"الملحفة المغربية".. موروث ثقافي وأيقونة للحشمة والأناقة
تكاد لا تمر امرأة، شابة كانت أو مُسنة، إلا وقد لفّت على جسدها ثوباً طويلاً غير مخيط، يُغطي كامل أطرافها، ولا يُظهر منها إلا الكفين والعينين، تلفه بعناية فلا تُحركه الرياح القوية على الرغم من أنه لا جُيوب له ولا أكمام.
تتوارثه الأجيال
"الملحفة" ليست حكراً على فئة من النساء دون غيرهن، بل إنها لباس رسمي لأهل الصحراء، والنسوة هُناك يرتدينه في جميع المُناسبات والأماكن.
أسست العالية، واحدة من بنات مدينة العُيون المغربية، رفقة أخريات، تعاونية "دار الملحفة"، للحفاظ على هذا الموروث الثقافي، بل وتطويره والمُساهمة في نشره على عدة مُستويات.
وهي تتفقد بعض مُنتجات العاملات في التعاونية، توضح العالية لـ"العين الإخبارية" أنه على الرغم من التطور الكبير للموضة، وتوالي صيحاتها، فإن المرأة الصحراوية لا تُفارقها الملحفة، وتتشبث بارتدائها في جميع المُناسبات.
تمد يدها إلى واحدة من الملحفات الموضوعة على منصة خشبية، وتفحص زخارفها، ثُم تسترسل بالقول: "هناك فطرة لدى المرأة الصحراوية تجعلها لا ترتاح إلا في الملحفة، في كُل الأجيال، ولا تُفرط فيها أبداً مهما كان سنها ومكانتها الاجتماعية".
وأشارت العالية إلى أن الملحفة حاضرة بدون مُنازع بين نساء الصحراء، بل تُعتبر رمزاً من رموز الثقافة المُتوارثة، والأناقة الأنثوية التي لا تكتمل أركانها إلا بذلك الرداء مُتعدد الألوان، كلوحة تشكيلية تلفها المرأة الصحراوية بجسدها.
كما أن الملحفة لا تقوم بوظيفة ستر المرأة فقط، خاصة وأن المُجتمع الصحراوي يتميز بطابع مُحافظ، بل تمنحها جمالاً في قالب من الحشمة والالتزام.
مراحل مُتعددة
تقول فاطمتو، وهي إحدى مُؤسسات تعاونية دار الملحلفة، إن "الملحفة تُراث وزي تقليدي رسمي لا يُمكن تغييره"، لكنها في المقابل تُؤكد أنه تم تطويره بإدخال مجموعة من الأشكال والتصاميم الجديدة".
تجوب بنا مرافق التعاونية، مُتحدثة عن مُختلف مراحل إعداد الملحفة وخياطتها، موضحة أنه على الرغم من تواجدها على أشكال مُختلفة في الأسواق، إلا أن الثوب الأصلي للملحفة أبيض اللون، يأتي إلى الخياطات في أحجام كبيرة، ثُم تُفصلنه إلى أثواب مُختلفة الأحجام والأشكال، كُل بحسب الحاجة، لكنه غالباً لا يتجاوز 4 أمتار على مترين.
المرحلة الثانية، تقوم فيها النسوة برسم التصاميم المرجوة، ثُم تتم خياطتها، وبعدها صباغتها على مرحلتين، الأولى للون الأساسي، والثانية لباقي الألوان بحسب التصور الذي وضعته المُصممة، لتُحال على مرحلة التجفيف، وبعدها تُوجه إلى الأسواق، ومن ثَم إلى الزبائن.
دار الملحفة
في واحدة من أحياء مدينة العيون المغربية، تعمل حوالي 240 امراة كخلية نحل نشيطة، إذ تنهمكن في إطار تعاونية دار الملحفة، على إنتاج ما مجموعه 20 ألف قطعة سنوياً، تُوجه بالأساس إلى السوق المحلية، فيما تطمح مُسيرات التعاونية إلى غزو الأسواق الخارجية.
وكشفت لالة مينتو، رئيسة تعاونية دار الملحفة لـ"العين الإخبارية"، أن البداية لم تكن سهلة، على الرغم من أن الهدف كان بسيطاً، هو تأسيس معمل للملابس النسائية الصحراوية.
وقالت إن انطلاق التجربة كان عبر وسائل بسيطة، إلا أن المشاكل كانت أكبر بكثير من أحلامهن، لكن الإصرار والتجربة المُتراكمة، حطمت كُل الحواجز والقيود، لتصل منتجات هؤلاء النسوة إلى الأسواق المحلية، ومن بعدها إلى مختلف الأسواق المهتمة بالملحفة.
وأضافت لالة مينتو أنه على الرغم من هذا النجاح، لم تتوقف المصاعب، إذ كان العائق المادي أكبرها، ثم جاء دعم من الحُكومة المغربية عبر وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، ليضع المشروع على الطريق الصحيح، ويُعزز تواجده في مُختلف الأسواق، في وقت كان أغلب الاستهلاك المحلي، مبنياً على الاستيراد من موريتانيا.