الذكرى الـ3 لهزيمة داعش.. أطلال تروي معركة الموصل
عند المطر، وساعات الليل المتأخرة، تنبعث روائح الموت للجثث المتحللة في المقابر الجماعية ومن تحت أكوام الأنقاض للأبنية المدمرة بالموصل.
أجزاء من الموصل العراقية (شمال) حولتها ظروف احتلال داعش وعمليات التحرير العسكرية إلى أطلال ومشاهد خراب.
يعيش ماهر عبدالغفار (40 عاماً) هو وعائلته، عند أحد أحياء مدينة الموصل القديمة، في منزل بسيط تركت الحروب آثارها على مرافق جدرانه رغم مرور زمن ليس بالقصير على انتهاء معارك التحرير واسترداد المناطق من سطوة تنظيم داعش.
يستذكر عبدالغفار، سنوات المحنة والقتل إبان استباحة التنظيم الإرهابي لمناطقهم، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، متحدثاً عن مشاهد نصيبها الخلود في ذاكرته حتى وإن تغير الحال، ونفض غبار المعارك عن وجه المدينة.
يقول عبدالغفار: "الجروح العظيمة من الممكن أن تشفى لكن لا تختفي ملامحها".
يستدرك المواطن الموصلي، في القول "مرت ثلاث سنوات على إعلان تحرير العراق من دولة الخرافة والجهل، ولكن لم تتحرر المدن من الموت الخدماتي ولم تعد الحياة إلى أغلبها.. خرجنا من المعركة منتصرين ولكن بعدها أدركنا أننا فقدنا كل شيء وليس هنالك من يكترث لأمرنا".
الأحياء المحطمة والأبنية المتداعية ليست وحدها حاضرة في مدينة الموصل المنكوبة بالخراب، كما يزعم عبدالغفار، وإنما هنالك مشكلة كبيرة وخطيرة بوجود جثث لقتلى سقطوا بنيران المعارك وما زالت تحت أكوام الأنقاض منذ ثلاث سنوات.
وفي هذا الصدد، يقول زياد شنكالي، مدير مرصد "أفاد" الإعلامي، إن"هناك الكثير من الجثث تحت أنقاض المدينة وأبنيتها المهدمة، إضافة إلى تحديد نحو 85 مقبرة لم تفتح بعد، كبرى هذه المقابر تقع في منطقة الخسفة (15) كيلومتراً إلى الجنوب من الموصل والتي تضم أكثر من عشرة آلاف جثة لأشخاص قتلهم تنظيم داعش".
ويضيف مدير المرصد أنه "من المؤكد أنه تم تشخيص ألف جثة عثر عليها تحت الأنقاض في الموصل القديمة، إضافة إلى 6000 جثة غير معروفة الهوية لأشخاص نزحوا إلى الموصل وحوصروا فيها خلال المعارك".
ويوضح مدير المرصد أنه "تم حتى الآن التعرف على 6150 جثة لأطفال ونساء، وهناك 5000 جثة لمجهولين في نينوى بينها جثث لمدنيين ولقتلى داعش، والحكومة متهمة بالتقاعس في العمل على تحديد هويات الأعداد الأخرى من الجثث".
الموصل، آخر معاقل داعش وأول المدن التي احتلها في يونيو/حزيران، قبل ست سنوات، لم تسترد من جسورها الخمس التي تربط الساحل الأيمن بيسارها سوى اثنين فقط، والحال يتشابه مع بقية المرافق الأخرى من مبان ومؤسسات ومعالم.
ورغم أن مدينة الموصل لم تسجل منذ انتهاء العمليات العسكرية وإعلان النصر النهائي على داعش في ديسمبر/كانون الأول 2017، أي خرق أمني، إلا أن ذلك لم يشفع في تطوير الحياة فيها وغسل طرقها من دم الحروب وشظايا الصواريخ.
يقول الناشط الموصلي، ساهر الشمري، "المدينة لم تشهد إعماراً حقيقياً من طوال السنوات الماضية التي تلت ديسمبر 2017، إذ إنها كانت عبارة عن إسقاط فرض حكومي ودعاية ليس إلا".
ويوضح الشمري، لـ"العين الإخبارية"، أن الحال في جانب الموصل الأيمن رغم الخراب الكبير، أفضل بكثير من جانبها الأيسر كون الأخير أكثر تضرراً بفعل احتلال داعش ومعارك التحرير".
وحول إعادة الإعمار يقول الشمري: "هذا العام لاحظنا حملة للتبليط (الرصف) في الشوارع الرئيسية فقط، لكن ما تزال عشرات الأحياء في جانبي الموصل بحاجة إلى ثورة إعمار حقيقية".
أما عن عودة العوائل النازحة من الحرب إلى المدينة، يوضح الشمري، أنها: "لم تكن بجهود حكومية وإنما بإرادة وجهود أهلها من الموصليين الذين أصروا على عودة الحياة وعدم الاستسلام للظروف القاهرة من دمار وخراب كبيرين".
الأكاديمي في مجال الاقتصاد، ميثم لعيبي، يلفت إلى أنه ورغم انقضاء سنوات ليست بالقليلة على انتهاء الحرب إلا أن الحكومة لغاية الآن لم تقدم إحصائيات رسمية بنسب الدمار في المحافظات التي احتلها داعش والعمليات العسكرية.
ويتابع لعيبي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، موضحاً أن "المرحلة التي تلت انتهاء إعلان النصر على تنظيم داعش كانت تتطلب استقراراً سياسياً ومناخاً وطنياً حتى تتضح الرؤى والخطط التي من شأنها إعادة الحياة إلى المحافظات المدمرة، غير أن الظروف والمنكافات فرض تداعياتها على المشهد وحالت دون تحقيق إعمار حقيقي يتناسب وحجم الخراب".
ويرى لعيبي أن المناطق المحررة من قبضة التنظيم كانت بحاجة لما لا يقل عن 10 سنوات لإعادة إعمارها، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد قد تؤجل الإعمار لأبعد من ذلك.
وحتى منتصف حزيران/يونيو 2017 تجاوزت نسبة الدمار في الأحياء السكنية 60%، بينما بلغت في البنى التحتية نحو 80%، نتيجة ثلاث سنوات من سيطرة داعش على الموصل وعمليات التحرير التي تلت ذلك.
وقدرت الأمم المتحدة كمية الحطام الناتج عن النزاع في الموصل بعد أيام على تحريرها بـ11 مليون طن.
وبحسب مسؤول أممي في العراق، تبلغ كلفة أعمال البناء بالمدينة لعام واحد قرابة 1.8 مليار دولار.
وكشف تقرير صادر عن مجموعة البنك الدولي ووزارة التخطيط العراقية في 2018 أن تكلفة إعادة الإعمار في جميع المدن التي شهدتها الحرب تفوق الـ88 مليار دولار، وأن إعادة إعمار قطاع الإسكان الخاص بحاجة إلى 17.2 مليار دولار.
aXA6IDMuMTM4LjM2LjE2OCA=
جزيرة ام اند امز