استهداف جماعة الإخوان الإرهابية لأي حدث تنظمه مصر ليس سلوكا جديدًا عليها.
فطوال العقد الماضي كرَّست الجماعة الإرهابية كلّ جهدها في تتبع إنجازات الدولة المصرية بالتشويه والكذب والشائعات، إلا أن استهدافها مؤتمر المناخ COP27 المنقعد في شرم الشيخ باستماتة وبوسائل متعددة وبلاعبين مختلفين، كان لافتًا للنظر، وكأن إفشال المؤتمر وتشويه القائمين عليه معركة حياة أو موت للجماعة الإرهابية.
فما السر وراء هذا التصميم الإخواني على استهداف مؤتمر المناخ على أرض مصر بهذه الطريقة المكثفة، والتي تفشل يومًا بعد يوم؟
أي حدث عالمي حمولته الفكرية "إنسانية" بالأساس.. وترتكز على الاهتمام بمستقبل البشرية والمسؤولية المباشرة عن كوكب الأرض ومصيره الغامض، ووقف التجاوزات بحق البيئة والمُناخ، مع الاعتراف بحق المتضررين من الشعوب الفقيرة في تعويضات مناسبة من دول العالم "الأول"، كحق من حقوق الإنسان، وليس منحة أو هِبة.
هذه الحمولة الإنسانية تحتاج إلى تكاتف الشعوب بكل تنوعاتها، وأن تنحّي أي قضية أخرى جانبًا، مع إتاحة الفرصة لنشر الوعي البيئي والتحذير من الممارسات، التي تؤدي إلى كوارث مُناخية أكثر فأكثر.
حدثٌ هام كمؤتمر المناخ لا يحتمل أبدًا التطرق إلى قضايا ثانوية شديدة المحلية، كملف الحريات وحقوق الإنسان -على أهميتهما ونُبل الغرض منهما، لكنَّ لهما مسارًا وقنواتٍ ومتخصصين يمكنهم مناقشة ذلك بشكل علمي ودقيق ومستفيض، لا يوافق بالتأكيد أجندة مؤتمر كمؤتمر المُناخ، أُقيم ليناقش أزمة تخص مليارات البشر على الكرة الأرضية.
ونعود لنسأل: لماذا استغلت جماعة الإخوان الإرهابية المؤتمر كمنصة للتهجُّم على الدولة المصرية؟
لا يوجد منطق أو تفسير عقلاني لفهم هجوم الإخوان على حدث دون آخر، فطبيعة العقلية الإخوانية لا تخضع لطبيعة التفكير المنطقي، ببساطة لأن الفرد الإخواني عقلُه ووجدانُه تمَّت صياغتهما ليكونا أداةً في يد قادة الجماعة الإرهابية.. فلا يملك الفرد الإخواني إلا السمع والطاعة فيما تختاره له قياداته من وسائل وأجندات، فتربيتُه -وهي جزء أصيل في التكوين الفكري والنفسي لأعضاء الجماعة كلهم- قائمة على طاعة القيادة وكراهية المجتمع والاستعلاء عليه، وبالتالي فلا منطق ولا نقاش يحكم اختيارات الإخواني، سواء أمروه بالكُمون وادعاء السلمية، أو الهجوم وحمل السلاح، أو الاصطياد باستخدام "كيبورد" يتخفَّى وراء قناع مفضوح.
تنظيمٌ بهذه المواصفات يصلح طبعا للتوظيف وللإيجار، خدمةً للممّول والراعي الرسمي له في أي مهمة تُطلب منه.
والقاعدة تقول "ابحثْ عن المستفيد تعرفِ الجاني"..
فمَن المستفيدُ من أي محاولة لتشويه صورة الدولة المصرية، ولماذا؟
هل المستفيد دولة عظمى لا تؤيد سياسة مصر الخارجية مثلا في موقفها من أزمة الشقيقة ليبيا، منذ قرابة عشر سنوات؟
فمصر ترى في الأزمة الليبية ضرورة نزع السلاح من أيدي المليشيات، ودعم أجهزة الدولة الليبية ومؤسساتها، والاعتراف بإرادة الليبيين في اختيار مَن يمثلُهم، وهو موقف مخالفٌ على ما يبدو لقوى ترغب في استمرار الصراع وعدم الاستقرار في ليبيا، وتكريس غياب الأمن، ليكون ذلك مبررًا لتدخلها في الشأن الليبي.
أو ربما ترفض هذه القوى موقف مصر العادل والمتوازن من الحرب الروسية-الأوكرانية، والذي أعلنته الدولة المصرية بكل وضوح خلال مؤتمر المناخ، على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي، إذ ترى مصر ضرورة "وقف هذه الحرب"، و"وضع تسوية عادلة للمشكلة برمتها".
وربما يكون هذا التهجُّم الإخواني المُستأجَر على مصر، لأنها، مع شقيقاتها من دول الخليج العربي، تقود المنطقة لصنع موقف عربي غير تابع، نابع من ذاتية عربية مستقلة، يمكن أن يتحول إلى قوة إقليمية جديدة، وأركان هذا التحالف: مصر، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمملكة الأردنية الهاشمية، وسلطنة عُمان.
وقد ظهرت إرهاصات ميلاد هذه القوة مع إعلان ولي العهد السعودي مجموعة مشروعات عملاقة تنقل منطقة الشرق الأوسط من منطقة "مريضة بالتطرف والصراعات الداخلية" إلى منطقة حديثة متطورة حضاريًّا واقتصاديًّا، وحسب وصف ولي العهد السعودي: "سنكون أوروبا الجديدة".
أم تتهجَّم هذه القوى -عبر استخدام الإخوان- على مصر الحضارة والتاريخ، لأنها أوقفت ما يسمى "مخطط الفوضى الخلاقة" بمنطقتنا، حين أزاحت ثورةُ الشعب المصري في 30 يونيو 2013 الإرهاب الإخواني عن حكم مصر؟
كل تلك الدوافع محتمَلة، ويمكنها أن تدلَّنا بوضوح على تلك القوى، التي توظف الإخوان في مهمة مشبوهةٍ لتشويه مصر ومؤتمر المناخ على أرضها هذه المرة.
لقد تفرَّغ تنظيم الإخوان الإرهابي لوضع خطة دعاية مضادة لمؤتمر المناخ قبل أسابيع عبر لجانهم الإلكترونية، التي مهمتها اختلاق الشائعات والأكاذيب، بل والدعوة لفوضى جديدة يفهم أبعادها الشعب المصري، الذي كشف الزيف الإخواني كله خلال عام 2013.
في النهاية كان الفشل هو حصاد الإخوان.. ثم كان الفشل مصير كل مخططاتهم، فلا أحدثت محاولاتهم أي خدش في جبين الدولة المصرية، ولا تأثرت استعدادات الدولة لمؤتمر المناخ، بل ظهرت مصر في أبهى صورة أمام العالم، وقدمت كعادتها نموذجًا رائعا ومفيدًا وجادا لمؤتمرات المناخ، فضلا عن أن مصر ظهرت كمدافع مؤثر عن "حقوق" الشعوب المتضررة من تدمير "العالم المتقدم" مناخَ الأرض، فيما استفادت هي في الوقت ذاته رواجًا سياحيًّا ضخمًا عبر مؤتمر شرم الشيخ للمناخ، في وقت يتأزم فيه اقتصاد دول العالم أجمع، كبيرها وصغيرها.. فقد وصل إلى مصر قرابة 50 ألف وافد أقاموا في فنادق مدينة السلام، شرم الشيخ، وزاروا المناطق السياحية المجاورة.
نجحت مصر أيضًا -بتنظيمها ذلك المؤتمر المصيري للبشرية- في الاستفادة من قوتها الناعمة وإعادة ترسيخ صورة ذهنية عن "مصر المستقبل"، التي دائما ما يحاربها تنظيم الإخوان الإرهابي بسلاح الكذب والشائعات المُستهلكَة، لكنه دائما ما يفشل في حشد الجماهير وراء قضايا ثانوية يثيرها بفجاجة، لكن الدولة المصرية تركت شأنها للقضاء المصري، وتم حسمها بشكل قانوني يحترم حقوق الإنسان والقوانين والأعراف المتبعة.. تماما كدأب الإخوان في الفشل منذ كانوا في السلطة لطرح أي حل سياسي أو اقتصادي، وتفرغوا حينها لقتل المصريين والاستعلاء عليهم.
تبقى مصر عظيمة مستقرة ومتطلعة لمستقبلها المنير.. فيما يستمر الإخوان في سقوطهم وسقطاتهم وطرُقهم المكشوفة، والتي اختارت الفشل مسارًا لا غنى عنه.
وعن كل أسباب هذا الفشل الإخواني عمومًا لنا مقال آخر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة