12 عاما على مقتل القذافي.. جماهيرية ليبيا "التي كانت"
12 عاما على نهاية حقبة معمر القذافي التي دامت لـ4 عقود بلبيبا، لكنها لا تزال مؤثرة على مشهد يشبه هزات ارتدادية من توابع زلزال.
ففي العشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 2011 كانت نهاية حاكم ليبيا السابق معمر القذافي، الذي قضى على يد معارضيه بعد ثورة ضد نظامه استمرت ثمانية أشهر، كان حلف الناتو فيها حليفا لمن أسقط العقيد وقتله.
القذافي تولى السلطة عبر ما أسماها هو "ثورة" واعتبرها معارضوه "انقلابا" وقع في الأول من سبتمبر/أيلول عام 1969 أسقط من خلاله الحكم الملكي بالبلاد، الذي كان على رأسه الملك الراحل إدريس السنوسي.
جماهيرية القذافي
بدأت قصة الجماهيرية الليبية بعد أن شكل عدد من الضباط خلية "ثورية" بقيادة ملازم أول بالجيش الليبي وقتها، اسمه معمر محمد عبدالسلام أبومنيار القذافي، المولود في عام 1942.
زحف الملازم أول القذافي على مدينة بنغازي شرق البلاد التي كانت عاصمة صحبة طرابلس الغرب، واحتل مع رفاقه مبنى الإذاعة وحاصر القصر الملكي، وما هي إلا ساعات حتى استولى على السلطة رسميا فيما كان الملك خارج البلاد في تركيا.
وهنا أعلن الضابط معمر القذافي انطلاق عهد جديد لليبيا تحت اسم "الجمهورية العربية الليبية" بقيادة رفاقه (حركة الضباط الوحدويين الأحرار) وذلك قبل أن تتحول بعدها في 1977 إلى "الجماهيرية العظمى"، التي كان يسميها البعض بـ"جماهيرية القذافي".
كان ذلك قبل أن يلغي القذافي الدستور الليبي الحاكم دستور (1951 المعدل في 1963)، وأطلق إعلاناً دستورياً ألغاه لاحقاً لتظل البلاد بلا دستور ينظمها طوال فترة حكمه.
فترة استمرت 42 عاما كان القذافي مثارا للجدل الداخلي والخارجي، حيث حكم بقسوة ومنع الأحزاب والمنظمات الأهلية في ظل صحافة حكومية فقط، وكل ذلك كان ينص عليه قانون القذافي الخاص، الذي أطلق عليه اسم "النظرية العالمية الثالثة".
نظرية جاءت في كتاب أسماه "الكتاب الأخضر"، نسبة للونه المستمد من علم البلاد، الذي أصدره بدوره عوضا عن علم الاستقلال ذي ثلاثة ألوان، والذي كان علما للبلاد ما قبل عهد القذافي.
ولسنوات طويلة، تمحورت السلطة حول فكرة حكم الشعب نفسه بنفسه أو كما أسماها القذافي "سلطة الشعب"، حيث أنشأ مؤتمرات شعبية (برلمان) كانت تصدر جميع ما يخص البلاد من تشريعات وقرارات تنفذها الحكومة.
وفي حين كان القذافي يقول إن الشعب هو من اتخذ تلك القرارات عبر تدرج تلك المؤتمرات من المناطق إلى المدن إلى"المؤتمر الشعبي العام" لكامل البلاد، كان معارضوه يسخرون من ذلك، ويؤكدون أنه وحده من يتخذ تلك القرارات منفردا.
ووفق ذات النظرية وذات الكتاب الأخضر فقد استحدث القذافي تقويما خاصا بالتاريخ لـ"الجماهرية الليبية" يخالف ما تعارف عليه المسلمون، حيث رأى أن يؤرخ بدءا من وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وليس من الهجرة النبوية.
تواريخ القذافي هذه جعلته يغير أسماء الشهور كاملة، حيث ارتبطت بفصول السنة وأحداث وشخصيات تاريخية وأضحت تسمى: (النار - النوار - الربيع - الطير - الماء - الصيف - ناصر - هانيبال - الفاتح - التمور - الحرث - الكانون) على التوالي.
تلك الفترة يختلف فيها الليبيون بشأن حكم القذافي، حيث يرى بعضهم أنه دكتاتور فيما يرى آخرون أنه كان سببا في رخاء الشعب، إذ كان في ليبيا التعليم والكهرباء والمياه والعلاج وجميعها بالمجان، لكنها كان بجودة رديئة بالمقارنة بالمعايير الدولية وثروة البلاد النفطية.
علاقات القذافي الخارجية
ترك القذافي بصمة خارج "جماهريته" أيضا، فهو من دعم "ثورة المسلمين" في تشاد ضد حكم الأقلية المسيحية التي أقامها الفرنسيون بزعامة فرنسوا تومبالباي.
وساند القذافي أيضا المسلمين في جنوب الفلبين، حيث كانت طرابلس الليبية مقرا للمفاوضات التي دارت بين الحكومة الفلبينية والمسلمين عام 1976، والتي انتهت بإعطاء ولايات الجنوب حكما ذاتيا.
القذافي ذاته ساند عيدي أمين في أوغندا وأيّد باكستان في نزاعها ضد الهند سنة 1971، كما كان رافضاً لاستقلال بنغلاديش، ووثّق علاقاته بالاتحاد السوفياتي في عام 1974 بعد زيارة عبدالسلام جلود الرجل الثاني في النظام الليبي آنذاك لموسكو وتوقيعه اتفاقيات صداقة وتسليح.
معمر القذافي حاول أيضا العمل على الوحدة العربية وباءت كل محاولاته الاندماجية بالفشل في دمج ليبيا مع مصر وتونس.
وفيما كان كل ذلك علنا إلا أن للقذافي كانت علاقات دولية أخرى تحت الطاولة، تمثلت في دعمه جنوب السودان وانقلابات عسكرية حدثت في القارة الأفريقية التي كان يؤكد مرارا أنه قائدها وملك ملوكها.
بداية النهاية
معمر القذافي الذي أضحى برتبة "عقيد" وكان يلبس الزي العسكري حتى وهو حاكم للبلاد وسط انتقادات محلية له بكون الحكام يجب أن يكونوا مدنيين، أعلن في 2 مارس عام 1977 استقالته من كل مناصبه الرسمية وتفرغ "لقيادة الثورة".
حينها قال القذافي إن الثورة أمر مستمر، وليست فقط للوصول إلى السلطة أو تغيير النظام بحسب مفهومها التقليدي.
العقيد الليبي المستقيل الذي تحول إلى زعيم محلي تعرض خلال فترة حكمة لعديد محاولات انقلاب واغتيال التي نجا منها جميعا بفضل جهازه الأمني، الذي كان يجمع الجميع على أنه من أقوى الأجهزة الأمنية في المنطقة.
وبعد تصاعد خلافات معمر القذافي مع خصومه الليبيين وكذلك المجتمع الدولي انطلقت في عام 2011 دعوات للتظاهر ضده، إلا أن العقيد لم يأخذ ذلك على محمل الجد حتى حل يوم 15 فبراير/شباط المحدد مسبقا من قبل مناهضيه، وهو اليوم الذي تجمهر فيه ليبيون في مدينة بنغازي هاتفين ضد نظامه.
وبعد أن اضطرت أجهزة الأمن لمواجهة المتظاهرين الذين هجموا آنذاك في 17 من ذات الشهر ونفس العام على أحد المعسكرات بالرصاص وسقط قتلى وجرحى سرعان ما تحولت تلك المظاهرات إلى حرب أهلية.
حرب استمرت ثماني أشهر تفوق فيها "الثوار" بدعم من حلف الناتو الذي أرسل طائراته لتدمر معسكرات القذافي وأبادت جنوده.
خلال تلك الفترة وتحديدا يوم 20 أغسطس/آب انتفضت طرابلس ووقعت اشتباكات مسلحة إلى أن حاصر خصوم القذافي باب العزيزية "رمز الحكم"، إلا أن كتيبة حراسات المكان التابعة للقذافي رفضت القتال، ما سهل دخول المسلحين لباب العزيزية وبيت القذافي يومي 21 و22 من الشهر نفسه، وأعلنوا السيطرة على العاصمة وإسقاط حكم العقيد.
وظل العقيد القذافي مختفيا إلى أن ظهرت صور له في مدينة سرت مسقط رأسه في مثل هذا اليوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 مضرجا بالدماء قبل الإعلان عن مقتله رسميا ليتم دفنه من قبل المجلس الوطني الانتقالي (أول برلمان بعد إسقاط القذافي) بشكل سري في مكان غير معلوم دون حضور.
aXA6IDMuMTUuMTQ1LjUwIA== جزيرة ام اند امز