مرونة أسواق النفط، إلى جانب مرور المشاورات بين روسيا والسعودية بمرحلتها النشطة دفعت إلى إجراء محادثات هاتفية مرتين خلال أسبوع واحد.
أوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أثناء مؤتمر صحفي أن "كثافة" الاتصالات الهاتفية بين الرئيس فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في الآونة الأخيرة، ليس سببها وجود خلافات بين موسكو والرياض.
وردا على سؤال عن سبب إجراء الطرفين اتصالين هاتفيين خلال الأسبوع الماضي وحده، وعما إذا كانت هناك خلافات بين الدولتين حول صفقة "أوبك+"، قال بيسكوف: "الحديث لا يدور عن خلافات، إنما عن العمل المشترك بين الدولتين، وهما أكبر منتجي للنفط، و من شأن خطواتهما المشتركة المساهمة في إعادة أسواق موارد الطاقة إلى استقرارها".
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية أن مرونة أسواق النفط، إلى جانب مرور المشاورات بين روسيا والسعودية بمرحلتها النشطة دفعت إلى إجراء محادثات هاتفية مرتين خلال أسبوع واحد.
وفي أعقاب ذلك وبعد عقد اجتماع للجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأعضاء تحالف أوبك+ قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، خلال الاجتماع الذي حضره نظيره السعودي، إن سوق النفط متقلبة للغاية وأتفق مع وزير الطاقة السعودي على أن الوضع هش.
وأشار نوفاك إلى تباطؤ تعافي الطلب العالمي على الطاقة في ظل الموجة الثانية من كورونا، مشددا على وجود حالة من عدم اليقين في سوق النفط العالمية بسبب الأضرار الجسيمة، التي تسببت بها أزمة كورونا على العديد من القطاعات الاقتصادية. وتوقع الوزير الروسي أن ينخفض الاستثمار العالمي في الطاقة هذا العام وسط الأزمة بنسبة 18% - 20%، وهذه النسبة تفوق انخفاض الطلب العالمي على النفط.
من جهته شدد الأمير عبد العزيز بن سلمان على أهمية اتخاذ خطوات استباقية في سوق النفط العالمية، وقال: "يجب أن نتحرك بخطى أسرع من الأحداث".
وأضاف وزير الطاقة السعودي، أن سوق النفط العالمية شهدت الشهر الماضي مجموعة كبيرة من الرسائل المتباينة.
والواقع أن هذه الرسائل المتباينة والوضع الهش للأسواق يرجع بشكل أساسي إلى الضبابية حول الطلب العالمي على النفط في الأمدين القصير والمتوسط. فقد أدى انتشار حالات كوفيد 19 في أوروبا إلى إجراءات جديدة بإغلاق أنشطة إنتاجية في فرنسا والمملكة المتحدة وفرض قيود على الحركة والتنقل، كما امتدت هذه الموجة الثانية من الوباء إلى بلدان أوروبية أخرى تضم سويسرا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا التي شددت من إجراءاتها لاحتواء هذه الموجة الثانية من الوباء. هذا علاوة على تزايد حالات الإصابة في بعض الولايات الأمريكية (حيث تحتل الولايات المتحدة مرتبة أكبر مستهلك للنفط)، وأيضا ارتفاع حالات الإصابة في الهند ثالث أكبر مستهلك للخام في العالم، وكل ذلك يؤدي بالطبع إلى انخفاض الطلب على النفط.
وربما يكون الاستثناء الوحيد في ظل هذه الأوضاع هو الطلب في الصين الذي ارتفع مع التعافي من الوباء وتسجيل معدلات نمو إيجابية خلال الربعين الثاني والثالث من العام.
ويبقى الطلب معلقا على إمكانية التوصل إلى لقاح للوباء فإذا ما تم التوصل إلى لقاح مع نهاية العام كما يتوقع الكثيرون، فقد يعود النشاط الاقتصادي للتعافي خلال العام المقبل كما تتوقع ذلك العديد من المؤسسات المالية الدولية، وهو ما يعني عودة الطلب على النفط للارتفاع. ومن هنا تتوقع بعض الجهات ومن بينها العراق مؤخرا ارتفاع أسعار النفط خلال النصف الثاني من العام المقبل.
وكانت اللجنة الفنية لأوبك قد ناقشت في وقت سابق قضية تباطؤ تعافي الطلب العالمي على النفط. كما أن لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك+ ناقشت في اجتماعها الأخير مدى التزام الدول أعضاء أوبك+ بالحصص الإنتاجية المحددة لهم، وشددت على الحاجة إلى التزام أقوى بالحصص. ومع أن البيان الختامي للاجتماع لم يعرض موقفا بشأن ما إذا كانت دول المجموعة سوف تقدم على رفع سقف الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل وفقا للقرار الأصلي لها كما هو محدد له في بداية عام 2021 ليصبح الخفض في الإنتاج بمقدار 5.7 مليون برميل يوميا بدلا من 7.7 مليون برميل يوميا، إلا أن البيان في الوقت ذاته عبر عن قلقه بشأن آفاق نمو الطلب وأشار إلى ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية.
من جهة أخرى ومما يزيد من الضبابية وضع المخزونات في الدول المستهلكة الرئيسية، حيث نجد أن المخزونات التجارية الأمريكية من النفط الخام (وباستثناء المخزونات الاستراتيجية) قد استمرت في الانخفاض، حيث سجلت انخفاضا بمقدار مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 16 أكتوبر بعد أن كانت قد انخفضت بمقدار 3.8 مليون برميل في الأسبوع السابق عليه. وبلغت بذلك تلك المخزونات ما يقدر بنحو 488.1 مليون برميل وهو ما يزيد بنسبة 10% فقط عن مستوى متوسط هذه المخزونات خلال الخمس سنوات الأخيرة. كما انخفضت إجمالي المخزونات التجارية من النفط والمنتجات بنحو 7.2 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 16 أكتوبر.
في ظل هذه الضبابية تنتظر الأسواق قرار تحالف أوبك+ عند التئام مؤتمرها الوزاري الذي سيعقد نهاية شهر نوفمبر المقبل. والسؤال هو ما إذا كانت دول التحالف ستقدم على تمديد العمل بسقف الإنتاج القائم حاليا أي الاستمرار في خفض الإنتاج بمقدار 7.7 مليون برميل لفترة قد تمتد حتى نهاية الربع الأول أو الربع الثاني من العام المقبل، أم سيتم رفع الإنتاج ليكون خفض الإنتاج بمقدار 5.7 مليون برميل يوميا فقط كما ينص على ذلك الاتفاق الذي عقد في شهر أبريل الماضي؟ ومن الطبيعي أن هذا القرار يتوقف بشكل رئيسي على مستوى الطلب خلال الفترة القصيرة المقبلة، والتوقعات السائدة حول مستوى هذا الطلب خلال الأمد المتوسط، علاوة بالطبع على تطور مستوى المخزونات في الدول المستهلكة الرئيسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة