"ميونخ للأمن".. قضايا دولية وإقليمية شاملة
يلاحظ أن مؤتمر ميونيخ للأمن يكتسب في كل عام مزيدا من الشفافية في جدول أعماله ومناقشاته وزيادة عدد المشاركين فيه وتنوع قضاياه.
شهد مؤتمر ميونخ للأمن في دورته 56 هذا العام في الفترة من 14 إلى 16 فبراير/شباط الجاري مناقشة عدة قضايا مهمة وملحة حول العالم، بمشاركة 39 رئيس دولة وحكومة.
وتراوحت القضايا بين الأمن العالمي والأمن الأوروبي وأمن منطقة الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا.
ويوصف المؤتمر بأنه منتدى مهم لعقد اللقاءات والاجتماعات بين كبار اللاعبين في مجال السياسة والأمن، بعيدا عن قيود الدبلوماسية، وتكمن أهمية المؤتمر في قيمة الشخصيات المهمة المشاركة فيه، وينظر إليه على أنه فرصة لمناقشة وتقييم الوضع الأمني الدولي إجمالا.
وعرض مؤتمر ميونيخ الأمني هذا العام موضوعات واسعة النطاق، فالمؤتمر الذي تأسس عام 1963، لا يزال يضيف الجديد إلى جدول أعماله ومناقشاته كل عام.
فعلى خلفية تفشي فيروس كورونا يشارك الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جبريسوس في المؤتمر.
كما حضر العديد من قادة الأعمال الدوليين لتسليط الضوء على الدور الحاسم للتكنولوجيا والتجارة في العلاقات الدولية، بما في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرج.
كما شهد المؤتمر هذا العام عشرات الأحداث والاجتماعات الثنائية ومتعددة الأطراف منها اجتماع آخر لمؤتمر برلين حول ليبيا، والاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي، ولقاءات المائدة المستديرة لمناقشة التحديات الأمنية في القطب الشمالي والصحة والأمن السيبراني وغيرها.
وعليه يمكن القول إن مؤتمر ميونخ للأمن يناقش الأمن بمفهومه الشامل أي الأمن العسكري والاقتصادي والبيئي والمعلوماتي والاجتماعي والإنساني وغيرها.
انتقاد للسلوك الإيراني:
وجه السيناتور الأمريكي الجمهوري، ليندسي جراهام، انتقادا واسعا لسلوك إيران الدولي ووصف النظام الإيراني بأنه مرض خبيث في الشرق الأوسط.
وأوضح أن إيران تهدف إلى الحصول على القنبلة النووية، وأنه لو حققت ذلك الهدف فسوف تستخدمها لتحقيق مصالحها.
وأكد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على استعداد لرفع العقوبات عن طهران مقابل أن يكون هناك بنك أوروبي للوقود النووي، يخزن فيه ذلك الوقود ليوزع على كل دول الشرق الأوسط بما فيها إيران للحصول على الطاقة السلمية، مضيفاً أن هذا هو البديل الذي تراه واشنطن عن الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران.
وهو اقتراح كان في الأصل لوزير الخارجية الأمريكي السابق المخضرم، هنري كيسنجر قبل سنوات في معرض محاولة إيجاد حلول لطموح بعض الدول على رأسها إيران لتخصيب اليورانيوم، والسعي إلى تخصيبه بنسب مرتفعة قد تسهم في استخدامه للأغراض العسكرية.
من جانب آخر، وصف السيناتور الأمريكي ليندسي جراهام إيران بأنها تقف خلف كل المشاكل التي تعاني منها دول المنطقة، ومنها: العراق وسوريا واليمن ولبنان بتدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول.
الأزمة الليبية
وناقش وزراء خارجية عدة دول أبرزها فرنسا وروسيا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة، في المؤتمر طرق حل الأزمة الليبية، وتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين الذي عقد في شهر يناير/كانون الثاني الماضي بشأن الوضع هناك.
ووفق وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، فقد سلط الاجتماع الأضواء على سبل تثبيت وقف إطلاق النار، ومراقبة قرار حظر تصدير الأسلحة، واستمرار المحادثات بين أطراف النزاع، مع المضي "خطوة بخطوة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر برلين".
من جانبه قال رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، فولفجانج إشينجر، إن هناك أطرافا تنتهك قرار حظر تصدير السلاح في ليبيا، مقترحا فرض عقوبات وآلية رقابة دولية، في حال استمر عدم الامتثال لمخرجات برلين.
وسعى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس خلال المشاورات مع نظرائه الأوروبيين إلى إقناعهم بالتوصل إلى قرار حول المساهمة الأوروبية في مراقبة حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا.
ومن بين الدول الداعمة لأطراف الصراع تركيا التي تدعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج بالسلاح والتدريب والإرهابيين الذين تقوم بنقلهم من سوريا الى ليبيا.
من جانبها حثت الأمم المتحدة قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر على إنهاء محاصرة مناطق إنتاج النفط في البلاد.
الناتو ومحاربة تنظيم داعش
في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الألمانية أنيجريت كرامب - كارنباور، قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن تنظيم داعش الإرهابي لم يهزم بعد كلياً، وهو ما أكدته وزيرة الدفاع الألمانية موضحة أن تنظيم داعش لم يهزم بل تقهقر إلى الوراء.
وأعلن مارك إسبر من جهته أن الاتفاق على تفاصيل تقاسم مهام محاربة "داعش" بين التحالف الدولي وحلف شمال الناتو، سيتم خلال الأسابيع المقبلة، مضيفا أن الحلف سيوسع من مهمته في العراق بالتنسيق مع بغداد.
وتحث واشنطن حلف الناتو على أداء دور أكبر في محاربة "داعش" في العراق بعد قرار البرلمان العراقي طرد القوات الأجنبية إثر اغتيال قاسم سليمان، القائد السابق لفيلق القدس الإيراني.
وكان أمين عام الناتو ينس ستولتنبرج قد أكد، قبل لقاء مؤتمر ميونيخ، أنه تلقى الضوء الأخضر من الحكومة العراقية بقبول وجود قوات الحلف في العراق، رغم استمرار الجدل هناك حول ما إذا كان طرد القوات الأجنبية سوف يشمل حلف الناتو أم لا.
ويواجه حلف الأطلسي انتقادات من الإدارة الأمريكية، خاصة من الرئيس ترامب، كما صدرت مؤخرا انتقادات ضد الحلف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصف الحلف بأنه في حالة موت دماغي.
زيادة إنفاق دول" الناتو"
منذ وصول الرئيس الأمريكي ترامب للسلطة، يطالب الدول الأوروبية بتحمل مزيد من النفقات في ميزانية حلف الناتو، وتتعرض ألمانيا لانتقادات مستمرة وضغوط من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بسبب عدم إنفاقها نسبة 2% من ميزانيتها على الدفاع، أعلنت ألمانيا أمام هذه الضغوط زيادة إنفاقها العسكري بشكل تدريجي.
ودفعت هذه السياسة الألمانية الحذرة برئيس مؤتمر ميونيخ للأمن لتوجيه انتقادات لبلاده، داعيا المسؤولين الألمان لمزيد من الانخراط في المشاكل الدولية. وشكلت نقطة الإنفاق الدفاعي لألمانيا دافعاً للرئيس الألماني فرانك فولتر شتاينماير ليوجه انتقادات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر.
وبعد أن اعترف شتاينماير بأن بلاده يمكنها وعليها أن تقوم بمزيد للمساعدة في الأمن العالمي، تحدث عن الحاجة إلى مزيد من الدبلوماسية، وما يحمل ذلك من تبعات على الأمن العالمي، مع ضرورة اتخاذ طريق أكثر تعقلا في التعاطي مع الأزمات الدولية.
كان لافتا للنظر الانقسام في الآراء في الجلسة التي شارك فيها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والمستشار النمساوي سيباستيان كورتز حول مستقبل الغرب، وذلك حول ما إذا كان اللاجئون أو المهاجرون يشكلون تنوعا ثقافيا أم عبئا.
ففي حين رحبت كندا بزعامة جاستن ترودو باللاجئين، يعتمد كورتز خطابا وسياسة شعبوية في التعاطي مع اللاجئين، تذكر وربما تشير إلى تصاعد النزعة القومية الشعبوية في القارة الأوروبية.
وفي حين اعتبر ترودو أن التعددية هي إشارة إيجابية يتقدم بها العالم نحو الفضل، قال كورتز إن النمسا لديها مشكلة مع القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان؛ فهم غالبا غير متعلمين ولا فرصة لديهم بإيجاد عمل في بلاده.
على هامش أعمال المؤتمر دعا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى التقارب بين الاتحاد الأوروبي وروسيا موضحا حاجة أوروبا إلى التقارب بين دولها، في الوقت نفسه اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موسكو بأنها تمارس أعمالا عدوانية.
واشتطدر ماكرون أن موسكو سوف تواصل زعزعة استقرار الديمقراطيات الغربية إما عبر أطراف فاعلة خاصة وإما عبر خدمات مباشرة، وإما عبر (وكلاء) وأنها ستكون طرفاً فاعلاً عدوانياً للغاية في هذا المجال خلال الأشهر والأعوام المقبلة، وفي جميع الانتخابات، سوف تبحث عن وضع استراتيجيات تمكّنها من الحصول على وكلاء لها.
أما بخصوص الاتحاد الأوروبي، الذي انسحبت منه بريطانيا مطلع العام الجاري، فعبّر ماكرون عن قلقه من نقص تفاعل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع مشاريعه الإصلاحية بشأن أوروبا. ومعلوم أن فرنسا متحمسة تقليديا لتقوية الروابط داخل القارة الأوروبية وتعزيز مسيرة الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر، هناك خلاف في وجهات النظر حول مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، الذي ينقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، حيث تحذر الولايات المتحدة منذ فترة طويلة من اعتماد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على الغاز الروسي، وتفرض عقوبات على الشركات المشاركة فيه، في حين تؤيد ألمانيا المشروع وتنتقد العقوبات، في حين أن دول أخرى في الاتحاد الأوروبي مثل بولندا، تعارض المشروع وتخشى من ازدياد النفوذ الروسي في سوق الطاقة الأوروبية.
الخلاصة يلاحظ أن مؤتمر ميونيخ للأمن يكتسب في كل عام مزيدا من الشفافية في جدول أعماله ومناقشاته، وزيادة عدد المشاركين فيه وتنوع قضاياه، وهو المؤتمر الذي كان قد تأسس في الأصل عام 1963 كاجتماع ألماني أمريكي لتبادل المعلومات حول القضايا الأمنية.
وقد أصبح مؤتمر ميونيخ الأمني مؤتمرا دوليا فعالا يناقش التحديات الحالية والمستقبلية للسياسة الأمنية الدولية، وينتظره العالم في شهر فبراير من كل عام، ما يجعله واحدا من أهم المؤتمرات الأمنية والدبلوماسية حول العالم.
aXA6IDE4LjExNi40OS4yNDMg جزيرة ام اند امز