المسلمون اليوم في تلك الدول غير المسلمة مطالبون بالتخلي عن النزعات الانطوائية عبر التواصل والمشاركة الفاعلة
يعيش المسلمون اليوم في بقاع الأرض قاطبة، موزعين على خارطة العالم كما لم يحدث يوماً على مر التاريخ، وتقدر إحصاءات عدد المسلمين الذين يعيشون في الدول غير الإسلامية بما يناهز الـ500 مليون نسمة، يتوزعون كمجتمعات في دول كثيرة.
هذه المجتمعات تواجه تحديات جمة داخلية وخارجية، وإن بمستويات متفاوتة، ابتداءً من الإشكالات الهوياتية إلى صعوبات الاندماج والعزلة الثقافية ومحاولات سيطرة الجماعات الطائفية والحزبية على المراكز الدينية، وليس انتهاء بالإرهاب الذي بدأ في جذب الكثير من الشباب في دول كثيرة، حيث تقدر الشرطة الأوروبية مثلاً العدد المحتمل للإرهابيين في الاتحاد الأوروبي بـ30 ألف شخص.
المسلمون اليوم في تلك الدول غير المسلمة مطالبون بالتخلي عن النزعات الانطوائية عبر التواصل والمشاركة الفاعلة والتعاطي مع الشؤون الداخلية والانخراط في جميع المناشط الاجتماعية والحياتية والعلمية والمساهمة فيها
لقد استغلت بعض الجمعيات والمؤسسات الحزبية تحديات المجتمعات، لتعمق العزلة وتعزز الصورة النمطية عنهم وتزيد الارتياب منهم، فأضحت حاضنة للأفكار المتشددة والمتطرفة وتصاعد الفكر الإرهابي، ومهدت الطريق لبعض شباب تلك المجتمعات نحو التطرف، ما انعكس في انضمامهم إلى منظمات إرهابية في مناطق الصراع، فيما استغلتهم دول عديدة لأغراض سياسية، من أجل الحصول على نفوذ عبر جعلهم أوراق ضغط على دولهم، بينما تكمن التحديات الخارجية التي تواجه المسلمين المواطنين في دول غير مسلمة عبر الإسلاموفوبيا والتطرف والكراهية في بعض الدول، ما يضاعف المشكلات التي يتعرضون لها.
ولذلك تبرز حاجة ماسة لجسر الهوة بين المجتمعات المسلمة ومحيطها، حيث يأتي دور المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ومقره أبوظبي بهدف تنسيق جهود مؤسسات الأقليات المسلمة، والارتقاء بدورها الوظيفي من خلال تشجيع أفراد الأقليات المسلمة على المساهمة في نهضة دولهم المدنية والاقتصادية، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والأقليات المسلمة، وردم الفجوة الفكرية والثقافية بين مكونات المجتمع الإنساني.
وقد نظم المجلس أخيراً في العاصمة الكرواتية زغرب مؤتمر "المسلمون في شرق أوروبا.. الحقوق والواجبات"، شهد تفاعلاً مهما في شرق القارة العجوز، بحضور رؤساء مجالس من عشرات الدول تناقشوا حول تطور العلاقة بين الدين والدولة في أوروبا، إلى جانب استراتيجية مواجهة ظاهرتي الإسلاموفوبيا والتطرف الديني والمراكز الثقافية الإسلامية وعمليات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية وتحقيق الأمن المجتمعي والوئام الوطني.
مما لا شك فيه أن التحديات ستظل قائمة طالما عزلت المجتمعات المسلمة عن واقع أوطانها، ولم تتعرف إلى حقيقة المواطنة الإيجابية، حيث إن المسلمين اليوم في تلك الدول غير المسلمة مطالبون بالتخلي عن النزعات الانطوائية عبر التواصل والمشاركة الفاعلة والتعاطي مع الشؤون الداخلية والانخراط في جميع المناشط الاجتماعية والحياتية والعلمية والمساهمة فيها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة