الاستفاقة الأوروبية ضد الإخوان.. خبراء يفسرون أسرار التحرك والسيناريوهات المستقبلية

لأعوام طويلة، ظلت أوروبا تتعامل مع تنظيم الإخوان ككيان رمادي، يتقن فنون التخفي تحت عباءة العمل الثقافي والحقوقي، ويجيد الحديث بلغة المؤسسات الغربية، دون أن يُظهر وجهه العقائدي الحقيقي.
ومع بيئة قانونية ليبرالية ونظام تمويل عمومي بلا رقابة صارمة، شق التنظيم طريقه بهدوء إلى عمق الهياكل المجتمعية والسياسية، مُتسلحًا بخطاب ضحية ومظلومية يُحسن توظيفها.
لكنّ «الصمت الأوروبي» بدأ يتصدع؛ فمن باريس إلى بروكسل، ومن تقارير استخباراتية صارمة إلى جلسات برلمانية غاضبة، تتصاعد أصوات تحذر من «اختراق ناعم» يمارسه التنظيم، عبر واجهات متعددة وكيانات حولت بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى ساحة تأثير أيديولوجي، لا يخلو من أبعاد سياسية عابرة للحدود.
ومع تسارع الوعي الأوروبي بخطر هذا التمدد، تتحرك دول كفرنسا لتضييق الخناق على التمويل، وتُطرح قوانين جديدة للرقابة، بل وتُناقش مسألة الحظر.
فما سر توقيت «الصحوة الأوروبية»؟
يرى مراقبون أن أحداث غزة، ومواقف الإخوان المتماهية مع فصائل مصنفة إرهابية، لعبت دورًا حاسمًا في نزع القناع عن أيديولوجيا التنظيم، فضلا عن مساهمة تقارير استخباراتية فرنسية وبلجيكية في كشف ثغرات قانونية ومالية، مكنت التنظيم من تلقي تمويل حكومي مباشر في بعض البلدان.
ويقول ماهر فرغلي الباحث المختص في شؤون الإسلام السياسي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن هناك صحوة أوروبية شاملة حول خطر الجماعة، واحتمالية أن تتسبب أفكارها في نشر الإرهاب، مشيرًا إلى أن موقفها (الجماعة) من أحداث غزة، وكذا علاقتها بحماس جاء ليعجل بهذا الأمر.
وأوضح الباحث في شؤون الإسلام السياسي، أن التقرير الفرنسي حذر من خطر ينمو نموا صامتا في أوروبا لأنها جماعة مزدوجة، ولها بناء صلب وآخر مرن، ما يعطيها أسبقية في التمدد، كما أنها تخترق المؤسسات ولها أكثر من 250 جمعية.
الأمر نفسه أشار إليه الدكتور مجاهد الصميدعي، الخبير الأمني الدولي، والباحث في «المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات» ومقره ألمانيا، قائلا، إن سر توقيت الصحوة الأوروبية يعود إلى تصاعد القلق الأمني في القارة العجوز، وزيادة الوعي بخطر الجماعات العابرة للحدود، خصوصاً بعد توثيق العلاقة بين بعض أنشطة الإخوان والتحريض أو تغذية التطرف، إضافة إلى تغير المزاج السياسي في عدد من الدول الأوروبية نحو تشديد الرقابة على الجماعات الإسلامية.
وبحسب الباحث في شؤون الإخوان والمحلل السياسي طارق أبوزينب، فإن الصحوة الأوروبية ضد الإخوان جاءت في توقيت حساس يعكس تغيّرًا جذريًا في نظرة الغرب إلى الجماعة، بعد سنوات من التردد.
«هذا التحوّل مردّه إلى تصاعد القلق من استغلال الإخوان لمناخ الحريات الغربية لبناء نفوذ سياسي ومجتمعي يُهدد النسيج الداخلي لتلك الدول، خاصة مع تزايد حوادث التطرف والتورط لبعض الأذرع المرتبطة بالجماعة»، يضيف المحلل السياسي في حديث لـ«العين الإخبارية».
لكن ما أسباب «التأخر»؟
بحسب فرغلي، فإنه كان هناك رؤية تتحدث عن أن تقويض جهود الإخوان يعني السماح لعناصرهم الانضمام إلى «داعش» و«القاعدة»، فضلا عن أن تقويض جهودها يفقد الدول الأوروبية وتحديدا بريطانيا وفرنسا وأمريكا «ورقة يتم توظيفها دائما».
إلا أنه بعد أحداث غزة وحماس، تبين أن أيديولوجية الإخوان ترتكز على التكفير والتطرف والإرهاب، مما أثار تساؤلات ومطالب لإعلانها «جماعة إرهابية»، يضيف فرغلي.
وفي السياق نفسه، يقول الصميدعي إن أسباب تأخر الصحوة الأوروبية يعود إلى عوامل عدة؛ أبرزها:
- الحماية القانونية تحت مظلة حرية التعبير والتنظيم
- عدم وجود أدلة قانونية كافية في السابق تربط الجماعة مباشرة بأعمال إرهابية.
- وجود لوبيات ضغط وتأثير إخوانية داخل بعض المؤسسات الأوروبية.
فيما أرجع طارق أبوزينب المحلل السياسي أسباب تأخر هذه الصحوة رغم التحذيرات السابقة، إلى عدة عوامل أبرزها:
- تركيز الحكومات الأوروبية سابقًا على مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة مثل داعش والقاعدة
- اعتبار الإخوان «خصمًا ناعمًا» لا يمثل تهديدًا مباشرًا
- إضافة إلى العلاقات القديمة التي بنتها الجماعة مع بعض الأحزاب والسياسيين
- الخوف من ردود فعل المجتمعات المسلمة، في تأجيل أي مواجهة جدية.
لكن ما مصير الإخوان الذين اتخذوا من بلدان أوروبية ملاذا؟
يقول فرغلي، إن أغلب الإخوان الموجودين في أوروبا حاصلون على الجنسية ومن الجيل الثالث من المهاجرين، لكنّ هناك بعضا منهم وضعوا على قوائم الطرد في فرنسا.
ورغم ذلك، فإن القوانين في تلك البلدان لا تسمح بذلك، ما يعني أن هناك طريقا للتقاضي، بنهايته سيتحدد مصيرهم، يضيف فرغلي، مشيرًا إلى أن البعض قد يتعرض للطرد إذا ثبت تورطهم في الإرهاب ودعم جماعات مثل: حماس، فيما البعض الآخر سيظل تحت الرقابة.
وبحسب الصميدعي، فإن الإخوان الذين اتخذوا من بعض البلدان الأوروبية ملاذا آمنا، قد يواجهون:
- إجراءات قانونية أكثر حسما.
- إلغاء إقامات وتصاريح لجوء.
- تسليم بعضهم إلى بلدانهم الأصلية إذا ثبت تورطهم بتمويل أو دعم أنشطة متطرفة، خاصة مع تنامي التعاون الاستخباراتي بين أوروبا ودول الشرق الأوسط.
الخيارات نفسها، أشار إليها المحلل السياسي، طارق أبوزينب، مضيفا أنهم قد يتعرضون كذلك لمنع أنشطتهم، إلا أنه قال إن «بعضهم سيحاول التحايل عبر تغيير الأسماء والمؤسسات».
فهل ستتجه أوروبا لحظر الإخوان؟
توقع الباحث المختص في شؤون الإسلام السياسي ماهر فرغلي، إمكانية حظر الإخوان، إلا أن الأسباب التي قد تدفع لذلك، يقابلها أخرى، مشيرًا إلى أنه «حتى لو جرى حظر الإخوان في أوروبا، فلن تتأثر الجماعة كثيرا، كونها لا تعمل داخل القارة العجوز باسم الجماعة، بل باسم مجلس مسلمي أوروبا، فلو تعرض للحظر، فستكون الرابطة الإسلامية بديلا، ليحل محلها كذلك منظمة الشباب المسلم إذا تعرضت للحظر هي الأخرى، وهكذا..
ورغم ذلك، فإن تنظيم الإخوان سيتماهى مع أي إجراءات قد تتخذ ضده، وسيعمل بأشكال أخرى، خاصة وأنه في أوروبا شبكة لا مركزية، وله منظمات ومنصات كثيرة، اجتماعية وسياسية وحقوقية، ويشارك في الأحزاب اليسارية بأوروبا.
بدوره، قال الباحث في «المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات» ومقره ألمانيا، إن بعض الدول بدأت فعلاً بوضع الجماعة تحت الرقابة أو اعتبارها تهديداً أمنياً، متوقعا توسع الإجراءات لتشمل:
- تجفيف منابع التمويل.
- إغلاق الجمعيات التابعة.
- الحظر الكامل في بعض الدول إذا توافرت المبررات القانونية.
إلا أنه قال إن التنظيم سيتجه غالبا إلى اعتماد خطاب مرن للدفاع عن نفسه قانونياً، مع محاولة اللعب على ورقة المظلومية والحقوق المدنية، لكنه داخلياً قد يتجه إلى مزيد من السرية في عمله وتنظيماته الفرعية، أو نقل نشاطه إلى مناطق أقل رقابة.
فيما قال أبوزينب، إن الدول الأوروبية، ولا سيما الكبرى منها، باتت أكثر ميلاً لحظر نشاطات جماعة الإخوان أو تصنيفها كتنظيم مهدِّد.
وتشمل السيناريوهات المطروحة:
- تجميد الحسابات.
- إغلاق المراكز التابعة لهم.
- ملاحقة أذرعهم الإعلامية والمالية.
- تتجه بعض الدول نحو الحظر الرسمي الكامل.
ماذا عن فرع الإخوان بلندن؟
توقع الصميدعي، تعرض فرع جماعة الإخوان بلندن لضغوط كبيرة، سواء من الجهات الأمنية أو عبر مراجعة نشاطاته المالية والإعلامية، مشيرًا إلى أنه قد يتم تفكيك الشبكات التابعة له أو الحد من تحركاته العلنية تحت غطاء الجمعيات أو المراكز الإسلامية.
بدوره، قال الباحث السياسي طارق أبوزينب، إنه فيما يتعلق بفرع الإخوان في لندن، فالتأثير سيكون واضحًا على المستوى التنظيمي والمالي، مشيرًا إلى أن «بريطانيا التي كانت ملاذًا للجماعة، بدأت تعيد حساباتها تحت ضغط داخلي وخارجي».
وتوقع أن تواجه الجماعة هناك:
- عزلة أكبر.
- مراقبة أمنية مشددة.
- تفكيك بعض شبكاتها الإعلامية أو جمعياتها الخيرية التي تُستخدم كواجهة.