«الإخوان» والمال العام في بلجيكا.. قصة تمويل تفضح ثغرات «خطيرة»

لطالما تفنّن تنظيم الإخوان المسلمين في توظيف الخطاب الحقوقي والهوية الثقافية كواجهة لتمرير مشروع أيديولوجي يتجاوز حدود العمل المدني.
هذه الاستراتيجية في التمويه مكّنت الجماعة من اختراق هياكل ومؤسسات رسمية داخل أوروبا، مستفيدة من بيئة قانونية مرنة ونظام دعم مالي عمومي لا يخضع دائماً لرقابة صارمة، ما أثار علامات استفهام حول فعالية الأجهزة الأمنية والسياسية في مواجهة هذا النمط من التغلغل الناعم.
فما القصة؟
كشفت السلطات البلجيكية، أن جهاز أمن الدولة كان قد وجه تحذيراً مبكراً في عام 2020 إلى فيدرالية والونيا-بروكسل، بشأن ارتباط محتمل بين جماعة الإخوان المسلمين وجمعية بلجيكية تُدعى «التجمع من أجل الإدماج ومناهضة الإسلاموفوبيا في بلجيكا (CIIB)»، بالتزامن مع طلب الأخيرة الحصول على دعم مالي من الدولة.
هذا التحذير، الذي أماط وزير الداخلية البلجيكي، برنار كوانتان، اللثام عنه يوم الثلاثاء، أعاد فتح النقاش الحاد داخل الأوساط السياسية البلجيكية، خاصة بعد تسريب تقارير استخباراتية تشير إلى أن الجمعية تمثل «جماعة ضغط ذات توجه إخواني»، وأنها تروّج لأفكار مستوحاة من أيديولوجية الجماعة التي تُصنّفها عدة دول كـ«تنظيم متطرف»، بحسب صحيفة «لا ليبر» البلجيكية.
الإخوان والمال العام.. علاقة مريبة
وبحسب وزير الداخلية البلجيكي، فإن مذكرة أمنية صدرت في عام 2020 من جهاز (أمن الدولة)، وقد وجهت تحديداً إلى المسؤولين في فيدرالية والونيا – بروكسل، تتضمن تحذيراً بشأن الصلة بين CIIB وتنظيم الإخوان المسلمين، بعد أن تقدّمت الجمعية بطلب رسمي للحصول على دعم مالي حكومي.
وفي تقرير استخباراتي صدر في أبريل/نيسان الماضي، اعتبر الجهاز الأمني أن CIIB يعد «منظمة ضغط تحمل طابعاً إخوانياً»، أسسها سبعة أفراد، بينهم «عضو معروف في جماعة الإخوان»، وآخر «ناشط في فكر الجماعة»، وفق ما جاء في الوثيقة الأمنية.
وقدم التقرير أيضاً تقييمًا للجمعية بوصفها تروّج لسردية تعتبر أن «المجتمعات والدول الأوروبية بطبيعتها معادية للإسلام والمسلمين».
ورغم نفي الجمعية لهذه المزاعم، فإن المعطيات المالية التي كشف عنها الإعلام البلجيكي تزيد الطين بلة؛ إذ يتبين أن CIIB قد حصلت على تمويلات حكومية بقيمة إجمالية تقدّر بـ300,000 يورو على مدى السنوات الأخيرة، منها ما صدر عن الدولة الفيدرالية نفسها.
فهل نحن أمام اختراق منظم؟
يقول الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة، الدكتور مارك لوران، من مركز "مونتين للدراسات الأمنية" في باريس، إن هذه الواقعة "ليست معزولة، بل تمثل نمطًا متكرّرًا من اختراق مؤسسات الدولة الأوروبية عبر واجهات مدنية ذات طابع قانوني".
وأضاف لوران في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "الإخوان المسلمين لطالما تفننوا في استخدام الخطاب الحقوقي والهوية الثقافية لتمويه أهدافهم الأيديولوجية. حين يُمنح تنظيم بهذه الخلفية تمويلاً عاماً، فإن ذلك لا يعكس فقط فشلاً استخباراتياً، بل خللا في البوصلة السياسية داخل بعض المؤسسات الأوروبية".
وتابع: "مشكلة التنظيم ليست فقط في الفكر المتطرف، بل في استراتيجية التغلغل التدريجي: تبدأ بجمعيات ثقافية ثم تتطور إلى لوبيات ضغط فاعلة تخترق القرارات، بل وتموّل من دافعي الضرائب".
دعوات للتحقيق
من جانبه، أبدى النائب عن حزب الحركة الإصلاحية (MR)، دينيس دوكارم، استياءه الشديد من تساهل السلطات، قائلاً: "من غير المقبول أن يتم تمويل جمعية بهذا الحجم رغم التحذيرات الواضحة من الاستخبارات. نحن نتحدث عن 300 ألف يورو من المال العام أُنفقت على كيان مشبوه"، بحسب صحيفة "لا ليبر" البلجيكية.
وطالب دوكارم بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، معتبرًا أن هذا "ملف يمسّ الأمن القومي والثقة في مؤسسات الدولة".
أزمة
تكشف هذه القضية عن «ثغرات خطيرة» في الرقابة على التمويل العمومي الموجه للجمعيات الدينية أو ذات الطابع الحقوقي، خاصة حين يتعلق الأمر بجماعات ذات سجل أيديولوجي متشدد.
وبينما تصرّ جهات رسمية على "التعامل الإداري" مع تحذيرات أمنية شديدة، تتزايد المطالب الشعبية والسياسية بتبني نهج أكثر صرامة وشفافية، لمنع تغلغل الفكر المتطرف داخل المؤسسات الأوروبية.
وبحسب مراقبين، فإنه بينما قد تكون بلجيكا أولى الساحات التي تكشف هذا الاختراق، لكن الخطر يمتد إلى عدة دول أوروبية باتت في حاجة إلى مراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجماعات الإسلامية المنظمة، وعلى رأسها الإخوان المسلمون.