القطاع الصناعي في الموصل يكافح لاستعادة عافيته مجددا

يقارب سكان الموصل مليوني شخص من الذين خنقتهم البطالة والفقر المدقع
بعد دحر مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي وطردهم قبل عامين من الموصل في شمال العراق، ورثت كبرى مدن نينوى قطاعاً صناعياً مدمراً بفعل المعارك الدامية، واليوم تسعى المدينة التي كانت تاريخياً مركزاً للتجارة في الشرق الأوسط لإعادة فتح مصانعها تدريجياً وسط عقبة الواردات المنافسة والبنية التحتية التي تحتضر.
قبل خمس سنوات، عندما جعل تنظيم داعش الإرهابي من الموصل مركزا لمقاتليه في العراق، توقفت الصادرات والصناعة فجأة. وفي الوقت الذي تتعافى فيه خطوط التصدير ببطء اليوم، احتلت الواردات الأسواق وتبدو إزاحتها مستحيلة بسبب تكسير الأسعار.
استأنف عصام سعدالله (33 عاماً) العمل في معمله الصغير لإنتاج الألبان ومشتقات الحليب في الشطر الغربي من الموصل منذ مدة قصيرة، بعدما تدمر مصنعه "بنسبة 60% نتيجة القصف الجوي الذي صاحب عمليات التحرير"، وفقا لما يقوله.
وضع سعدالله كل مدخراته في مشروعه وحتى إنه اقترض المال من أقاربه لوضع حد لمخلفات الحرب وثلاث سنوات من حكم المتطرفين حين كانت الموصل "منقطعة عن العالم الخارجي وإغلاق المعامل لأبوابها".
لكن بالنسبة لما يقارب مليوني شخص من سكان الموصل الذين خنقتهم البطالة والفقر المدقع فإن الخيار كان سريعاً.
- إلى سنغافورة وباريس
يشتري نظير عبدالله على سبيل المثال "البضاعة المستوردة خصوصاً الصينية، لأن أسعارها رخيصة".
ومع راتبه القليل كموظف في أحد المطاعم، تمكن هذا العراقي البالغ من العمر 26 عاماً من إجراء حساباته بسرعة. فبألفي دينار (أقل من دولارين بقليل)، يمكنه شراء قدر من الجبن الأبيض الموصلي، أو قدر أكبر بكثير من الجبن الأبيض التركي.
ويعد شراء السلع الأجنبية أمراً جديداً في الموصل، حيث كان القطاع الخاص يفخر بوجود 350 مصنعاً حتى صيف عام 2014، وكان سكان البلاد يشترون منها لوازمهم من الأدوية ومواد الصناعات الكيميائية والزراعية، التي كانت تصنعها الدولة في المدينة التي كانت تعتبر أيضاً "سلة حبوب" البلاد.
تنتج مصانع الأسمنت في الموصل أكثر من مليون طن بجودة عالية سنوياً. وحتى عام 1990، كان الأسمنت الموصلي يصدر إلى سنغافورة. كما أن أقمشة الموسلين القطنية الفاخرة كانت تتدفق إلى باريس وغيرها من عواصم العالم.
لكن مع احتلال تنظيم داعش الإرهابي لها تم الاستيلاء على جميع وحدات الإنتاج أو إغلاقها بالقوة من قبل الإرهابيين. وبحسب البنك الدولي، أعيد بيع ما بين 70 و80% من معدات تلك المصانع خارج البلاد أو تم تحويلها لصناعة الأسلحة.
هجرت مصانع عدة بسبب نقص المواد الأولية أو بسبب نزوح اليد العاملة الماهرة إلى المخيمات. أما بالنسبة للطلب فقد انخفض، حيث كان السكان يفكرون في البقاء على قيد الحياة أكثر من الإنفاق.
تحررت المدينة اليوم، لكن منتجاتها لا تزال غير قادرة على سلوك طريق التصدير. فقد تضاعفت الحواجز الأمنية في كل الأنحاء، وبعضها متضرر أو يتعرض لهجمات متكررة من الخلايا الإرهابية النائمة.
وعندما لا تقوم القوات النظامية بإغلاق الطرقات تقوم بعض الفصائل المسلحة بذلك.
- منتجات إيران وتركيا
في الآونة الأخيرة، أثار هذا الموضوع أزمة سياسية بين بغداد وفصيل مسلح، الذي رفض في مناسبتين الامتثال لأمر رئيس الوزراء، وقرر الإبقاء على نقاط التفتيش الخاصة به على الطريق الرئيسي بين الموصل وإقليم كردستان العراق، وأغلقه لأيام.
ويوضح مركز دراسات "تشاتام هاوس" أن "تلك العائدات حيوية للجماعات المسلحة" التي تسعى إلى الحفاظ على وجودها بعد انتهاء المعارك.
بالنسبة إلى المنظمة الدولية للهجرة، التي تساعد رواد الأعمال على بدء أعمالهم التجارية، فإن المشكلة الكبرى الأخرى هي "انعدام المساواة في الوصول" إلى الخدمات العامة.
يقول هاشم النجار، الذي أعاد إطلاق إنتاجه من الأنابيب والدلاء والأواني البلاستيكية إن "الكهرباء اليوم متردية وعملنا يعتمد عليها كثيراً".
بعين على الآلات ومساعدته لعماله، يستذكر النجار حقبة ما قبل عام 2014، عندما كانت المؤسسات العائلية تزود محافظات العراق بالبضائع، لأن "الطريق سهل وآمن".
أما الآن فلا يبيع إلا في مدينته في شمال غربي العراق على الحدود مع تركيا وسوريا. وحتى في منطقته، فهو ينافس "المنتج المستورد من الدول المجاورة من إيران وتركيا ".
ولذلك، يقول عبدالمهيمن الحمداني (45 عاماً)، وهو صاحب أحد المصانع في الموصل، إنه من المستحيل تخفيض الأسعار.
ويؤكد أن المطلوب هو فرض ضرائب على الواردات، لجعل المنافسة عادلة، بينما يتعرض المنتجون المحليون لعقبات "ارتفاع الإيجارات وتكاليف النقل".
وللعودة إلى العصر الذهبي قبل تنظيم داعش الإرهابي، يرى الخبير الاقتصادي خالد حامد أن "إعادة الروح للمعامل في الموصل يتطلب دعماً حكومياً، وإصلاحاً للبنية التحتية (...) وتوفير جهاز مصرفي كامل" في بلد يصنف البنك الدولي نظامه المصرفي بـ"المتخلف".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA==
جزيرة ام اند امز