أقنعة الإخوان المزيفة.. حينما تمسحت "الحرباء" بجلد السلفية (2)
لا يمكن لمتابع لتاريخ تنظيم الإخوان، إلا أن يندهش من كثرة ارتدائهم للأقنعة؛ فهي ظاهرة تلازم الجماعة، كجزء من الشخصية الإخوانية.
في الحلقة الثانية من سلسلة حلقات تحليلية تنشرها "العين الإخبارية"، نحاول في هذا التقرير كشف زيف أقنعة جماعة الإخوان ووجوهها المتعددة، على مر مراحل تاريخية دوخ فيها التنظيم الباحثين لاستبداله قناعا بآخر.
وكانت "العين الإخبارية"، نشرت أولى حلقات هذه السلسة التحليلية تحت عنوان: "القطبيون الجدد والقدامى.. كل الطرق تؤدي إلى "جاهلية الإخوان"، حيث اتضح أن تنظيم الإخوان تيار واحد يستمد فكره ومنهجه من منبع سيد قطب، ولا وجود لتيار إصلاحي يختلف عن جيل السبعينات، عكس ما هو شائع بين الدارسين.
الإخوان المسلمون كيان يمتلك أوجها عدة وألوانا مختلفة، تتلون بها حسب المناخ العام السائد والمقبول اجتماعياً، فهذا اللون ليس مكوناً فكرياً ولا سلوكاً متجذراً في الجماعة، هو مجرد لون طارئ حتمته الظروف.
فكالحرباء عندما تتلون بلون مرت عليه أو مر عليها، من الخطأ الظن أن هذا اللون أصيل في جيناتها، هو فقط ظهر نظراً لقدرتها على التلون، وهكذا تنظيم جماعة الإخوان لديه القدرة على التلون بألوان مختلفة، وارتداء أقنعة متنوعة وأحيانا متناقضة.
تأتي قدرة الإخوان على التلون نتيجة لتربية حسن البنا؛ مؤسس الجماعة، لهم على أن يكونوا الشيء ونقيضه، فحين أخبرهم في المؤتمر الخامس عام 1938 بأنهم "دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية" كان يدفعهم على ارتداء القناع المناسب في الوقت المناسب.
فما إذا كانت الأحوال تستدعي أن يرتدوا قناع الصوفية فعلوا، فإن دفعتهم الظروف أن يكونوا سلفيين كانوا، وإن أُجبروا على التخفي في قناع الثقافة كانوا في طليعة المثقفين.
هذا التلون وتلك القدرة العجيبة ليست ميزة، ولكنها حيلة للهروب من المواجهة وللتخفي وسط المجتمع، الأزمة أن البعض يظن عند تشريح الحالة الإخوانية أن كل تلك الأقنعة هي مكونات الشخصية الإخوانية، أو أعمدة بناء الفكر الإخواني، والحقيقة غير ذلك، فهناك فارق شاسع بين القناع والمكون الفكري، فالأول ترتديه وتتخلص منه ولا تجد له أثرا، والثاني يظل يرافقك مدة الحياة.
قناع السلفية
على سبيل المثال الصورة السلفية الإخوانية ليست حقيقية، فلا وجود للخطاب السلفي التقليدي ضمن أدبيات الإخوان، ولا في ممارساتهم التنظيمية أو التربوية؛ فالفكر السلفي في أشهر نسخه يقوم على ثلاثة أركان.
أولها: تطهير العقيدة من الشركيات، والتمسك بمفهوم الإيمان كما هو عند الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، الثاني: الولاء للحاكم وعدم حمل السلاح أو الخروج عليه، الثالث: الالتزام بالهدي الظاهر (أي بالشكل) بالنسبة للمرأة ضرورة ارتداء النقاب وبالنسبة للرجل حتمية إطلاق اللحية وتقصير الثوب.
فيما يخص الركن الأول من المؤكد أن الإخوان ليس لهم اهتمام بدراسة العقيدة، وليست قضيتهم، كما تفعل كل التيارات السلفية، بل هم على النقيض تماما متهمون دائماً بالتساهل في هذه القضية، يسمحون للمتصوفة بالعمل في صفوفهم ويسمحون أحيانا لبعض الفرق الشيعية بالعمل في صفوفهم، كل هذا يناقض الدعوة السلفية من الأساس.
أما فيما يخص الركن الثاني فالإخوان قد يسالمون الحكام ظاهراً، ويؤمنون بالخروج عليهم باطناً، ففي رسالة المؤتمر الخامس يقر حسن البنا باستخدام القوة (أي حمل السلاح) إذا استدعى الأمر وجرائمهم في هذا الشأن موثقة، بدءاً باغتيالهم رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي، أو محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في المنشية، أو إسهاماتهم في محاولات اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات.
كما أن المظاهرات التي تخرج إلى الآن، والدعوة لإسقاط الدولة، ومهاجمة الجيش والشرطة، كلها خروج على الحاكم، أليس هذا يناقض الدعوة السلفية شكلا وموضوعاً؟.. الإجابة تحت الأقنعة.
أما الركن الثالث وهو الالتزام بالهدي الظاهر، ربما كان السبب في التباس الأمر على البعض، وهذا يعود لأن بعض الإخوان أطلقوا لحاهم أو أنهم قادوا حملات تدعوا النساء لارتداء الحجاب، فاعتبروا هذا دليلا على وجود نزعة للسلفية كامنة لدى الإخوان.
والحقيقة أن قضية "الهدي الظاهر" هي التي تثبت عدم تجذر الفكر السلفي في مكونات الإخوان، وأنهم يدّعون السلفية لغرض ما، مثلما ادعوا الصوفية في بداية تأسيسهم ليخترفوا المجتمعات الشعبية إذ كانت الصوفية تحتل مكانة في نفوس الجماهير وقتها.
ومثل ادعائهم الجهاد في سبيل الله، فجعلوا الجهاد قناعا ليمارسوا الإرهاب والعنف، ومثلها مثل ادعاء الثقافة، فلا يملكون أي حمولة ثقافية حقيقية، تزيح أغلال الجهل وتصنع عقولا تنويرية.
تستخدم الجماعة كل هذه الأقنعة لتخفي وراءها وجها غامضاً ومريباً، وهو وجه جماعة وظيفية تنتمي لقوى إقليمية غير وطنية، وتستهدف دائماً ضرب الوحدة الوطنية وتتغذى على التناقضات المجتمعية، وتنمو في ظل غياب المشاريع القومية والوطنية.
تسلف تكتيكي
بدأ حسن البنا مبكراً بمحاولة وضع نفسه ضمن الخريطة السلفية، في محاولة لجذب انتباه الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، عسى أن يكون من المحظوظين والمشمولين بالرعاية الملكية بما تغدقه عليه من أموال، لكن هذا التوجه لم يستمر طويلا، بعد رفض الملك عبد العزيز آل سعود أن يكون للإخوان أفرع بالمملكة.
عندها تخلى حسن البنا عن ملامح الفكر السلفي فوراً، بل وصل الأمر أنه أصدر أمراً في مجلة الإخوان المسلمين تمنع الاخوان من إطلاق لحاهم إلا بإذن منه شخصيا، ولما عارضه محمود عساف؛ صاحب كتاب "كنت مع الإمام الشهيد"، أجابه بإطارات لا تتسق مع الدعوة السلفية على الإطلاق.
من المحتمل أن بعض الإخوان قد تأثروا بالدعوة السلفية، ولكن بشكل شخصي جدا، لم يتجاوز إطلاق اللحية، فقد سافر عدد كبير من الإخوان إلى السعودية، وهناك التقوا بشيوخ ما يسمى "الصحوة"، ومزجوا خطابهم بكلمات شيوخ السلفية، مجاراة للمناخ السائد والعرف المقبول، هذا التلون أو التأثير سرعان مازال عن هؤلاء الإخوان، سواء بالعودة لمصر، أو بالانتقال لبيئة اجتماعية أخري.
تفريخ الإرهاب والتطرف في السلفية
الحقيقة أن الدعوة السلفية هي التي تأثرت بتسلل الإخوان إليها، فبعد قدومهم إلى المملكة سواء القادمين من مصر أو سوريا والعراق، تبنى الجميع السلفية شكلا، ومن ثم قاموا بالعبث بالأسس المكونة للفكر السلفي، والتف حولهم العديد من الشباب فظهرت جماعات مثل: السلفية الحركية والسلفية الجهادية والسلفية التنظيمية؛ جميع هذه الانشقاقات من جسد الدعوة السلفية كان وراءها عناصر من الإخوان المسلمين.
فقد استقبلت السعودية في مطلع السبعينات من العراق العضو الإخواني عبد المنعم العلي العزي، الذي سيعرف لاحقا باسم محمد أحمد الراشد، وهو من سيقدم الصيغة الفكرية الممتزجة بين أفكار الإخوان التنظيمية ومسحة سلفية، تلقاها جمهور الإخوان ومؤيديهم بالترحاب الشديد، وشاعت كتب "الرقائق" و"المسار والبوارج" و"صناعة الحياة".
كما قدم إلى المملكة عام 1971، من مصر محمد قطب شقيق سيد قطب، ليدرس في الجامعة الإسلامية، وكذلك مأمون الهضيبي ابن المرشد حسن الهضيبي والمرشد الخامس لاحقا، الذي عمل في وظيفة حقوقية بوزارة الداخلية.
كما ساهم الإخوان المبتعثون للتدريس في الجامعات والمعاهد والمدارس الحكومية والأهلية، في التأثير على السلفية والخصم من رصيدها في الشارع السعودي، وتكوين جيل أطلق عليه وقتها "الصحوة" التي تركت أثرها البالغ على المجتمع السعودي.
مثلث السرورية
تأثرت الحالة السلفية التقليدية في السعودية بقدوم الشخصية الأكثر جدلا في التيارات السلفية، وهو معلم الرياضيات السوري الإخواني محمد سرور زين العابدين، في بداية السبعينات واستقر أول قدومه في منطقة القصيم (وسط السعودية) التي تعتبر معقل الدعوة السلفية وبخاصة مدينة بريدة التي يضرب بها المثل في تمسك أبنائها بتعاليم المدرسة السلفية.
وهناك تمكن من إقامة علاقات جيدة بطلابه وقدم لهم خطابا جديدا مختلفا عما اعتاده الشباب من الوعاظ التقليديين، وتمكن من مزج الوهابية بالقطبية، فأخذ من ابن تيمية موقفه الصارم ضد المخالفين للسنة من الفرق والمذاهب الأخرى مثل الشيعة وكذلك تصوره لأركان الإيمان والتوحيد، وأخذ من الإخوان التنظيم والحركة، وأخذ من آل قطب (سيد وأخيه محمد) مفهوم الجاهلية والحاكمية.
وأخرج محمد سرور تياراً سلفياً يؤمن بالتنظيم والحركة والتغيير بالقوة، أطلق البعض على هذا التيار اسم "السرورية"، الذي تمكن أعضاؤه مع تيار ما يسمى "الصحوة" من السيطرة على عددِ من أبرز المؤسسات الدينية التي تمولها الدولة السعودية مثل: "جامعة الإمام" و"رابطة العالم الإسلامي" و"الندوة العالمية للشباب الإسلامي" وغيرها، وشكلوا جسراً يعبر خلاله التيار إلى العديد من الدول المجاورة ويصبح تياراً سلفياً يناهض السلفية التقليدية.
لهذا لا يمكن اعتبار أن أي من التمظهرات السلفية لعناصر الإخوان، سواء الخطاب العام أو السلوك الظاهري تحولات فكرية جادة أو حقيقية، أو تمثل تيارا سلفيا داخل جسد الجماعة، هي في الغالب محاولة للتخفي والهروب من الملاحقة الأمنية، أو ربما على الأرجح هي محاولة لاختراق التجمعات السلفية لسرقة منابرهم وروادهم وأتباعهم.
aXA6IDMuMTQ1LjE3Ny4xNzMg جزيرة ام اند امز