لاشكّ أنّ أوجه الخلاف والاختلاف بين الإدراتين الأمريكية والروسية حول شكل الحل في سوريا كثيرة، ولكن ثمة ثلاث نقاط تفاهم تجمعهما.
ليس كلُّ ما يُثار في العلن عن سوء العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا قابلا للتصديق، فالكثير من الأمور بين الدولتين يبقى طي الكتمان لحين اختيار الوقت المناسب من قبل واشنطن وموسكو للإفصاح عنه، وهذا ما ينطبق تماما على الحالة السورية.
الدولتان تختلفان في كثير من الأمور على الأرض السورية، فبينما تواصل واشنطن رفضها التعامل مع حكومة الرئيس بشار الأسد مطالبة برحيله عن السلطة، تبقى موسكو متمسكة به على أنّه الرئيس الشرعي وبقاؤه سيضمن وحدة البلاد ويجنبها الانفلات الأمني على غرار ما يحدث في ليبيا الآن.
الولايات المتحدة بإدارتها الجديدة غير مكترثة كثيرا بالملف السوري، وقد انحدرت أهمية هذا الملف إلى قاع عميقة في سلم الأولويات الأمريكية، وهذا ما تلقفته روسيا واستخدمته ورقة ضغط على المعارضة السورية والدولة الداعمة لها كتركيا
يدرك الروس تماما أنّهم لن يحصلوا على مزايا كالتي بيدهم الآن إن فرّطوا بالنظام الحالي، لذلك دفعوا باتجاه حمايته عسكريا وسياسيا وإلّا لما كانت موسكو خسرت جنودا وأمولا طائلة واستخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن نحو 11 مرة، وعرّضت نفسها لعزلة أوروبية من أجل ذلك.
أما الولايات المتحدة بإدارتها الجديدة فهي غير مكترثة كثيرا بالملف السوري، وقد انحدرت أهمية هذا الملف إلى قاع عميقة في سلم الأولويات الأمريكية، وهذا ما تلقفته روسيا واستخدمته ورقة ضغط على المعارضة السورية والدولة الداعمة لها كتركيا، لتنتزع منهما المزيد من التنازلات لصالح تثبيت نفوذها على الأرض.
لاشكّ أنّ أوجه الخلاف والاختلاف بين الإدراتين الأمريكية والروسية حول شكل الحل في سوريا كثيرة، ولكن ثمة ثلاث نقاط تفاهم تجمعهما ولا يمكن للدولتين الكبيرتين تجاوز اثنتين منهما على الأقل، وهذا ما سيدفع نحو تسوية الوضع في سوريا، وإيجاد حل سياسي ستدور عجلته قريبا.
تكمن النقطة الأولى وهي الأكثر أهمية باتفاق الجانبين على ضمان أمن واستقرار إسرائيل التي تقول دائما إنّها تنسق معهما (موسكو وواشنطن) بشكل كبير، وتطلعهما على جميع تحركاتها السياسية أو العسكرية في سوريا خوفا من انزلاق الفوضى إلى داخلها، وهذا ما سيجبر الطرفين على إبرام اتفاقيات تُؤخذ فيها مصلحة الإسرائيليين قبل أي اعتبار آخر سواء المعارضة أو النظام، وهذا ما ينتظر سوريا بالفعل وسترضخ الأطراف للقبول بما يتفق عليه الطرفان الدوليان الأقوى عالميا.
ولن تكون قضية تسليم موسكو دمشق منظمومة S 300 معرقلة لذلك، خاصة مع ذكر وزارة الدفاع الروسية أن هذه المنظومة مزودة بآلية تحكم تحت إشراف عسكرييها بشكل مباشر، ما يجعل القوات السورية النظامية حارسا على هذه السلاح من دون القدرة على استخدامه، وهذا سترضى به إسرائيل.
النقطة الثانية التي يتفق عليها القطبان العالميان ولعلّها نقطة غير معلنة، هي ضرورة تقليص الدور الإيراني في سوريا، وهذا ما تسعى له الدولتان وإن اختلف الأسلوب، فواشنطن تعلن ربطها المشاركة في إعادة إعمار سوريا والمضي بحل سياسي ينهي الصراع فيها بخروج الإيرانيين منها، وعدم تكرار النموذج العراقي الذي يضطر في كثير من الأحيان السلطات الأمريكية التسليم بقوة نفوذ إيران في العراق، خاصة في اختيار اسم رئيس الحكومة (لاحظ الدور الإيراني المعطل حتى اللحظة اختيار رئيس حكومة خلفا لحيدر العبادي) وهذا ما لا تريد تكراره في سوريا.
أما موسكو فهي تعمل على تقوية القوات الحكومية وتدريب عناصرها، لتكون أكثر جاهزية للحفاظ على الأرض، وأخذ زمام المبادرة العسكرية حينها يمكنها التخلص من المليشيات التابعة لإيران، وهذا بالفعل ما يؤيده مزاج الكثير من الضباط السوريين الذين لا يرغبون بتعاظم النفوذ الإيراني ولا غيره على حساب كرامة وعروبة بلدهم.
النقطة الثالثة هي الخوف والتحسب لبديل النظام الحالي، وهذه مسألة مرتبطة بالنقطة الأولى وهي أمن إسرائيل، فالدولتان ليس لديهما تصور عن إمكانية وجود بديل يمكن التفاوض معه من أجل إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع عدم قدرة المعارضة السورية على إقناع العالم بالقدرة على إنجاز ذلك هي سعت ولكنّها فشلت بسبب تنامي التيارات المتطرفة داخلها، ولعلّ استيلاء جبهة النصرة على إدلب وحجزها نحو 3 ملايين نازح نموذج لذلك.
النقاط الثلاث مهمة للغاية، ولشدة أهميتها قد لا تكون تفاصيل الاتفاق عليها بين الجانبين منوطة بوزيري خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو ونظيره الروسي فحسب، لذلك بات من الملاحظ تدخل كبار مسؤولي البلدين على خط التفاهمات الروسية الأمريكية، وهذا ما حدث واقعا حين اجتمع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في أغسطس/آب في جنيف، ولاشكّ أنّ الرجلين تعرضا بشكل مباشر في نقاشهما للقضية السورية وإن كان ذلك بشكل عابر.
في الواقع قد لا يترك الأمنيون فرصة للسياسيين كي يحددوا شكل التسوية النهائية للملف السوري، وسيشرفون على ذلك بشكل مباشر مراعين الجوانب المهمة للطرفين، وهذا ما يؤكده كلام السفير الأمريكي لدى روسيا "جون هانتسمان" من أنّ بلاده وروسيا تعملان من وراء الكواليس بهدف دفع التسوية السياسية في سوريا، كاشفا عن لقاء جديد سيجمع بولتون بباتروشوف في هذا الشأن وهنا تكمن قوة التحرك الذي من المفترض به تعجيل الحل السياسي ورسمه وفق ما تقتضيه مصلحة غير السوريين الذين لن يكون نصيبهم من التسوية المقبلة سوى التوقيع على الصفحات المكتوبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة