المتحدة، من خلال تنبيه الأمانة العامة للمنظمة الدولية، ورئاسة مجلس الأمن وأعضائه، عبر عمر هلال، السفير والممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، إلى خطورة الوضع.
وفي أعقاب ذلك، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس البوليساريو بسحب مليشياتها ومُغادرة المنطقة العازلة بالكركرات.
وشدد جوتيريش على أن حركة السير المدنية والتجارية المنتظمة لا يجب أن تتعرض للعرقلة، كما أنه لا يجب اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يشكل تغييرا للوضع القائم في المنطقة.
وأمام تدهور الأوضاع في المنطقة، خاصة بعد قيام المليشيات بإغلاق المعبر بشكل كامل، قامت وحدات الجيش المغربي، اليوم الجمعة، بالتدخل سلمياً ودون نية المواجهة، لإعادة فتح المعبر، وتأمين حركة المرور هُناك.
وحرص الجيش على ضرورة حُضور أفراد من البعثة الأممية لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية "المينورسو"، بغرض توثيق التدخل والوقوف على الاحترام الكامل للاتفاقيات والمواثيق الدولية، كدليل قاطع يفند جميع المزاعم اللاحقة التي تروجها الجبهة الانفصالية.
وقالت الخارجية المغربية، في بيان لها، إن "المملكة بعد أن التزمت بأكبر قدر من ضبط النفس أمام استفزازات مليشيات البوليساريو، لم يكن أمامها من خيار آخر سوى تحمل مسؤولياتها، من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن هذه التحركات، وإعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري".
وأكدت أنه "أمام الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة لمليشيات البوليساريو في المنطقة العازلة للكركرات بالصحراء المغربية، قرر المغرب التحرك، في احترام للسلطات المخولة له، وذلك بمقتضى واجباته وفي انسجام تام مع الشرعية الدولية".
جُنون وتخبط
نجاح الخطوة المغربية جعل عناصر البوليساريو في حالة من التخبط، على حد وصف الأستاذ الجامعي المغربي رشيد لزرق، ما دفع العناصر التابعة للجبهة إلى إضرام النار في الخيام التي نصبوها في المنطقة، قبل فرارهم.
وحاليا، يحاول الانفصاليون، وسط حالة الإحباط، تحويل خسارتهم السياسية والعسكرية والدبلوماسية إلى انتصار إعلامي من خلال الترويج لانتصارات وهمية، وصلت لحد تسويق أخبار كاذبة، وفق لزرق.
الخبير أوضح أن هذه "الخطوة تُثبت بالملموس أن البوليساريو تُريد الترويج كذبا لمواجهة القوات المُسلحة المغربية للمدنيين العزل، على الرغم من أن المغرب تحرك تحت غطاء أممي، وفي احترام كامل لحقه في الدفاع الشرعي والوقائي، خاصة بعد التهديد الكبير الذي شكله إغلاق معبر الكركرات من طرف المليشات".
aXA6IDE4LjExNy4xNDEuNjkg جزيرة ام اند امز