منذ أيام قليلة دعا الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، إلى "ضرورة استعادة مفهوم الدولة الوطنية" كمخرج وحيد لمواجهة التحديات التي تهدد المنطقة العربية.
وهذا عين الحقيقة حيث إن دراسات العلوم السياسية الجادة وتجارب المجتمعات على مر التاريخ الحديث أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الدولة الوطنية هي الضامن الوحيد للسلم المجتمعي والحاضنة الوحيدة لسياق سياسي ومجتمعي واقتصادي ممكن من خلاله التطور نحو الأفضل على كافة المستويات وتحقيق أمن ورفاهية المواطن.
كما أكد الدكتور أنور بن محمد قرقاش من جانب آخر أن "زمن المليشيات كلّف العرب كثيرا وأثقل كاهل المنطقة"، وتلك حقيقة لا ينكرها إلا مؤدلج حيث إن المليشيات بكافة أنواعها الفكرية والعسكرية بشقيها السني والشيعي عطلت النهضة في الكثير من الدول العربية لما يربو من قرن من الزمن، فبدلاً من أن يتجادل المجتمع حول كيفية الإدارة الرشيدة للدولة الوطنية وكيفية البناء والتنمية من خلالها، حصرت تلك المليشيات النقاشات حول أسئلة من قبيل تكفير الآخر ومن يمتلك الحديث باسم الدين والتنظير لولاءات عابرة لحدود الدولة الوطنية.
فكانت تلك الميلشيات بذلك هي العامل الأكثر أهمية في حالة الدمار والحروب التي تعيشها المنطقة خصوصا بعد ما سمي باطلاً بالربيع العربي.
كما كان الدكتور أنور بن محمد قرقاش قد أكد في شهر أغسطس/آب الماضي أن ما قاله الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، عندما حذر من مخاطر تلك الميلشيات والجماعات التي تتدثر بالدين ومن مغبة عدم مجابهة خطاباتها وممارساتها على العالم العربي وعلى حتى أوروبا، كان نوعاً من الاستشراف الذي ثبت صحته وأيدته وقائع الأمور.
فبنظرة فاحصة للغرب وما يطرأ عليه من ظهور للأفكار المتطرفة ومن كسب لأراضٍ جديدة له في المشهدين السياسي والمجتمعي يمكننا بأن نقول إن هناك ترحالاً للتطرف من العالم العربي إلى الغرب يحدث ببطء، ولكن باطراد.
ما يدعو للأمل هو أنه في ظل مؤشرات بدايات أفول المليشيات بشقيها السني والشيعي في العالم العربي علي وجه الخصوص، أن الأرض باتت ممهدة ربما أكثر من أي وقت مضى لترسيخ وتمتين الدولة الوطنية بشكل يحصن المجتمعات العربية بشكل مستدام من مخاطر التفكك على أساس الانتماءات الطائفية أو الارتهان لولاءات عابرة لحدود الدولة الوطنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة