لم يعد خافياً على أحد أن جماعة الإخوان المحظورة في الأردن قد تجاوزت، منذ سنوات، كل حدود المعقول في انعدام انتمائها للوطن.
وتمادَت في استغلالها للساحة الأردنية، مستغلةً مشاعر الناس الطيبة وآلام أهلنا في فلسطين، ليس حباً في القضية، بل توظيفاً لها لتحقيق أجندات سياسية ضيقة ومصالح اقتصادية مشبوهة. لقد بات واضحاً أن هذه الجماعة لم تفهم يوماً معنى الانتماء أو الولاء للأردن، بل استمرأت الاستثمار في الأزمات، وصناعة حالة من الضبابية لخلق شعبويات فارغة تُمكّنها من البقاء على السطح السياسي، ولو على حساب الوطن.
أحداث غزة الأخيرة كانت مثالاً صارخاً على طريقة الجماعة في ركوب الموجة، إذ استغلّت المشهد الإنساني المؤلم لجمع تبرعات بملايين الدنانير، ليس لتُرسلها بطرق شفافة وواضحة إلى حيث يجب، بل لتُحاط العملية كلها بهالة من السرية المريبة، من دون إعلانٍ عن حجم الأموال أو آلية صرفها. والأسوأ أن التحقيقات كشفت أن ما وصل بالفعل للجهات الرسمية لم يتجاوز 1% من إجمالي التبرعات التي جُمعت.
التحقيقات التي نشرتها الجهات الرسمية كشفت عن شبكة مالية ضخمة ومعقّدة تديرها الجماعة المحظورة، مواردها تتأتى من تبرعات تُجمع بطرق غير قانونية، واستثمارات داخل المملكة وخارجها، بعضها بأسماء وهمية أو بواجهات حزبية. أكثر من 30 مليون دينار جُمعت في السنوات الأخيرة، استُخدم جزء منها في شراء شقق خارج الأردن، وتحويلات مالية سرية إلى الخارج، بل وضُبط قرابة 4 ملايين دينار كانت مخفية داخل منازل ومستودعات بطلب من قيادات في الجماعة.
ما هذه إن لم تكن دولة داخل الدولة؟ وأي تنظيم يعمل بسرّية تامة ويُموّل نشاطاته وأذرعه السياسية والإعلامية من خلف ظهر القانون، لا يمكن وصفه إلا كعبء على الوطن وخطر على أمنه السياسي والاجتماعي.
من المؤسف أن هذه الجماعة لا تتوانى عن خلط الأوراق الوطنية، فتارة تُلبس فسادها عباءة العمل الخيري، وتارة أخرى تتخفى خلف ستار الدفاع عن فلسطين، بينما هي تستغل هذا الغضب الشعبي لحشد التأييد السياسي وتمويل الحملات الانتخابية والتسلل مجدداً إلى مفاصل الدولة عبر أدواتها الطلابية والنقابية.
إن ما كشفته التحقيقات الأخيرة بشأن تمويل سياسيين وتغطية حملات إعلامية وتحريك احتجاجات ومظاهرات ممولة، هو تجسيد حيّ للوجه الآخر لهذه الجماعة، التي لم تكن يوماً جزءاً من المشروع الوطني الأردني، بل عبئاً على مؤسساته، وخطراً على استقراره.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، لا يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن تُبقي على الذراع السياسية لهذه الجماعة -المتمثلة في "حزب جبهة العمل الإسلامي"- الذي تحوّل إلى غطاء لتكرار ذات الأدوار المشبوهة، واستثمار مشاعر الأردنيين وأزماتهم في مشاريع لا تمتّ للوطنية بصلة. إن بقاء هذا الحزب بعد كل هذه الفضائح المالية والتنظيمية هو تشريع لحالة من التناقض القانوني والسياسي لا تُحتمل.
اليوم، حلّ هذا الحزب بات مطلباً وطنياً لا مناص منه، ليس انتقاماً ولا خصومة سياسية، بل لحماية الدولة الأردنية من فوضى الشعارات، وخداع التنظيمات التي لا تعرف من الوطن إلا اسمه، ولا ترفع قضاياه إلا حين تكون وسيلة لتمويل مشروعها السياسي والاقتصادي المشبوه.
لقد صبر الأردن كثيراً، وأتاح هامشاً واسعاً من الحرية والعمل السياسي، ولكن حين يتحوّل هذا الهامش إلى بوابة تُخترق من خلالها هيبة الدولة وسيادتها، يصبح من واجبنا الوطني أن نقول: كفى! لا مكان في الأردن لمن يُقسم بالولاء للخارج، ويستثمر في الأزمات، ويجمع المال باسم الوطن ليدفعه نحو الفوضى.
كفى عبثاً... وكفى تساهلاً. الأردن أولاً... دائماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة