مؤتمر ميونيخ للأمن.. حجر زاوية في دبلوماسية الأبواب المغلقة
العشرات من قادة الدول والحكومات يلتقون في فندق بيرانشه هوف الشهير بميونيخ لاستعراض الملفات الأمنية العالمية.
على مدار 3 أيام، في منتصف فبراير/شباط من كل عام، يلتقي العشرات من قادة الدول والحكومات، إضافة إلى وزراء الدفاع، في فندق بيرانشه هوف الشهير، في مدينة ميونيخ، جنوبي ألمانيا، لاستعراض الملفات الأمنية الملحة بالعالم عبر جلسات ونقاشات مفتوحة.
لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فخلف الأبواب المغلقة في الفندق الشهير تجرى لقاءات دبلوماسية رفيعة المستوى على هامش البرنامج الرسمي للمؤتمر، لقياس المواقف والوقوف على الأرضية المشتركة في القضايا الدولية الملحة.
وتعد الدورة الحالية للمؤتمر التي من المقرر أن يحضرها 35 قائد دولة وحكومة في مقدمتهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، و80 وزير خارجية ودفاع من مختلف دول العالم، فضلا عن 600 خبير أمني، "الأكبر والأكثر أهمية" منذ تدشين المؤتمر الأمني الرفيع في 1963، حسب تصريحات صحفية لرئيسه فولغانغ أشينغر نشرتها صحيفة ذور دوييتشه الألمانية الخاصة، الجمعة.
48 ساعة مناقشات
وانطلاقا من اليوم الجمعة، يبدأ برنامج المؤتمر الرسمي الذي يتضمن 48 ساعة مكثفة من الفاعليات والندوات وجلسات النقاش التي يحضرها قادة وممثلي دول العالم. وأبرز الموضوعات على طاولة النقاش هذا العام هي التعاون عبر الأطلسي "العلاقات الأوروبية الأمريكية"، وتداعيات تجدد التنافس بين القوى الكبرى، فضلا عن ملفات الشرق الأوسط.
وبالتوازي مع البرنامج الرسمي، يقع خلف الأبواب المغلقة عالم من الدبلوماسية، تدور أنشطته في سرية تامة، ويحاول فيه المسؤولون الممثلون لدول العالم اكتشاف الأرضيات المشتركة في القضايا الدولية وبناء التحالفات والمواقف الموحدة.
ووفق الإذاعة الألمانية "الحكومية"، فإن مكان انعقاد المؤتمر "فندق بيرنشه هوف" الذي يقع في وسط ميونيخ، يحفز على مثل هذه اللقاءات السرية؛ فهو يمتد على عدة مبان متصلة بممرات، ما يفتح مجالا أمام انعقاد العديد من اللقاءات السرية المتزامنة.
كما يتميز الفندق بزواياه وأركانه البعيدة عن الأنظار والتي تعد مساحة مثالية لانعقاد النقاشات الدبلوماسية السرية، أو اللقاءات العابرة بين المسؤولين.
ويكتم السجاد الفخم المنتشر في ممرات وغرف الفندق أصوات الأقدام، كما يسهل العدد الكبير من السلالم والممرات الوصول الخفي إلى قاعات الاجتماعات والغرف المغلقة، ما يجعل "بيرنشه هوف" مثاليا لعالم الدبلوماسية السرية الذي يدور على هامش الفعالية السياسية الدولية.
وخصصت إدارة المؤتمر 100 غرفة في الفندق للاجتماعات السرية والمغلقة، على أن يستمر كل اجتماع نصف ساعة في المتوسط، حسب المصدر ذاته.
اللقاءات السرية..جزء من المؤتمر
"البرنامج الرسمي للمؤتمر هو مجرد طرف جبل الجليد" بهذه الكلمات أوضح فولغانغ أشينغر في تصريحاته التي نقلتها "ذود دويتشه تسايتونغ"، محورية اللقاءات السرية في مؤتمر ميونيخ.
فولفانغ الذي خدم في حياته المهنية كسفير لألمانيا في الولايات المتحدة ويملك خبرة دبلوماسية كبيرة، ويترأس المؤتمر منذ 2010، قال أيضا "مؤتمر ميونيخ يعد مكانا يتم فيه اختبار ومناقشة الأفكار الأمنية والدفاعية، وبناء التحالفات، وتجرى التجهيزات لدفع السلام العالمي قدما".
وفي هذا الإطار، لا تقل اللقاءات السرية أهمية عن الاجتماعات المفتوحة والنقاشات التي تملأ البرنامج الرسمي، وهي ما تجعل المؤتمر منصة لصناعة القرار على المستوى الدولي، حسب الإذاعة الألمانية.
وكمثال على الإسهام الذي تقدمه اللقاءات السرية على هامش مؤتمر ميونيخ، ذكر أشينغر في تصريحات منفصلة أمس لمجلة "السياسة الدولية" الألمانية الخاصة، اتفاقية "ستارت 2" للحد من الأسلحة النووية" التي بدأت المفاوضات الخاصة بها على هامش مؤتمر ميونيخ عام 2009.
وبعد عامين من مؤتمر 2009، تبادلت وزيرة خارجية الولايات المتحدة آنذاك، هيلاري كلينتون، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف وثائق التصديق على الاتفاقية أيضا على هامش مؤتمر ميونيخ الذي جرى عام 2011.
تاريخ المؤتمر
ويملك مؤتمر ميونيخ تاريخا كبيرا يمتد لخمسين عاما، حيث تأسس عام 1963 بواسطة الباحث الألماني إيوالد فون كلايست، ومر بعدة مراحل تحول خلالها من مؤتمر لقضايا الدفاع فقط، ليكون ملتقى للسياسيين والدبلوماسيين ومنصة للقاءات الدبلوماسية السرية.
وحمل المؤتمر عدة أسماء منها اللقاء الدولي لعلوم الدفاع، والمؤتمر الدولي لعلوم الدفاع، قبل أن يحمل الاسم الحالي "مؤتمر ميونخ للأمن".
ومنذ عام 2015، حضرت قضايا الشرق الأوسط بقوة على طاولة المؤتمر، حيث ناقش في ذلك العام إرهاب تنظيم داعش الإرهابي والبرنامج النووي الإيراني، وأزمة اللاجئين السوريين، والحرب في سوريا.
وفي 2016، كانت الأزمة السورية في بؤرة الاهتمام فضلا عن قضايا مكافحة الإرهاب وأزمة اللاجئين، وهي القضايا التي استمرت في مؤتمر 2017. وكانت الأزمة السورية حاضرة بقوة في مؤتمر 2018.
ورغم أهمية المؤتمر ومحورية اجتماعاته، طالته الانتقادات في العام الماضي، لأنه لم يقدم إسهاما حقيقيا في حل القضايا الدولية الشائكة، إلى حد الذي دفع رئيسه إلى انتقاد دورة 2018، في خطابه الختامي، حيث قال "على مدار 48 ساعة، استمعنا للأخطاء التي تحدث في العالم، والأخطار التي تواجهنا. وماذا يجب أن نتجنبه مستقبلا".
وتابع في محاولة لتقييم المؤتمر "لكننا لم نستمع بالقدر الكافي لخطابات تضع خطوات محددة يمكن أن تؤدي لتحسن في وجهات النظر القاتمة للعالم في الوقت الراهن وحل مشكلاته"، في إشارة إلى أن المؤتمر لم يقدم حلولا للمشكلات التي يعاني منها العالم، بالشكل الكافي.
aXA6IDE4LjExOS4xNTkuMTk2IA== جزيرة ام اند امز