موسكو وواشنطن.. شعرة معاوية "باقية" رغم التصعيد
من أزمة تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني إلى وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بـ"القاتل"، ثم حزمتين من العقوبات شملت طرد دبلوماسيين، تسير الولايات المتحدة الأمريكية تحت إدارة الرئيس جو بايدن باتجاه التصعيد فى مواجهة موسكو.
ومنذ وصوله إلى الحكم، تعهد بادين بأن يكون أكثر صرامة حيال روسيا من سلفه دونالد ترامب المتهم بالتهاون مع بوتين.
التوتر بين الجانبين اعتبره نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، دميتري مدفيديف، عودة عملية إلى حقبة الحرب الباردة، محذرا من أن هذا الأمر يؤدي إلى عدم استقرار مستدام في العالم.
لكن مراقبين اعتبروا أن التصعيد لن يتطور إلى مزيد من السيناريوهات الصفرية، وستظل العلاقات قابعة في إطارها المتعارف عليها، وسيعمل الجانبان على الالتقاء في منتصف الطريق والحفاظ على شعرة معاوية.
أزمة نافالني (أول حزمة عقوبات)
ورغم أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، امتنعت عن فرض عقوبات على موسكو في قضية تسميم زعيم المعارضة الروسي، أليكسي نافالني، جاءت إدارة بايدن لتفتح الملف من جديد.
وفي 2 مارس/آذار الماضي، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على شخصيات روسية على خلفية تسميم نافالني.
وقالت إن العقوبات تطال عددا من المسؤولين والكيانات في روسيا، وأنها تأتي بالتنسيق مع خطوات مماثلة من قبل الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية خلصت إلى أن الحكومة الروسية تقف وراء الهجوم على نافالني باستخدام غاز كاد أن يقضي عليه في سيبيريا في 20 أغسطس/آب الماضي رغم نفي موسكو.
وصف بوتين بـ"القاتل"
ومنتصف مارس/آذار الماضي، صعد الساكن الجديد للبيت الأبيض من لهجته ليصف الرئيس الروسي بـ"القاتل".
وقال بايدن، في مقابلة مع فضائية "إيه بي سي" نيوز الأمريكية، إن نظيره الروسي سيدفع ثمن تدخله في انتخابات بلادنا.
وأضاف: "لا أظن أن لدى زعيم روسيا قلبا، وأعتقد أن الرئيس الروسي قاتل".
وهو ما رد عليه بوتين في تصريحات للتلفزيون الرسمي آنذاك بأن "الناس يميلون عادة إلى رؤية الآخرين على النحو الذي يرون به أنفسهم".
وأضاف: "بعد تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة سيتعين على الولايات المتحدة أن تحسب حسابا لروسيا".
وتابع: "إن الإدارة الأمريكية تريد علاقات مع روسيا، فقط بشروط واشنطن، في حين أن روسيا ستعمل فقط على النحو الذي يفيدنا".
واختتم بوتين بالتأكيد على أن "موسكو لن تقطع علاقاتها بواشنطن بل ستعمل مع الولايات المتحدة بناء على ما يصب في مصلحة بلاده".
كما استدعت روسيا سفيرها لدى الولايات المتحدة للتشاور بشأن مستقبل العلاقات مع واشنطن.
اقتراح عقد قمة
وفي 13 أبريل/نيسان الجاري، أجرى بايدن اتصالا هاتفيا بنظيره الروسي لمناقشة عدد من القضايا العالقة بين البلدين.
وخلال الاتصال، اقترح الرئيس الأمريكي على نظيره الروسي عقد قمة في "دولة ثالثة" خلال "الأشهر المقبلة" من أجل "بناء علاقة مستقرة" مع روسيا، وفق البيت الأبيض.
وأعلنت الرئاسة الأمريكية في بيان أن بايدن أعرب خلال محادثات هاتفية جديدة مع بوتين عن "قلقه إزاء الحشد المفاجئ للقوات الروسية في القرم المحتلة وعند الحدود الأوكرانية"، داعيا موسكو إلى "خفض التوترات".
حزمة عقوبات ثانية
وفي 15 أبريل/نيسان الجاري، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على روسيا على خلفية اتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 والتجسس وتنفيذ هجمات إلكترونية وملف شبه جزيرة القرم.
وقال البيت الأبيض إن الإجراءات تهدف إلى ردع "أنشطة روسيا الخارجية الضارة".
وتستهدف العقوبات، التي فصلها أمر تنفيذي وقعه الرئيس جو بايدن، عشرات الكيانات والمسؤولين والدبلوماسيين الروس.
وتتهم الولايات المتحدة روسيا بالنشاط الإلكتروني الخبيث والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ونفت الحكومة الروسية تلك الادعاءات ووصفت أي عقوبات جديدة بأنها "غير شرعية".
وطالت العقوبات 32 كيانا ومسؤولا يتهمون بمحاولة التأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 "وغيرها من أعمال التضليل الإعلامي"، كما شملت طرد 10 دبلوماسيين، من بينهم أشخاص وصفتهم بأنهم جواسيس.
وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا وأستراليا، فرضت واشنطن أيضا عقوبات على ثمانية أشخاص وكيانات "شريكة في احتلال شبه جزيرة القرم والقمع المستمر فيها".
روسيا ترد
ولم يتأخر الرد الروسي على العقوبات الأمريكية كثيرا. إذ أعلنت روسيا اليوم التالي عن جملة من القرارات بينها طرد عشرة دبلوماسيين ومنع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى من دخول أراضيها.
كما كشف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن موسكو نصحت السفير الأمريكي لديها بالمغادرة لإجراء "مشاورات جدية".
واليوم الجمعة، أعلنت السفارة الأمريكية في موسكو أنها ستخفض بشكل كبير تقديم الخدمات القنصلية بعد قرار الحكومة الروسية فرض حظر على تعيين موظفين محليين بالسفارة، وذلك في أحدث تداعيات التوترات بين الخصمتين السابقتين في الحرب الباردة.
وأضافت السفارة الأمريكية، في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، أن هذا الحظر الروسي سيجبرها على خفض عدد الموظفين بالخدمات القنصلية بمقدار 75 في المئة، مشيرة إلى أن خدماتها ستقتصر على الحد الأدنى اعتبارًا من 12 أيار/مايو.
الحشد على حدود أوكرانيا
أزمة جديدة كانت سببا في رفع التوتر بين البلدين وهي حشد موسكو قوات على الحدود الأوكرانية وفي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، في وقت تدور اشتباكات دامية شبه يومية مع الانفصاليين.
وتوعد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بـ"عواقب" وخيمة في حال وقوع "اعتداء" من روسيا على أوكرانيا، مؤكدا الضرورة الملحة لإنهاء روسيا الحشد العسكري على حدود أوكرانيا وفي القرم
وأمس الخميس، ذكرت محطة "سي. بي. إس نيوز" أن بلينكن سيزور أوكرانيا الأسبوع المقبل وسط تصاعد التوترات بين أوكرانيا وروسيا.
وأضافت المحطة أن بلينكن أكد الزيارة خلال مقابلة تبث يوم الأحد.
وأثارت موسكو قلق كييف والعواصم الغربية في أبريل/نيسان من خلال حشد قوات على طول الحدود مع أوكرانيا رغم أنها أمرت الأسبوع الماضي بسحب بعض القوات.
وقال بلينكن في مقتطف من المقابلة بثته محطة (سي. بي. إس نيوز) "تم حشد عدد من القوات على الحدود مع أوكرانيا أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2014، عندما غزت روسيا بالفعل".
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الأربعاء، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغ مخاوفه بشأن التعزيزات العسكرية الروسية بالقرب من أوكرانيا بشكل مباشر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى التزام الولايات المتحدة بوحدة أراضي أوكرانيا.
وقالت روسيا إن حشد قواتها بالقرب من الحدود مع أوكرانيا كان جزءا من مناورات ردا على ما وصفته بسلوك حلف شمال الأطلسي الذي يمثل تهديدا.
وقال بلينكن لمحطة (سي. بي. إس نيوز)" لا أستطيع أن أقول لكم أننا نعرف نوايا بوتين. هناك عدد من الأمور التي يمكنه القيام بها أو اختيار عدم القيام بها.
"ما رأيناه في الأيام القليلة الماضية هو على ما يبدو قرارا بسحب بعض تلك القوات وشاهدنا بعضا منها في الواقع بدأ في الانسحاب."
وقال الجيش الأمريكي يوم الثلاثاء إن سفينة تابعة لخفر السواحل دخلت البحر الأسود للعمل مع حلفاء شمال الأطلسي وشركائه في المنطقة.
وتوترت العلاقات بين موسكو وكييف منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 ودعم تمرد انفصالي موال لروسيا في شرق أوكرانيا.
خفض التصعيد وشروط للحوار
والثلاثاء الماضي، كشفت واشنطن عن شروطها للدخول في حوار مع موسكو.
واشترطت الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون الحوار مع روسيا مفتوحا حول مسائل الاستقرار الاستراتيجي، بما فيها مسائل الحد من التسلح.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية: "نرغب بإقامة حوار مفتوح مع روسيا بشأن عدد من القضايا المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي، بما فيها الحوار حول الحد من التسلح في إطار تمديد معاهدة (ستارت-3)، ونخطط للحصول على مزيد من المعلومات التفصيلية حول هذا الموضوع خلال الأشهر المقبلة".
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وصف العلاقات مع موسكو بأنها تظل "صعبة"، إلا أنه أكد أن بلاده مستعدة لذلك.
ولفت إلى أن الهدف هو بناء علاقات مع روسيا تكون مستقرة ويمكن التنبؤ بها.
وتأتي التصريحات الأمريكية ردا على تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بشأن اقتراح موسكو على واشنطن بدء حوار حول الاستقرار الاستراتيجي وبحث بناء بيئة خالية من الصراعات.
وكان لافروف قال إنه "لو كان الأمر يتوقف على روسيا فقط، لعادت العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى طبيعتها"، مشيرا إلى أن روسيا اقترحت على الولايات المتحدة "تصفير" الصراع الدبلوماسي، إلا أن الإدارة الأمريكية "تنزلق على نفس المنحدر".
المناطحة ستستمر
الأكاديمي المصري، طارق فهمي، أستاذ العلاقت الدولية، قال إن المناطحات الأمريكية الروسية ستستمر، ولن تتوقف وستدخل مجالات أخرى منها أيضا الملف السوري والليبي، وملف الأمن الاستراتيجي، وقضايا الطاقة والغاز وخطوط الغاز والترتيبات الأمنية الحالية، والتي ستكون محورا للتجاذب المباشر بين الجانبين لنكون أمام سيناريو شبه تصادمي، على الرغم من أن بعض خبراء الإدارة الأمريكية ينصحون بضرورة التوافق مع الجانب الروسي ولو مرحليا، والعمل معا وعدم الدخول في سيناريو المواجهة، لتكلفته العالية على الجانبين، خاصة مع القلق الأمريكي من الخطر الصيني.
وأضاف، في مقال له بـ"العين الإخبارية"، أنه من الواضح أن دعوة اللقاء المؤجل بين الرئيسين الأمريكي والروسي قد تجدي صدى روسيا في المدى المنتظر رغم كل ما جرى أمريكيا، واتهام الرئيس الأمريكي للرئيس بوتين بأنه قاتل، ومن ثم فإن اتجاهات العلاقات الأمريكية الروسية سيحكمها حدود الصراع المشترك من جانب، ومخاوف التحول الروسي لمسارات أكثر التفافا حول المخطط الأمريكي بتضييق الخناق على السياسة الروسية من جانب آخر.
وأشار إلى أن الصين حاضرة في المشهد، وستسعى للالتفاف على ما يجري بتوطيد علاقاتها مع روسيا، في إطار صراع لن يحل بسهولة مع إدارة الرئيس بايدن ومخططها الاستراتيجي بالدخول في أقاليم متعددة في التوقيت نفسه لفرض مزيد من الضغوطات على السياسة الأمريكية، مثلما جرى في توقيع الاتفاق الصيني الإيراني، وهو ما قد يمتد إلى تركيا وربما أيضا مع إسرائيل في ظل العلاقات المتميزة مع تل أبيب، وبصرف النظر عن خصوصية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في هذا الإطار.
شعرة معاوية
وأكد أن أية تحولات سياسية حقيقية في مسار العلاقات الأمريكية الروسية سيكون مرتبطا أيضا بالمنشود من قبل كل طرف لبدء صفحة جديدة من العلاقات في ظل تعقيدات حقيقية، وملابسات ممتدة وسيناريوهات متعددة، وفي ظل مصالح حقيقية متشابكة ومنفتحة على الكثير من المعطيات الجديدة، والتي تحاول إدارة الرئيس بايدن إقرارها في تعاملاتها الخارجية ليس فقط تجاه روسيا، وإنما تجاه الصين والاتحاد الأوروبي أي مع الدول المعادية وفقا لنهج أمريكي غير واقعي، أو الدول الصديقة التي تبني معها استراتيجية ممتدة وفقا لحسابات مدروسة، وهو ما ينطبق على التعامل الأمريكي مع حلف دول حلف الناتو بالأساس، باعتبارها الدول الأقرب لنمط التحالف الاستراتيجي، والشراكة الممتدة سياسيا واستراتيجيا.
وأضاف: "لن تتطور العلاقات الروسية الأمريكية إلى مزيد من السيناريوهات الصفرية، وستظل قابعة في إطار سيناريو معضلة السجين وفقا لنظريات العلاقات الدولية المتعارف عليها، وسيعمل الجانبان على الالتقاء في منتصف الطريق، ولكن بعد أن يكون كل طرف قد وظف أوراقه جيدا، وأحسن استثمارها لنقل رسالة للجانب الآخر خاصة مع وجود ضغوطات حقيقية على الجانبين في مستويات عدة، وهو ما سيتطلب سرعة العودة للحوار، وإعادة بناء منظومة من العلاقات الثنائية مع الاحتفاظ بثوابت العلاقات المشتركة".