في كل يوم يمضي، خلال الحرب في أوكرانيا، هناك ثمة تغييرات جديدة وتعديلات كثيرة على العلاقات الدولية حول العالم، وهذه التغييرات اليومية، هي التي ستشكل وجه العالم الجديد، بعد نهاية الحرب.
لا يمكن أن تبقى أوروبا كما هي، سواء انتصر الروس أم تمت هزيمتهم، قد لا يلحق بأميركا تغييرات كثيرة، لكن في ذات الوقت، ستظهر بلا شك تأثيرات كبرى، بعد نهاية الحرب، وقد بدأ الكتّاب فعلاً نشر كتبهم حول أسباب الحرب وبدأوا التنبؤ والتوقع لماهية تلك التغييرات التي ستحدث، من خلال دراسة التأثيرات وطرق التعامل معها، سواء من الناحية العسكرية، والتغير الملفت في حجم القوى ومدى تطورها ومنافستها لقوى العالم الأخرى العسكرية، أو من الناحية الاقتصادية، وما أنتجته وستنتجه الحرب على الاقتصادات الأميركية والأوروبية والروسية والصينية وغيرها من الاقتصادات المؤثرة والمتأثرة حول العالم، كاقتصادات دول الخليج، وأيضاً من نواح أخرى كالاجتماعية والثقافية والعلمية.
التوقعات التي تؤكد أن الحرب في أوكرانيا قد تمتد لسنوات، ومع أنها غير دقيقة، حتى لو صدرت من بريطانيا أو أميركا، فإنها تحاول أن تعطي نفسها مساحة أكبر للتعامل مع الأزمة، وقد تساهم في ترويض الشعوب في أميركا وأوروبا وتمنحهم القدرة على التكيف مع الظروف السياسية والاقتصادية الحالية واللاحقة، من خلال تخفيف درجة القلق من متوترة جداً بسبب الحرب، إلى قلق مزمن، يمكن التعامل معه، لكن هذه التوقعات، ستؤثر أيضاً في التغييرات العالمية التي تجري بشكل يومي، على مختلف الأصعدة.
سنفترض أو نتوقع، أن الحرب في أوكرانيا قد وضعت أوزراها بعد عام من الآن، وأن السيد بوتين، قد بدأ اليوم يجمع وثائقه التي قد يحتاجها لتأليف كتاب عنها، كسلسلة الكتب التي قام «ونستون تشرتشل» بتأليفها عن الحرب العالمية الثانية، مع مجموعة من المساعدين، والذي وصف من خلالها «أخلاق العمل» على أنه (في الحرب: الحل، وفي الهزيمة: التحدي، وفي النصر: الشهامة، أما في السلام فهي النوايا الحسنة)، لكن السيد بوتين، لن يواجه مشكلة في الحصول على جميع الوثائق التي يحتجها، كما حدث مع تشرتشل، حيث كان ما يزال يمارس عمله السياسي آنذاك، في العام 1945، فاضطر للكتابة من وجهة نظر شخصية، لذلك سيكتب السيد بوتين، مدعماً بالوثائق، السياسية والعسكرية، عن حتمية الحرب في أوكرانيا، وأنه لم يكن هناك ثمة أي مجال لتجنبها.
سيجد السيد بوتين وثائق مهمة جداً جرى تمريرها أو تداولها قبيل الحرب، سواء مع القيادات الغربية أو مع قياداته العسكرية، وسيكتب، كما كتب ستالين في وثيقة 15 مايو 1941، أي قبل أسبوع واحد من هجوم هتلر على الاتحاد السوفييتي: كان من الضروري حرمان قيادة أوكرانيا من أية مبادرة، وإحباط قدرة «الناتو» على الاستعداد أو المشاركة لاحقاً، وكان لا بد من مهاجمة أي تحرك عسكري أو إمدادات عسكرية من الناتو دون تلكؤ، وحين وصلنا كييف، رأت القيادات العسكرية تعديل الخطة والعودة إلى المناطق الشرقية والجنوبية وإحكام السيطرة عليها».
سيهتم السيد بوتين، بعد نهاية الحرب، من خلال كتابة كتاب أو بدون، التخفيف قدر المستطاع من التغييرات السلبية الكثيرة التي أثرت وستؤثر على روسيا، سيحاول أولاً إقناع الشعب الروسي، ثم شعوب العالم، من أنه لم يقرر الحرب، بل كان مجبراً مدفوعاً بالاستفزاز الشديد من قبل الناتو وأوكرانيا، لذلك فهو لا يتحمل وحده مسؤوليات نتائج الحرب، وسيهتم أيضاً، كرئيس يحق له دستورياً البقاء في موقعه حتى العام 2036، إعادة تشذيب العلاقات مع دول كثيرة، وفتح ممرات اقتصادية آمنة، أغلقتها الحرب عنوة، وإعادة تشكيل جميع التحالفات والشركات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكنه يعلم، علم اليقين، أن العلاقات مع الولايات المتحدة، لن تعود أبداً، إلى سابق عهدها خلال حكم الرئيس الأمريكي رونالد ترامب، إلا إذا عاد ترامب رئيساً مرة أخرى.
يعرف السيد بوتين أن هذه الحرب اليوم، تسمى«حرب السيد بوتين»، ولكنها في النهاية، وكما جرى في الحرب العالمية الثانية، التي بدأت باسم «حرب هتلر» قد انتهت باسم «حرب ستالين»، حيث يحق للمنتصر فقط أن يحمل اسمها عبر التاريخ، ومع أنه قرر سلفاً، أنه لن يقبل بالهزيمة، على الإطلاق، حتى لو تكلف ذلك بدء حرب نووية وبيولوجية، لكني أعتقد أنه يأمل أيضاً، أن تنتهي بتحقيق الأهداف التي جاءت الحرب بسببها، وعلى رأسها إبعاد الناتو عن حدود روسيا قدر المستطاع.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة