مع التدهور في سعر صرف الليرة وخروج المستثمرين الأجانب من البلاد، لن يكون بمقدور الاقتصاد التركي تحمل أية خسائر جديدة.
بعد مقاومة شديدة بناء على رؤية رجب طيب أردوغان أقدم البنك المركزي التركي في 24 سبتمبر الماضي على رفع سعر الفائدة بمقدار نقطتين مئويتين من 8.25% إلى 10.25%. ومن المعروف أن أردوغان كان يصر وعلى نقيض كافة الشواهد النظرية والواقعية على أن رفع سعر الفائدة يرفع معدل التضخم. وكان العديد من المراقبين يميلون إلى التوقع بأن البنك المركزي سوف يرفع سعر الفائدة عدة مرات أخرى وذلك لمحاربة التضخم وتخفيفا للضغط الواقع على العملة التركية (الليرة) والتي شهدت انخفاضا مستمرا على مدى عدة سنوات مع الانخفاض الحاد في الاحتياطيات من النقد الأجنبي في محاولة الدفاع عن سعر صرف الليرة من التدهور.
وفاجأ البنك المركزي الجميع بتثبيته سعر الفائدة عند اجتماعه يوم الخميس 22 أكتوبر، وكان من المتوقع أن يرفع المركزي سعر الفائدة بمقدار 1.75% نقطة مئوية لتبلغ 12%.
وكان مصرف "غولدمان ساكس" قد أشار فور قرار المركزي التركي إلى أن خطر تعرض العملة التركية لتقلبات حادة واضطرار صناع السياسة لرفع أسعار الفائدة بدرجة أكبر، قد ازداد بعد أن أبقى البنك المركزي سعر الفائدة دون تغيير. وذكر أحد محللي المصرف الأمريكي "نعتقد أن مخاطر الهبوط الحاد قد زادت عقب قرار اليوم بتثبيت سعر الفائدة" مشيرا إلى تصور محتمل يؤخر البنك المركزي فيه تشديد السياسة النقدية، بما يفضي إلى مزيد من التقلبات في العملة ومن ثم أسعار فائدة أعلى وانكماش في الطلب.
وأوضح أن مستويات عجز ميزان المعاملات الجارية وسداد ديون القطاع الخاص تشير إلى استمرار نزوح النقد الأجنبي عن الاقتصاد، لافتا إلى أن ذلك يضغط على العملة واحتياطات النقد الأجنبي.
وأضاف "سيتعين على صناع السياسة معالجة تلك المسائل، وما زلنا نرى أن الفائدة سترتفع إلى 17 بالمئة بنهاية السنة، لكن التوقيت سيمليه في النهاية أداء الليرة التركية".
وقد ترتب على تثبيت سعر الفائدة بالفعل حدوث تدهور كبير في سعر صرف الليرة التركية حيث سجلت أكثر من 8.1 ليرة مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى لسعر الصرف على الإطلاق، ومع هذا الانخفاض يكون سعر الصرف قد تراجع نحو 26% منذ بداية هذا العام فقط.
وفي تطور سلبي آخر حطم عدد الشركات التي تم تصفيتها خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي رقما قياسيا حيث تجاوز عددها عشرة آلاف شركة.
وكان اتحاد الغرف والبورصات التركي قد أعلن أن عشرة آلاف و453 شركة أغلقت في الأشهر التسعة الأولى من العام مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث كانت عدد الشركات التي أفلست حينها نحو تسعة آلاف و385 شركة، وهو ما يشير إلى ارتفاع في عدد حالات الإفلاس بنسبة 11.4%.
عقوبات ومقاطعة اقتصادية
إلى جانب هذه التطورات السيئة نتيجة للسياسة الاقتصادية التركية، تأتي أيضا آثار سيئة منتظرة نتيجة للتطورات الجيوسياسية. فقد أجل الاتحاد الأوروبي إعلان عقوبات ضد تركيا حتى ديسمبر المقبل لتشجيعها على نبذ الاستفزازات التي تقدم عليها في شرق المتوسط ضد كل من قبرص واليونان عضوي الاتحاد. كما أنه من المنتظر أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا نتيجة لما أعلنته مؤخرا من إنهاء اختبارها لنظام الدفاع الجوي الصاروخي الروسي إس 400، وربما يتم فرض هذه العقوبات بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 نوفمبر المقبل. ومن المنتظر أن تفرض هذه العقوبات أيا كانت شخصية الفائز بالانتخابات، فالخارجية الأمريكية أشارت إلى العقوبات عند إصدار تحذير في بيان لها في 7 أكتوبر الماضي بشأن استعداد تركيا لاختبار نظام إس 400 الصاروخي، وهو ما قامت به تركيا بالفعل في 16 أكتوبر. ويشير المراقبون إلى أن العقوبات ستكون أقسى إذا ما فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات لتشدد أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين بشأن شراء تركيا لنظام إس 400.
من جانب آخر أعلنت في المملكة العربية السعودية حملة لمقاطعة البضائع التركية والسياحة. وهو ما يضيف المزيد من المشكلات للاقتصاد التركي المأزوم.
وكانت العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وتركيا قد تطورت خلال العقدين الماضيين، وتتضمن تلك العلاقات التجارة وتدفقات الاستثمار والسياحة. ورغم أن الدول العربية تبقى بعيدا عن أن تكون الشركاء الأساسيين لتركيا، لكن إجراءات المقاطعة التي كانت ستؤدي حسب بعض المراقبين إلى آثار محدودة نسبيا على الاقتصاد التركي خلال الأوقات العادية، من المنتظر أن تثبت فعاليتها في الظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد. فمع التدهور في سعر صرف الليرة وخروج المستثمرين الأجانب من البلاد، لن يكون بمقدور الاقتصاد التركي تحمل أية خسائر جديدة في إيراداته من العملات الصعبة، أو في تدفقات رأس المال بما يترتب عليه زيادة المخاطر المحيطة بالاقتصاد.
وطبقا للبيانات التي قدمها بعض الكتاب استنادا إلى معهد الإحصاء التركي والبنك المركزي التركي فقد انخفضت الصادرات التركية بالفعل لكافة دول العالم في العام الحالي. فخلال السبعة أشهر الأولى من العام بلغت الصادرات 90 مليار دولار، وهو ما يقل بنسبة 13.7% عن نفس الفترة من العام الماضي. وقد بلغت الصادرات للدول العربية خلال السبعة أشهر الأولى من العام الحالي نحو 17 مليار دولار أو نحو 19% من إجمالي الصادرات. بينما كانت الصادرات التركية للدول العربية تعادل نحو 36 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو ما تبلغ نسبته 20% من إجمالي الصادرات التركية التي بلغت 180 مليار دولار.
وبلغت واردات تركيا من العالم العربي نحو 14 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو ما يعني أن تركيا تحقق فائضا كبيرا في تجارتها مع العالم العربي يبلغ نحو 22 مليار دولار، وهو ما يؤكد على أهمية الأسواق العربية للاقتصاد التركي.
أما فيما يتعلق بقطاع السياحة فقد مثل السياح العرب نحو 10% من إجمالي الأجانب الذي زاروا تركيا خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي، وذلك في ظل انخفاض كبير في أعداد السائحين بسبب وباء كورونا، حيث انخفض عدد الزائرين الأجانب بنحو 77% ليبلغ 7 مليون زائر فقط. بينما في عام 2019 كانت نسبة السياح العرب تشكل أيضا 10% من إجمالي السائحين الذين بلغ عددهم 45 مليون سائح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة