المصالحة في ليبيا.. "بوابة عبور" مشروط
ملف شائك تطرحه المصالحة في ليبيا، وسط تعثر يرجئ حسما ثمينا في بلد مزقت أوصاله عشرية من الحرب.
مسار على قدر من الأهمية ينشد تجاوز العقبات بوجه تفعيله، وهو ما تعمل عليه السلطات الليبية التي اتخذت خطوة في سبيل الحل، معلنة مساء الثلاثاء، اختتام فعاليات الملتقى التأسيسي للمفوضية الوطنية للمصالحة، والتي استمرت يومين لوضع الإطار القانوني لها، بمشاركة أممية وأفريقية وعدد من الخبراء القانونيين المحليين.
وأكد البيان الختامي أهمية اختيار مجلس إدارة المفوضية ممن تتوفر فيهم القدرة على القيادة والنزاهة، على أن تشمل كل مكونات الشعب الليبي، بعد استكمال عقد ملتقياتها في مساراتها المختلفة.
وشدد على ضرورة الاستمرار في التأسيس لمشروع المصالحة الوطنية الهادف إلى معالجة أخطاء الماضي، والانطلاق نحو المستقبل، بتحصين المجتمع الليبي ضد النزاعات والصراعات، والتأسيس لمجتمع متسامح.
قاطرة معقدة
الأكاديمي والسياسي الليبي الدكتور أحمد العبود، يرى أن المؤسسات التشريعية والتنفيذية تأخرت كثيرا في إنتاج هذا الاستحقاق الذي وصفه بـ"المهم".
وأضاف العبود، في حديث لـ"العين الإخبارية": "رغم أن مجلس النواب الليبي اجتهد في إلغاء قانون العزل السياسي، وعمل رفقة الحكومة الليبية المؤقتة السابقة في شرق ليبيا على عودة المهجرين، فإن تلك الجهود لم تكن كافية للدفع بقاطرة المصالحة الوطنية المعطلة والمعقدة والشائكة".
وأشار إلى أنه بعد اختتام ملتقى الحوار الوطني أعماله في فبراير/شباط الماضي، وما أثمره من خارطة طريق وسلطة تنفيذية جديدة في ليبيا، جاءت قصية المصالحة الوطنية، لتكون رفيقة طريق الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مشيرًا إلى أن الملفين متلازمان ويؤثران على بعضهما.
بوابة العبور
وأكد أن المصالحة الوطنية تشكل "بوابة العبور لتنفيذ الاستحقاقات المؤجلة، كما أنها فرصة للتعويض وجبر الضرر ومعالجة ما نستطيع تسميته آثار الصراع الليبي - الليبي الممتد منذ 2011"، مشيرًا إلى أنها خطوة ترتبط بشكل وثيق بقضية الدستور الدائم وإنهاء المراحل الانتقالية، وتوحيد المؤسسات وتفعيلها.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي فوزي الحداد، لـ"العين الإخبارية"، إن مشكلة ليبيا الكبرى تكمن حاليا في "الشتات المجتمعي"، الذي حصل بعد عام 2011، واستمر وتفاقم بعد حرب طرابلس الأخيرة، وتعمق أكثر بفعل خطاب إعلامي "ممنهج وممول" من أطراف الصراع المحلية والدولية.
وأكد المحلل السياسي الليبي أن المجلس الرئاسي الجديد يحاول أن يساعد في رأب هذه الهوة بإنشاء المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، لافتا إلى أن انطلاق المسار التأسيسي القانوني اليوم يهدف لمحاولة ملء الإدارة بكوادر مناسبة غير محسوبة على خطاب التأجيج والكراهية، تكون ممثلة لكل المناطق الليبية؛ لأن تعيين القيادات المناسبة أولى خطوات النجاح والعكس صحيح.
وبحسب الخبير، فإن من بين الملفات "الشائكة" والتي يبدو أنها معقدة بفعل الواقع الذي ما زال يفرض الكثير من التحديات، عودة الوئام بين مختلف مناطق ومدن ليبيا، وملف النازحين في الداخل والخارج والمهجرين أيضًا، وقضايا جبر الضرر، وما يتبعها من إجراءات التقاضي والعدالة، مؤكدًا أن تلك الملفات يحتاج وقتا وجهدا، إضافة إلى أجواء سياسية مناسبة.
روشتة النجاح
وحول خطوات نجاح الملف، قال الحداد إنها تتمثل في "المسار القانوني التأسيسي، واختيار قيادات ذات كفاءة، ومراعاة التقسيم الجغرافي للبلد، وإتاحة موارد تكون مراقبة بالقانون، وعدم تسييس توجهات وبرامج المفوضية، وإعطائها الوقت اللازم مع تهيئة الأجواء ومنع خطاب الكراهية، وتوفير الأطر المناسبة والبرامج الفاعلة للعمل من كل مناطق البلاد".
أما المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، فوصف ملف المصالحة بـ"المتشعب جداً وبه قضايا عالقة منذ 2011"، مرجعا أسباب تأخر العمل عليه إلى انشغال السلطة التنفيذية بشقيها المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بملفات مثل اعتماد الميزانية والزيارات الداخلية والخارجية.
وأكد أن المسار القانوني سيكون أول المسارات التي تطلقها مفوضية المصالحة، والذي سيضم خبراء قانونيين وممارسين في مجال المصالحة وأكاديميين من كافة مناطق ليبيا، وسيبحث باستفاضة الجانب القانوني للمصالحة، خاصة في ملف الانتهاكات والجرائم التي حدثت خلال السنوات الماضية، على أن توضع الحلول اللازمة لها في إطار النظم واللوائح القانونية في الدولة الليبية.
واشترط الأوجلي لنجاح ملف المصالحة الوطنية التأسيس لها بشكل عادل وعدم الانحياز لطرف دون آخر، ورد الحقوق لأصحابها وتقديم كل من ثبت في حقه ارتكاب جرائم للعدالة.
وطالب الخبير المفوضية الوطنية بضمان عودة المهجرين كل إلى مدينته، وعدم حدوث أي مناوشات أو مواجهات نظراً للاحتقان "الكبير" الذي سيصاحب كل خطوة من خطوات المصالحة الوطنية.
وحول دلالات المشاركة الأممية والأفريقية في إطلاق المصالحة الوطنية، أكد المحلل السياسي أنها ترمز إلى أهمية هذا الملف في مسار التسوية السياسي السلمي في ليبيا؛ فالإخفاق في وضع أسس وقواعد وركائز ثابتة لملف المصالحة الوطنية سيهدد كل ما تم التوصل له من اتفاقات سياسية.
والأحد، أعلن المجلس الرئاسي الليبي هيكلة المفوضية بطريقة أفقية، عوضًا عن الترشيح والتعيين المباشر، من خلال اللقاءات التي يعتزم عقدها في شهر يونيو/حزيران المقبل، بمساراتها المختلفة، وبمشاركة كل الفاعلين في مجال المصالحة الوطنية.
وحول أسباب اعتماد تلك الطريقة، يقول محمود زاقوب، المحلل السياسي الليبي، لـ"العين الإخبارية"، إن السلطات الليبية حاولت تجنب الجدل المتوقع بشأن الشخصيات التي لديها القدرة بأن تكون فاعلة في ملف المصالحة الوطنية من إقليم جغرافي ومن فئة عمرية.
وأشار المحلل السياسي الليبي إلى أن الملتقيات التي سيعقدها المجلس الرئاسي، ستفرز شخصيات قادرة على الإقناع ولديها القدرة على تحمل عبء ملف المصالحة الوطنية الذي يعتبر أساس استقرار الأوضاع في البلاد.
وأكد أن الطريقة الأفقية تهدف لإشراك أكبر عدد من المهتمين والفاعلين في الملف في مناطق الدولة المختلفة وفئات المجتمع المختلفة، عوضا عن التكليف بشكل مباشر من المجلس الرئاسي وبدون إشراك الجميع.
المهجرون
ملف المهجرين، يعد أحد الملفات على خارطة طريق المصالحة الوطنية، بسبب الأوضاع الصعبة التي تعيشها تلك الفئات والتي تقدر بـ60 ألف مواطن ليبي، وسط مخيمات غابت عنها وسائل العيش الآدمية.
وبخصوص أوضاع تلك الفئة، يقول علي التاورغي، أحد مهجري تاورغاء بليبيا، لـ"العين الإخبارية"، إن الغالبية العظمى من مهجري تاورغاء يعيشون في أوضاع مزرية وسط مخيمات الصفيح في بنغازي وطرابلس.
وأشار إلى أنهم يعانون انعدام السيولة والمساواة بينهم وأهالي المدينة التي يعيشون فيها، من قبل بعض مديري المصارف، إلا أنه أكد أن وضع المهجرين في بنغازي وضواحيها أفضل بكثير من المنطقة الغربية؛ حيث الوضع أكثر استقرارًا، خاصة مع الاشتباكات التي تشهدها طرابلس بين الحين والآخر من المليشيات وما ينتج عنها من إخراجهم من مخيماتهم.
وعبر عن أسفه لعدم تواصل الجهات الحكومية معه أو مع المواطنين المهجرين، كاشفًا عن أن مطالبهم تتمثل في "العودة الآمنة" والسريعة، مع تهيئة الظروف المناسبة لهم.
وحول مطالب المهجرين، يقول سالم الصغير عضو المجلس البلدي بتاورغاء، لـ"العين الإخبارية"، إن المجلس البلدي أصدر 13 توصية "عاجلة" إلى الحكومة الليبية، بشأن ملف النازحين والمهجرين في المنطقة الشرقية والغربية.
وأوضح الصغير أن المجلس البلدي طرح 9 مشاكل تواجه المهجرين حال عودتهم إلى المدينة، بينها الجانب الأمني، والمنازل المهدمة، وانتشار الأمراض في المدينة مثل اللشمانيا، والبلهارسيا، وعدم وجود أعمدة كهرباء لإمداد المنازل بالخدمة.
وأشار إلى أن هناك 14 ألفًا و626 نازحًا من المدينة في المنطقة الشرقية، فيما توجد في المنطقة الغربية 16 ألفًا و375 فردًا، بالإضافة إلى عائلات نازحة في المنطقة الجنوبية وداخل تاورغاء نفسها (لم يحددها) تحتاج إلى التدخل بشكل عاجل.