العلاج بالسحر في قبائل بورما.. التضحية لراحة الأرواح
عائلة هتان بي التي تعيش في قرية ساتبالاو شاونج ضمن قبائل ناجا في أقاصي بورما توارثت طقوس الشامانية عبر الأجيال لعلاج المرضى
في قبائل ناجا، التي تقع في أقاصي بورما، يمتزج العلم والسحر بصورة كبيرة. هناك يعتمد البعض على الطب المعاصر في العلاج بينما يلجأ آخرون للطقوس الشامانية المتوارثة.
تشخص هتان بي (24 عاما) الأشخاص المصابين بالملاريا بالاعتماد على الطب المعاصر، فيما تضحي والدتها بالدواجن لراحة الأرواح في الأدغال.
وفي قرية ساتبالاو شاونج التابعة للقبائل التي عُرفت بقطع رؤوس خصومها في السابق، توارثت عائلة هتان بي طقوس الشامانية عبر الأجيال.
وتستقبل هذه العائلة، التي تعيش في أقصى شمال بورما قرب الحدود الهندية، المرضى طلبا للشفاء وأيضا الأشخاص الراغبين في تساقط الأمطار أو لمرافقة أرواح الموتى.
جانج نجون والدة هتان بي، هي آخر المعالجات في هذه الجماعة. وتقول: "لقد ضحينا بدجاجة لنطلب من الأرواح معالجة مريض وقد أجدى ذلك نفعا".
أما هتان بي فتلقت تدريبا على مبادئ الطب المعاصر في هذه المنطقة النائية، التي يتعين التنقل بالقوارب والدراجات النارية لأكثر من 9 ساعات أحيانا قبل بلوغ المدينة الأقرب.
وتؤكد الشابة وهي جالسة أمام منزلها المصنوع من الخيزران والذي تستخدمه كعيادة، أنها لا تتنافس مع والدتها. وتقول: "الناس يقصدونني أولا ثم يتوجهون إليها عندما لا يلحظون تحسنا في صحتهم".
يتوزع أفراد شعوب الناجا في بورما، البالغ عددهم نحو 400 ألف شخص، على عشرات القبائل ذات اللهجات المتقاربة والعادات الخاصة التي تمزج الطقوس الإحيائية مع شعائر مسيحية أدخلتها بعثات من المرسلين في السنوات الأخيرة.
وتواجه أفراد القبائل من شعوب ناجا في حروب على الأراضي، وصل الأمر خلالها إلى قطع رؤوس أعدائهم لرفعها كغنائم.
استمرت هذه الممارسات حتى ستينيات القرن الماضي، بحسب بعض الشهادات.
ويقول زاو مين لاي، المدير الإقليمي لمنظمة "ميديكل أكشن ميانمار" غير الحكومية التي تزور أفراد هذه القبائل مرة شهريا، إن "اللغة والنقص في وسائل النقل والاتصال تشكل أبرز التحديات".
ويرتكز نجاح منظمته على شبكتها الواسعة، إذ تلقى متطوع تدريبا في كل القرى الـ275 التي تقطنها قبائل ناجا وهو يقيم فيها باستمرار. وتقضي مهمته بتوزيع الأدوية الأكثر شيوعا من المسكنات إلى أملاح الترطيب مرورا بوسائل الكشف عن السل وخصوصا الملاريا.
وتراجع هذا المرض بنسبة 90% في بورما بين 2010 و2017 وفق منظمة الصحة العالمية، لكنه لا يزال يطرح مشكلة لدى هذه القبائل، إذ إنه يحصد المزيد من الأرواح في صفوفهم. ويعالج الأطباء المتدربون أيضا باستمرار إصابات بمرض كساح الأطفال الناجم عن النقص في الفيتامين د.
ويسعى فريق زاو مين لاي لمعرفة سبب الانتشار الكبير لهذا المرض في أراضي قبائل ناجا، حيث سُجلت نحو 300 حالة. ومن الفرضيات المطروحة سوء التغذية والاستعداد الوراثي ونقص الشمس في الأدغال الكثيفة.
واستحال دور هؤلاء الأطباء المتدربين ضروريا على مر السنوات، خصوصا في موسم الأمطار عندما يصبح سلوك الطرقات، متعذرا بفعل الوحول وانزلاقات التربة ما يترك القرى في عزلة تامة.
كذلك تساعد المنظمة غير الحكومية في حالات ترتدي طابعا طارئا أكثر، في نقل المرضى إلى المستشفى الأقرب. ويوضح مون وهو مزارع في سن الثلاثين: "ليست لدينا دراجات نارية أو أموال لدفع ثمن التنقل بدراجات الأجرة".
لكن بموازاة دخول الطب المعاصر إلى القرية، يسجل تراجع في طقوس الشامانية. وتنصح جانج نجون القرويين الأكثر تعليما بالتوجه نحو الطب المعاصر.
وتقول: "أنا أتقدم في السن وبصري يتراجع"، وهي تدرك أن أحدا لن يضطلع بدورها كمعالجة تقليدية بعد رحيلها.