ليس هناك شك في أن نتائج العملية العسكرية ستقوي كثيرا من موقف الجانب الوطني المتمثل في الجيش
إن حملة الانتقادات التي نراها ونسمعها ضد العملية العسكرية التي يقودها المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي متوقعة، وينبغي ألا تكون بتلك الغرابة خاصة من الإعلام القطري والتركي والإعلام التابع للإخوان المسلمين، لأنها حملة ستكون نتيجتها خسارتهم من حالة الجمود السياسي الذي استفادوا منه منذ عام 2011.
ويمكن تقسيم الحملة الإعلامية إلى حملة حقيقية خاصة من الإعلام المؤدلج ذي الأجندات الدينية بهدف الإساءة لقائدها والتي تهدف لما هو أبعد من المجد الشخصي له. كما تهدف أيضاً إلى الإساءة للدول التي تساند فكرة الحملة التي تسعى إلى إنقاذ الشعب الليبي من سيطرة المليشيات على طرابلس، وذلك تحت زعم الغيرة والقلق على الإنسان الليبي؛ لأنها -أي الحملة- أوجعتهم وهددت استقرارهم.
ولكن في المقابل تبدو تلك الحملة غير حقيقية من الدول الغربية ومن المسؤولين الدوليين حتى وإن أصدروا بيانات الإدانة فهو أقرب لأن يكون من أجل "ذر الرماد على العيون"، لأن الوضع السياسي في ليبيا لا يقتصر على عدم تغيره منذ حوالي ثماني سنوات، ولكن لأن الحالة الليبية هي الشغل الشاغل للعديد من الدول العربية والأوروبية والأفريقية للجوار الليبي وتمثل عبئاً سياسياً عليهم فكان الخوف من انتقال تلك المليشيات إلى الجوار أو للغرب مما يعني تهديدا لأمن الإقليم بالكامل.
إن استراتيجية تحريك أي وضع جامد أو ما يعرف بحالة "اللاحرب واللاسلم" يحتاج إلى قوة عسكرية لتحريك المياه الراكدة، وفي الحالة الليبية فإنه حتى إذا لم يتم الاتفاق على وضع معين، فإن الجيش الوطني سيدخل بعد كطرف جديد في المعادلة الليبية وسيسهم في ألا تكون طرابلس مرتعاً لأمزجة أمراء الحرب
إذا تمت مراقبة السلوك الانفعالي للمنتقدين لهذه الحملة، فيجب الاعتراف بأنه من الواضح أن المستفيد منه تكتيكياً هي الدول التي تدعم تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي ضد الحملة الدولية للتضييق عليهم. كما يجب على المجتمع الدولي إدراك قيمة الهدف الاستراتيجي المهم الذي يضحي به، والذي يخص استقرار المجتمعات الغربية ذلك لأن ليبيا هي نقطة عبور الإرهابيين إلى أوروبا، وبالتالي فهي تعد فرصة للإفلات من حملة التضييق عليهم التي بدأت تجني نتائجها في مصر واليمن وسوريا.
إن أحد إشكاليات جمود الوضع الليبي وعدم تحريكه هو وحدة عمل المليشيات فبرغم اختلافها الأيديولوجي فإنها تتعايش مع بعضها ويخدم بعضها بعضا ضد أي مساعٍ دولية وإقليمية لحل الأزمة على اعتبار أن الخلاف بينها ستكون نتيجته طردهم من ليبيا.
وعليه فليس هناك شك في أن نتائج العملية العسكرية ستقوي كثيراً من موقف الجانب الوطني المتمثل في الجيش خلال اللقاء الدولي المزمع عقده خلال الأسبوع القادم بين القوى السياسية الليبية برعاية الأمم المتحدة، بل أكاد أجزم بأن القوى الدولية ترحب بهذا الطرف الجديد والقوي لأنه سيساعدها على وضع شروط خاصة به في الحوار، وستخلق وضعاً جديداً للحديث السياسي حول مستقبل ليبيا، كما أنها ستعمل على تفكيك "التشابك السياسي" للمجاميع المتشددة والتي لم يتجرأ أحد بالإشارة إليها.
إن استراتيجية تحريك أي وضع جامد أو ما يعرف بحالة "اللاحرب واللاسلم" يحتاج إلى قوة عسكرية لتحريك المياه الراكدة، وفي الحالة الليبية فإنه حتى إذا لم يتم الاتفاق على وضع معين، فإن الجيش الوطني سيدخل بعد كطرف جديد في المعادلة الليبية وسيسهم في ألا تكون طرابلس مرتعاً لأمزجة أمراء الحرب الذين يكررون مشاهد أفغانستان واليمن.
إن أي تقييم للوضع السياسي بعد مقتل معمر القذافي بأنها أصبحت مأوى لكل المليشيات الإرهابية المدعومة من تنظيم الحمدين في قطر ومن تركيا، وما يدور في الإعلام حالياً حول محاولات انتقال بعض قيادات الإخوان المسلمين من تركيا لإدارة المعركة في ليبيا أو محاولات الهروب لبعضه منها إلى قطر؛ هو دليل عملي لعلاقة البلدين بالوضع الليبي ودعمهم للتنظيمات الإرهابية.
إن تكثيف الجهد العسكري في ليبيا سيحدث اختراقا في جدار المليشيات وانشقاقات بين صفوفها. وبالتالي لا بد من العمل على المطالبة للبحث عن حل سياسي حقيقي بعد أن يوجد توازن على الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة