ركز إعلام جماعة الإخوان المسلمين خلال العقدين الأخيرين على تبييض وجهها وغسل سمعتها، خاصة أن التنظيم تعرض لرفض شعبي واسع النطاق خلال هذه الفترة على الأقل في المنطقة العربية.
وذلك على خلفية صعودهم للسلطة قبل 10 سنوات، حيث كانت هذه المهمة هي الأولى وفق السياسات الإعلامية للتنظيم.
تمحور إعلام الجماعة منذ نشأته على يد مؤسسة الأول حسن البنا في عام 1933 حول إظهارها بصورة تبدو مختلفة عن صورتها الحقيقية التي يعرفها النّاس أو يرصدها الباحثون، فالمنظومة الإعلامية للإخوان ركزت خلال عقود التنظيم العشرة على أنها جماعة دعوية تنتهج السياسة سبيلاً لها.
رسخ الإخوان المفاهيم المغلوطة عن التنظيم من خلال وسائل الإعلام التابعة لهم على مدار عقود النشأة الطويلة، قد يكون أخطرها، أنها جماعة دعوية، خيارها نحو العمل السلمي، استراتيجية لا ولن تحيد عنها، في حين الواقع يثبت خلاف ذلك؛ فالجماعة مارست كل أشكال العنف، اللفظي والسلوكي والسياسي، والعنف الجنائي أيضاً.
فالجماعة التي تدعي أنها تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، هي التي أنشأت ذراعاً عسكرية لها، في عهد مؤسسها الأول حسن البنا في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، واستمر النظام الخاص الذي أنشئ لقتل المختلفين والخصوم حتى بعد مقتل حسن البنا، وجاء قرار حله لخلافات بين قيادة التنظيم التنفيذية وجناحها العسكري.
فكرة العنف عند الإخوان لم تنتهِ عند هذا الحد، بل خرج من رحم الجماعة مليشيات مسلحة، منها "سواعد مصر.. حسم" و"لواء الثورة" و"العقاب الثوري" كمثال، فضلاً عن ممارسة الجماعة العنف بصوره المختلفة، سواء العنف اللفظي أو السياسي، ومارست على خلفيتهما الاغتيال المعنوي والجنائي أيضاً.
المنظومة الإعلامية للتنظيم روّجت لعقود طويلة أن الإخوان فصيل سياسي لا يمكن استثناؤه من الحياة السياسية، وأنهم شركاء الوطن، وأنهم يحملون القضايا الوطنية على أكتافهم، ويشتركون مع الأحزاب والقوى السياسية في هموم الوطن؛ ثبت عكس هذا المفهوم عندما وصل التنظيم للسلطة في مصر، حيث خاصموا بل عادوا كل الأحزاب السياسية بلا استثناء، كما أنهم قاموا بأخونة كل مؤسسات الدولة بشهادة شركائهم!
إعلام الإخوان يتبنى قضايا التنظيم لا قضايا الوطن؛ فإذا كان ثمة تماس مع قضايا الوطن؛ فإعلام التنظيم يسعى لهدم الوطن وتشويه صورته، فلم يكن إعلاماً تنموياً، يبحث عن مناقشة قضايا الوطن المهمة، ولا تبنى قضاياه الملحة، فالتنظيم يُركز نشاطه على سقوط الوطن، لأنه يرى نفسه بديلاً له؛ وكأن لسان حال التنظيم، إما أنا وإما الوطن.
من خلال المتابعة والرصد لكل مخرجات إعلام الإخوان المسلمين على الأقل في العشرين عاماً الأخيرة، تكتشف أن معارك التنظيم التي خاضها خلال هذه السنوات تنقسم ما بين محاولة تشويه الدولة بمؤسساتها وتجميل صورة التنظيم، واغتيال خصومه معنوياً؛ فالتنظيم يُدرك أن نجاحه في تنفيذ أجندته مرهون بإسكات خصومه، وهنا يتجه إلى التخلص من هؤلاء الخصوم عبر منظومته الإعلامية.
لا يحمل إعلام الإخوان المسلمين أي قيم ولا يسعى لترسيخ أي مفاهيم بخلاف قيمه التي يؤمن بها، فهو مثال للانحطاط القيمي، حيث يفتقد كل الثوابت، ولا يتمسك في الوقت نفسه بأي مواثيق للشرف الإعلامي أو الصحفي، ولا يلتزم بها، ولذلك لا بد أن تتوافر صفات بعينها لمن يعمل في منظومة الإخوان الإعلامية أو يكن مسؤولاً عنها؛ فهذه المنظومة هي المسؤولة عن تنفيذ أجندة التنظيم وأهدافه الرديئة.
الإخوان لا وجود لهم في الوقت الحاضر إلا عبر بعض المنصات الإعلامية؛ فهم أشبه بالظاهرة الصوتية؛ إعلام منحاز للتحريض، ويسعى العاملون فيه إلى تصفية خصومهم معنوياً وجسدياً؛ فكثيراً ما حرّضت وسائل إعلام الإخوان ضد خصومهم بالقتل، واستضافت عبر برامجها من أفتى بذلك، حتى إن الإخوان الذين يعملون في بعض المحطات الفضائية يقومون باستضافة كل من يُحرض على العنف، ويتبنون مواقفه طيلة الحلقة ثم يعلنون تبرؤهم مما قاله على مدار ساعة في كلمة واحدة، وهذه إحدى صور التزييف الإعلامي.
عندما تُحلل مضمون خطاب الذين يقدمون برامج على منصات الإخوان الإعلامية، سواء اليومية أو الأسبوعية، تجده خطاباً منحازاً للعنف والكراهية، أغلب هؤلاء مرضى نفسيون إما بحكم اختيارهم السابق للعمل في هذه المهنة، وإما بحكم عملهم في المنظومة الإعلامية للتنظيم، وكل منهما يؤدي إلى نتيجة مفادها، خطاب شعبوي، ولكنه ينطوي على قدر كبير من الكراهية.
هناك متابعة محدودة لمنصات الإخوان الإعلامية، ولكن هذه المتابعة بلا أي تأثير، ولا قيمة لها، لمجرد الاطلاع على خطاب التنظيم وتحديد مساراته التي قد تفهمها من نبرة الخطاب ومحتواه؛ هذه المتابعة لا علاقة لها بمصداقية المؤسسات الإعلامية، بدليل أنه لم يُبنَ عليها أي نتيجة ولم تغير الواقع، وما زالت نظرة النّاس إلى الإخوان لم تتغير هي الأخرى.
مؤسسات الإخوان الإعلامية كشفت التنظيم بصورة كبيرة؛ حيث ارتبط السقوط بالصعود للسلطة فانكشف أمرهم أمام النّاس، وقد ساعدت منصات الإخوان الإعلامية في سقوط التنظيم بصورة أكبر؛ فكلما تكلم الإخوان كشفوا عن أنفسهم فسقطوا في أعين النّاس.
إعلام الإخوان ينقل لنا حقيقة التنظيم والخلافات بين جبهاته المتصارعة؛ صحيح الإعلام يُحاول أن يُحافظ على شكل التنظيم ولكنه فشل في تحقيق هذه الغاية، فركز دوره على الأقل في المرحلة الحالية على تشويه خصوم التنظيم سواء كانوا أشخاصاً أو كيانات، يتم ذلك عبر كل وسائل التنظيم وعبر الأشخاص القريبين منه.
نجح إعلام الإخوان في خلق مجموعة من المنتفعين حوله أو الذين يسترزقون من ورائه، هذه المجموعة كثيراً ما تدافع عن التنظيم، رغم أنهم لم يكونوا جزءاً منه، ولكن التنظيم نجح في استثمار وجودهم في هذه المهمة اللاأخلاقية؛ مع تكاثر أعداء التنظيم؛ يحقق هؤلاء استفادات مادية ومعنوية، وقد تُوكل لهم مهام وظيفية أو دعم في انتخابات مقابل القيام بهذا الدور.
ولذلك أغلب الذين يدورون في فلك إعلام الإخوان لهم مآرب مادية ووظيفية، وغالباً ما يُغازلهم التنظيم بهذه الصورة، فكثير منهم لديهم استعداد لذلك، ومن هنا نجح التنظيم في بناء إمبراطورية إعلامية، دورها لا يقل عن دور المليشيات المسلحة، فكل منهما يقصف الخصوم، هذا بالسلاح الناري فيقضي عليه، وهذا بالقلم، فيما يُعرف بالاغتيال المعنوي، فيقضي عليه أيضاً.
تفكيك منظومة الإخوان الإعلامية مرهونة بمعرفة المزيد من خبايا هذه المنظومة، خطابها، واستراتيجيتها، وأدواتها، ووسائلها نحو تحقيق الغايات؛ تناول كل القضايا التي تمس التنظيم بجرأة شديدة وبتناول دقيق وعميق، مع الرد على كل الشبهات التي يتناولها هذا الإعلام سوف يُساعد في تفكيك المنظومة مهما كانت تشابكاتها، وهو عنوان جديد لمقالات مقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة