بؤر ساخنة.. هل الخلجان والشواطئ العربية مهددة بالتآكل؟
هل يمكن أن يؤثر تغير المناخ والاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض على معدلات ارتفاع سطح مياه البحار ويهدد شواطئ وخلجان العالم؟
دراسة خلجان الولايات المتحدة الأمريكية على المحيط الهادئ، وخلجان مصر وتونس على البحر المتوسط، بداية حقيقية من علماء وباحثي علوم البحار والمحيطات بجامعة نورث كارولينا الأمريكية، تحت إشراف الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء بوكالة "NASA"، لرصد تأثيرات ارتفاع أمواج البحار والمحيطات خلال العقود الأخيرة.
قامت وكالة ناسا الفضائية باختيار ثلاثة مواقع تنتمي لثلاثة بلدان مختلفة، وذلك باعتبارها نموذجًا تطبيقًيا يمكن تنفيذه على جميع شواطئ وخلجان العالم، وهي خليج سانتا كاتالينا المُطل على المحيط الهادئ بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وخليج الحمامات الشمالي بالقرب من العاصمة التونسية، والساحل الشمالي لجمهورية مصر العربية.
الدراسة التي جاءت تحت عنوان "قوة الأمواج وتأثيرها على تراجع الشواطئ وتغذيته قبل 2100"، وقام بالإشراف عليها وكالة ناسا الفضائية، ومختبر الدفع النفاث، بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وكلية فيتيربي للهندسة بجامعة جنوب كاليفورنيا، وكلية العلوم بجامعة تونس، ومختبر العلوم المائية، IRD، CNRS، بجامعة مونبلييه الفرنسية، ومعهد الجغرافيا والتخطيط، بجامعة نانت الفرنسية، وتم نشره في مجلة نيتشر العلمية، بالإضافة إلى نشره في المجلد الخامس من مجلة اتصالات الأرض والبيئة، وقد جاءت برئاسة العالم المصري الدكتور عصام حجي، الباحث في أنظمة التصوير بالرادار في جامعة جنوب كاليفورنيا ومركز الدفع النفاث بوكالة ناسا، وبمشاركة الدكتور عبد الرؤوف حمزة، أستاذ الجيولوجيا بالمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار التونسي، والدكتورة علا عمروني، أستاذة البيئة البحرية بالمعهد الوطني للعلوم وتكنولوجيا البحار.
ضرب السواحل والخلجان بطريقة أكثر عنفًا
وقد أظهرت الدراسة حجم التأثير السلبي للتغيرات المناخية والزيادة المتصاعدة في ارتفاع سطح المياه، وبالتالي ارتفاع أمواج البحار والمحيطات، وهو ما أدى إلى ضرب السواحل والخلجان بطريقة أكثر عنفًا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مبينة في الوقت نفسه أن الشواطئ الرملية في جنوب كاليفورنيا الأمريكية، والساحل الشمالي المصري، وشاطئ الحمامات التونسي، تشهد تآكلًا ساحليًا متزايدًا بسبب التغيرات في أنماط هطول الأمطار والنمو الحضري.
وقد توقعت دراسة "قوة الأمواج وتأثيرها على تراجع الشواطئ وتغذيته قبل 2100"، معدلات تراجع الخط الساحلي والكميات المطلوبة من تغذية الرمال للتخفيف من ذلك خلال العقود القادمة، فقد أظهرت النتائج التي توصلت إليها إلى أن معدلات تراجع الخط الساحلي للشواطئ الرملية في جنوب كاليفورنيا ستزداد من متوسط القيمة الحالية البالغة −1.45 إلى −2.12 مترًا سنويًا في عام 2050 وإلى −3.18 مترًا سنويًا في عام 2100، وهو ما يعني أن الحجم السنوي للرمال المطلوبة لتغذية الشاطئ ستتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2050، لترتفع من الكمية الحالية التي تبلغ 1223 إلى 3669 مترًا مكعبًا سنويًا لكل كيلومتر، ما يؤدي إلي إرتفاع التكلفة المرتبطة بهذه التغذية بنحو خمسة أضعاف.
أما فيما يتعلق بشاطئ خليج الحمامات بالقرب من العاصمة التونسية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فقد أظهرت الدراسة عددا من التغيرات الملحوظة في معدلات تراجع الخط الساحلي، بحيث تظهر بوضوح الاتجاه الذي يهيمن عليه التآكل، ما يضعها ضمن المناطق ذات أعلى معدلات للتآكل، مع أقصى معدلات تراجع لحركة الخط الساحلي الصافي "NSM"، وذلك على مدار العقود الثلاثة الماضية، أي خلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2018، وبمقدار تجاوز التسعين مترًا، وهو ما ينطبق على شاطئ الساحل الشمالي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر، والذي يتوقع بفقدانه في المستقبل، وذلك بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.
"النقاط الساخنة"
"لا شك أن الشواطئ والخلجان بالمناطق الحضرية المنخفضة وشبه القاحلة مثيرة للاهتمام العلمي، خاصة أن أغلبها يشهد زيادة فيما يُسمي "النقاط الساخنة"، وهي المناطق التي تتعرض للتآكل بسبب التغيرات المناخية، والأخطر أن تلك الخلجان تستضيف أكبر وأسرع التجمعات السكانية نموًا في العالم".. بتلك العبارة بدأ الدكتور عصام حجي، الباحث في أنظمة التصوير بالرادار في جامعة جنوب كاليفورنيا ومركز الدفع النفاث بوكالة ناسا، مبينًا أن فريق العمل قام بمراقبة مواقع الخط الساحلي التاريخي لسواحل جنوب كاليفورنيا، وخليج الحمامات الشمالي بالقرب من العاصمة التونسية، والساحل الشمالي لجمهورية مصر العربية، وذلك باستخدام وسائل رصد وتحليل التغير في المشاهد التصويرية المدارية ونموذج DSAS، خلال الفترة من عام 1992 إلى عام 2018.
وقال الدكتور عصام حجي، إن الفريق العلمي أغلبه من الباحثين والشباب العرب، وإنه يعمل على مشروع رصد حركات مياه البحار والمحيطات ودراسة المخاطر المناخية ومدى تأثيرها على السواحل والشواطئ العربية منذ خمس سنوات، ما مثل نجاحاً كبيراً للباحثين العرب، خاصة أن أكبر المؤسسات كانت قد توقعت فشل المشروع، بل واقترحت الاستعانة بخبراء وعلماء من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن الفريق العربي حقق نجاحًا ملموسًا فاق كل التوقعات، حتى إن نفس المؤسسات التي رفضته منذ خمس سنوات هي التي طالبته بتنفيذ مشروع دراسة السواحل الأمريكية والأوروبية، بل ويتم نشر مشروعهم في كُبرى المجلات العلمية العالمية.