معركة "مدير الجمارك".. "المحاصصة" الناجي الوحيد في انفجار بيروت

خلاف بين الرئاسة اللبنانية والحكومة على إعفاء مدير الجمارك، وسط شكوك بشأن حماية المسؤولن الفاسدين على أرضية حسابات طائفية

نشبت معركة جانبية بين الرئاسة والحكومة اللبنانيتين بشأن إعفاء مدير الجمارك المحسوب على تيار صهر الرئيس مشيل عون، من منصبه على خلفية انفجار مرفأ بيروت، الذي أتى على نصف العاصمة وخلف عشرات القتلى وآلاف الجرحى.

وبدا أن "المحاصصة" الطائفية هي الناجي الوحيد من الانفجار الذي كلف لبنان 15 مليار دولار خسائر مباشرة، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية هي الأعنف منذ عقود.

وامتنع عون عن توقيع مرسوم إعفاء مدير عام الجمارك بدري ضاهر من منصبه بزعم "تطبيق مبدأ المساواة" بين الموظفين، فيما يرى معارضون أن الهدف هو حماية أتباع "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه النائب جبران باسيل (صهر عون) بعد شبهات فساد طالته.

ووقع وزير المالية غازي وزني، وهو الوزير المختص، ورئيس مجلس الوزراء المستقيل حسان دياب قرار إعفاء ضاهر.

وطبّق وزني ودياب بذلك قرار الحكومة في 10 أغسطس/آب الماضي القاضي بالموافقة على وضع جميع الموظفين من الفئة الأولى والذين تقرر أو سيتقرر توقيفهم في ملف المرفأ، بتصرف رئيس مجلس الوزراء، مع إعفائهم من مهام وظائفهم.

والإعفاء من الوظيفة، هو قرار إداري بحسب القانون اللبناني، وليس قراراً تأديبياً، ويجري اللجوء إليه في حال كانت هناك شبهات قضائية حول أي موظف، فيُوضع الموظف بتصرف مجلس الوزراء إلى حين إصدار الحكم القضائي.

وخالف عون بذلك قرار الحكومة، لكنه علله بالقول إنه طلب، عملا بمبدأ المساواة، إصدار جميع المراسيم المتعلقة بالموظفين المعنيين بقرار مجلس الوزراء"، في إشارة إلى مسؤولين آخرين.

ووجد سياسيون في امتناع عون عن التوقيع سببين، أولهما أن ضاهر مقرب من "التيار الوطني الحر" الذي أسسه عون ويرأسه حاليا النائب جبران باسيل، وبالتالي فإن عون يحمي أحد أتباعه في الإدارة اللبنانية. أما السبب فهو خاضع للتوازنات الطائفية اللبنانية، بحيث تفترض السلوكيات القائمة تطبيق مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في كل شيء يختص بالدولة.

وقال القيادي في "تيار المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش لـ"العين الإخبارية" إنه من الناحية الدستورية "إذا وقع رئيس الحكومة ووزير المالية بإمكان عون تجميد القرار"، لكنه يشير إلى أن "الرئيس عون يتصرف على هذا النحو لأن ضاهر من جماعته".

وجدد امتناع عون التوتر بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وردّت الأمانة العامة لمجلس الوزراء المرسوم إلى عون مرة أخرى لتوقيعه.

وأوضحت رئاسة الحكومة في خطاب أرسلته إلى رئاسة الجمهورية أنها أحالت بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول الجاري مشروع مرسوم إعفاء مدير عام النقل البري والبحري عبدالحفيظ القيسي من مهام وظيفته إلى وزير المالية لتوقيعه، كما سيوقع جميع المراسيم المشابهة التي ترد إليه من الوزراء المعنيين وإحالتها الى رئاسة الجمهورية لإصدارها وفقاً للأصول الدستورية.

وتنهي رئاسة الحكومة بذلك الذرائع الضمنية التي تتمسك فيها رئاسة الجمهورية حول التوازنات الطائفية، وإعفاء موظف مسيحي دون موظف مسلم.

وقال علوش: "إذا كانت هناك من معطيات قانونية فإنه لا يستطيع التجميد، ويبدو أنه يقوم بتسوية سياسية على طريقة 6 و6 مكرر"، في إشارة إلى التوازنات الطائفية والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

وأضاف علوش: "حسب التوقيفات الحاصلة يبدو أن هذا النهج هو المعتمد، وفي النهاية لو أن هناك تحقيقاً شفافاً وجدياً في ملف تفجير المرفأ فإنه لو كان المتهمون من طائفة واحدة يجب توقيفهم ومحاكمتهم".

ورأى أنه فيما يتعلق بالتحقيق في انفجار المرفأ "المسألة هي على من يثبت الجرم بغض النظر عن الفريق الذي يدعم كل من الموقوفين".

وبلغ عدد الموقوفين لدى القضاء اللبناني في ملف انفجار المرفأ 25 شخصاً.

وقال عضو كتلة "الجمهورية القوية" سيزار معلوف لـ"العين الإخبارية" إنه "انطلاقا من صلاحيات بدري ضاهر وصلاحيات الجمارك وإدارة المرفأ والقوى الأمنية، وبعد انتهاء التحقيق مع كل هؤلاء، القضاء وحده من يحدد إذا كان هناك من تهم ستوجه إلى أي من هؤلاء ومدى المسؤولية التي سيتحملها كل واحد منهم من عدمه".

وقلل معلوف، وهو خصم سياسي لـ"التيار الوطني الحر"، من فرضية تعدي عون على صلاحيات الحكومة. وقال: "لا يحق لرئاسة الحكومة ولا لوزير المالية إعفاء ضاهر من مهامه قبل صدور الحكم"، داعياً لانتظار حكم القضاء.

وأضاف: "هذا ينسحب على توقيع رئيس الجمهورية أيضا، ورئيس الجمهورية برفضه التوقيع لا يحمي الفاسدين لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.. ولا أعرف إذا كان برفضه التوقيع يحاول إجراء تسوية سياسية، لكن ما هو معروف أن رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر معتادان على إجراء التسويات في لبنان".

ويجري التحقيق مع المسؤولين عن مرفأ لبنان بشأن شحنة ضخمة من مادة نترات الأمونيوم سريعة الاشتعال التي ظلت منذ عام 2014 مخزنة على نحو غير آمن ما تسبب في الانفجار.