سو كي.. زعيمة ميانمار التي "لدغها" العسكر مرتين
لم تكن تصدق المرأة السبعينية التي كانت تستعد خلال ساعات للوقوف أمام البرلمان لتعلن انتصارها في انتخابات أثارت جدلا بالبلاد، أن يتم الإطاحة بها واعتقالها من قبل من دافعت عنهم وساندتهم.
فبعد ربع قرن من النضال، وصلت زعيمة المعارضة أونج سان سو كي إلى سدة الحكم في ميانمار عام 2016، قبل أن يتم توقيفها اليوم الإثنين في أعقاب انتخابات وصفها الجيش بأنها مزورة.
المعارضة الأكثر شعبية في ميانمار بدلا من أن تتعلم الدرس وتقف بجانب من ساندها للحصول على هذه المكانة اختارت بعد وصولها لسدة الحكم الوقوف في خندق العسكريين التي كانت تحاربهم سابقا، عندما تعلق الأمر بـ"إبادة جماعية" ضد مسلمي الروهينجا.
وبعد أن كانت رهن الإقامة الجبرية لنحو 14 عاما بقرار من السلطة العسكرية التي كانت تحكم البلاد، وذاقت الحبس والاضطهاد، وافقت على ازدراء أقلية الروهينجا، بل ودافعت عن أفعال قيادات الجيش أمام محكمة العدل الدولية قبل أن تتم الإطاحة بها وتوقيفها.
من هي؟
والدها هو الجنرال أونج سان الذي أسس الجيش الحديث لميانمار وقاد التفاوض لإنهاء الاحتلال البريطاني عام 1947، وأصبح أول رئيس وزراء.
لكن الجنرال قتل في عملية اغتيال بتاريخ 19 يوليو/تموز 1947 قبل أشهر من منح بريطانيا ميانمار استقلالها رسميا على يد منافسيه على الحكم.
كانت أونج في الثانية من عمرها حين تم اغتيال والدها فتولت والدتها تربيتها بجانب شقيقيها.
أمضت الفترة الأولى من حياتها في الهند رفقة والدتها التي عينت سفيرة لبلادها هناك، ثم انتقلت للدراسة في جامعة أوكسفورد البريطانية، وتزوجت هناك من أستاذ جامعي متخصص في شؤون أديان التبت في نفس الجامعة وأنجبت منه ولدين.
عادت أونج سان سو كي إلى ميانمار في أبريل/نيسان 1988 للاهتمام بصحة والدتها المريضة، ووصلت في خضم الانتفاضة على المجلس العسكري التي قمعت بقسوة وقررت الانخراط في رسم مصير بلادها.
الإقامة الجبرية
وقالت في أول خطاب ألقته في معبد شويداغون في 1988 وشكل لحظة ولادة أسطورة سو تشي: "لا أستطيع، بصفتي ابنة أبي، أن أبقى لا مبالية حيال كل ما يجري".
وقد سمح لها بأن تؤسس الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، وأصبحت سريعا أكبر أحزاب المعارضة للحكم العسكري، لكنها سرعان ما وضعت تحت الإقامة الجبرية، بعيد فوز حزبها في انتخابات 1990 التي رفض المجلس العسكري الاعتراف بنتائجها.
نوبل للسلام
وفي العام 1991، حصلت أونج سان سو كي على جائزة نوبل للسلام، كما حازت جوائز عديدة من منظمات حقوقية عالمية مثل العفو الدولية في 2009، وجائزة غوانغجو التي تمنحها واحدة من أكبر منظمات حقوق الإنسان في كوريا الجنوبية، وهي جوائز لم تتمكن من الذهاب لتسلمها، لأنها كانت تحت الإقامة الجبرية.
ومضت سنوات الإقامة الجبرية، في منزلها الذي كان على مقربة من بحيرة في وسط رانغون، حيث سمح لعدد قليل جدا من الأشخاص بزيارتها، وأحيانا ابنيها اللذين عاشا في بريطانيا مع والدهما.
توفي زوجها بمرض السرطان، ولم تتمكن أونغ من الذهاب إلى بريطانيا لوداعه، رغم إفساح السلطات المجال أمامها للسفر، خشية ألا يسمح لها بالعودة إلى ميانمار.
حكم البلاد
وفي 2010، أفرج عن أونج سان سو كي بعد نحو 15 عاما تقريبا في الإقامة الجبرية.
كان الحكام العسكريون يتجاهلون ويتعمدون الامتناع عن إحياء ذكرى والدها، تجنبا لتذكير الناس بأزمتها ووضعها تحت الإقامة الجبرية.
لكن الحكومة شبه المدنية قادت ميانمار منذ حل المجلس العسكري في 2011 إلى مجموعة من الإصلاحات، التي أفضت إلى إجراء أول انتخابات مفتوحة بعد نصف قرن من الديكتاتورية.
ووصلت أونغ سان سو تشي إلى السلطة وهي في السبعين من عمرها، بعد ست سنوات من رفع الإقامة الجبرية عنها.
إبادة جماعية
وأثناء حملتها الانتخابية قبل وصولها للسلطة في أبريل 2016، كانت أونغ قد وعدت بـ "نشر السلام في البلاد"، لكن ما حدث عكس حقيقة مخالفة لذلك تماما.
فبعد عام من توليها الحكم، شن الجيش حملة قمع وحشية ضد أقلية الروهينجا في 2017، تحت ذريعة هجوم شنته مجموعة مسلحة متمردة من الروهينجا على مراكز للشرطة أدت إلى مقتل 12 شرطيا تقريبا.
استهدف الجيش قرى الروهينجا وشن عمليات قال إنها لمكافحة الإرهاب، لكن شهودا أشاروا إلى إطلاق قذائف هاون على مدنيين كانوا يفرون نحو بنغلادش، وتحدثت الأمم المتحدة عن حصيلة بلغت ألف قتيل على الأقل في أول أسبوعين فقط من العمليات العسكرية ضدهم.
وفر نحو 740 ألف من الروهينجا نحو بنغلادش المجاورة، وذكرت الأمم المتحدة التي حققت في المذابح بأن ما حصل يعتبر "إبادة جماعية".
صعدت الأمم المتحدة لهجتها حيال الجيش والمليشيات البوذية واصفة الفظاعات التي ترتكب بحق الروهينجا بأنها "نموذج كلاسيكي للتطهير عرقي".
وفي تقرير لها، نددت منظمة العفو الدولية "بسياسة الأرض المحروقة" التي تستهدف أقلية الروهينجا.
دفاع عن الانتهاكات
وفي أول تعليق رسمي لها على الأزمة، نددت أونج سان سو كي "بكم هائل من المعلومات المضللة" التي لا تعكس بحسب قولها الحقيقة على الأرض، متعهدة محاسبة المخطئين لكنها رفضت تحميل الجيش المسؤولية.
ودعا تحقيق للأمم المتحدة إلى مقاضاة قائد الجيش وخمسة قادة كبار آخرين بتهم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وفي 16 يوليو/تموز 2019، أعلنت واشنطن فرض عقوبات ضد قائد الجيش وثلاثة قادة كبار آخرين لدورهم في "تطهير عرقي" في البلد الآسيوي.
وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني، أجاز قضاة المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم مزعومة مرتكبة ضد أقلية الروهينجا ، بما في ذلك أعمال العنف والترحيل التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وبينما كانت تعتبر في يوم من الأيام رمزا للسلام، مثل الماهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، انهارت صورة أونج سان سو تشي، على خلفية هذه القضية بسبب دفاعها عن جنرالات الجيش، والتي سافرت بنفسها لتدافع عنهم أمام محكمة العدل الدولية.
سحب الجوائز
وجردت عدد من منظمات حقوق الإنسان زعيمة ميانمار من الجوائز التي كانت قد منحتها إياها، مثل منظمة العفو الدولية وكذلك تم سحب جائزة غوانغجو.
كما جردها البرلمان الكندي من الجنسية الكندية الفخرية، وسحبت باريس لقب مواطنة الشرف وذلك في بوادر "لا سابق لها" احتجاجا على دفاعها عن العنف حيال أقلية الروهينجا.
انقلاب
وفي أعقاب انتخابات وصفها الجيش بأنها مزورة، تسارعت الأمور في ميانمار، اليوم الإثنين، نحو انقلاب عسكري تم على إثره اعتقال أونج سان سوكي.
وقال ميو نيونت، متحدث باسم حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية (الحاكم) في ميانمار، إن زعيمة البلاد وشخصيات بارزة أخرى من الحزب اعتقلت في مداهمة في الصباح الباكر.
وأضاف نيونت لرويترز أن سوكي ورئيس البلاد وزعماء آخرين "اعتقلوا" في الساعات الأولى من الصباح.
وتابع: "أود أن أبلغ شعبنا ألا يرد على هذا بتهور وأود منهم (المواطنين) أن يتصرفوا وفقا للقانون".
وتوقع أن يتم اعتقاله هو أيضا.
يأتي ذلك رغم دعوة أمريكا و16 دولة بينها بريطانيا وبعثة الاتحاد الأوروبي، في بيان، الجمعة، الجيش على "الالتزام بالمعايير الديمقراطية".
تلك الخطوة جاءت بعد أيام من توتر متزايد بين الحكومة المدنية والجيش في أعقاب انتخابات وصفها الجيش بأنها مزورة.
ووفق وسائل إعلام محلية فإن الجيش نشر قوات في العاصمة نايبيداو وقطع خدمات الهاتف والإنترنت بها.
ومنذ أسابيع، لم يتوقف الجيش القوي عن توجيه اتهامات بارتكاب مخالفات في الانتخابات العامة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وحققت فيها "الرابطة الوطنية للديموقراطية"، وهو حزب أونج سان الحاكم، فوزا ساحقا.
وطالبت لجنة خاصة بتدقيق القوائم الانتخابية، الأمر الذي أيده المتحدث باسم الجيش الثلاثاء في مؤتمر صحفي حيث لم يستبعد استيلاء الجيش على السلطة لمواجهة ما وصفه بأزمة سياسية في البلاد.
وتزايدت المخاوف الأربعاء بعد أن طرح قائد الجيش البورمي الجنرال مين أونغ هلينغ، الشخصية الأكثر نفوذا في بورما، إمكانية "إلغاء" دستور البلاد في ظل ظروف معينة.
وكانت الانتخابات التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني، ثاني انتخابات ديمقراطية تُجرى في بورما منذ نهاية نظام المجلس العسكري في عام 2011.
وكما كان متوقعا فاز حزب أونغ سان سو تشي، الشخصية التي تحظى بشعبية واسعة في بورما، في الانتخابات ما يجدد سلطة إدارتها لخمس سنوات إضافية.
لكن الجيش اعتبر أن هناك عشرة ملايين حالة تزوير انتخابي على مستوى البلاد، معربا عن رغبته بإجراء تحقيق في الأمر وطالب مفوضية الانتخابات بالكشف عن لوائح التصويت للتحقق منها.
وأصدرت لجنة الانتخابات بيانا الخميس قالت فيه إن الاقتراع كان حرا ونزيها وذي مصداقية و عكس "إرادة الشعب".
ونفت مزاعم التزوير الانتخابي، لكنها أقرت بوجود "ثغرات" في قوائم الناخبين في عمليات اقتراع سابقة، وأعلنت أنها تحقق حاليًا في 287 شكوى.
والجمعة، أصدرت السفارة الأمريكية، إلى جانب 16 دولة بينها القوة الاستعمارية البريطانية السابقة وبعثة الاتحاد الأوروبي بيانًا حث الجيش على "الالتزام بالمعايير الديمقراطية".
وجاء في البيان: "نتطلع بفارغ الصبر إلى عقد البرلمان سلميا في الأول من فبراير/شباط، مع انتخاب رئيس الجمهورية ورئيسي المجلسين".
وأضاف: "نعارض أي محاولة لتغيير نتائج الانتخابات أو تعطيل الانتقال الديموقراطي في بورما".
كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلقه البالغ" حيال التطورات الأخيرة في بورما، وفق ما نقل عنه المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك في بيان.
وأضاف أنه يحث "جميع الفاعلين على الامتناع عن أي شكل من أشكال التحريض أو الاستفزاز والتحلي بحس المسؤولية والالتزام بالمعايير الديموقراطية واحترام نتائج (الانتخابات)".
aXA6IDE4LjExOS4xOTIuMiA= جزيرة ام اند امز