"ثورة مواليد" في شوارع بيروت.. نضال الحصول على الجنسية
منذ بدء الحركة الاحتجاجية في شوارع بيروت 17 أكتوبر يشكل إعطاء اللبنانيات حق نقل الجنسية إلى أولادهن مطلبا أساسيا للمتظاهرين
منذ 3 أسابيع، تشارك دانا يومياً في المظاهرات غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية في لبنان، مسقط رأس والدتها المحرومة بسبب زواجها بأجنبي من منح الجنسية لأولادها.
ودانا (22 عاماً) مولودة من أب سوري، وهي واحدة من آلاف الأشخاص الذين لا يحق لهم الحصول على الجنسية اللبنانية، لأن المواطن اللبناني، بحسب القانون، هو فقط من يولد من أب لبناني.
ومنذ بدء الحركة الاحتجاجية في 17 أكتوبر/تشرين الأول، يشكل إعطاء اللبنانيات حق نقل الجنسية إلى أولادهن مطلبا أساسيا للمتظاهرين.
تقول الشابة بينما تضع العلم اللبناني على كتفيها: "أنا مولودة في بيروت، والدي سوري الجنسية وانفصل عن والدتي قبل أن أولد. ترعرعت وكبرت هنا مع أمي".
وتوضح دانا التي تواظب يومياً على التوجّه إلى ساحة رياض الصلح، مركز المظاهرات الرئيسي في بيروت: "أعتبر نفسي لبنانية، لكنهم لا يريدون الاعتراف بهويتي"، في إشارة إلى المسؤولين الذين تصفهم بـ"ذكوريين" و"عنصريين".
وتضيف: "هذا الأمر أثّر كثيراً على نفسيّتي وعلى بناء هويّتي الشخصية".
وتدافع اللبنانيات منذ سنوات عن حقهنّ في منح الجنسية لأولادهن.
على غرار دانا، انضمّ عمر إلى التحركات، يقوده الأمل بتحقيق التغيير في بلد لا تزال الطبقة الحاكمة هي نفسها منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).
ويقول عمر (17 عاماً) : "نزلت إلى الشارع ضد الفساد المستشري في الدولة"، ويوضح أنه رغم أنه أمضى حياته في لبنان، يجدد عمر سنوياً إقامته.
ويروي الشاب المولود أيضاً من أم لبنانية وأب سوري: "ذهبت مرة واحدة في حياتي إلى سوريا حين كنت طفلاً".
ويضيف الشاب بانفعال: "يعاملوننا في الأمن العام كأننا أجانب. يجعلوننا نشعر بالذلّ".
حق طبيعي
ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية خلال 2018 لبنان إلى تعديل قانون الجنسية "البالي" الذي يعود لعام 1925، معتبرة أنه "يميز ضد النساء المتزوجات من أجانب وأطفالهن وأزواجهن عبر حرمان هؤلاء من الجنسية".
ويُعد لبنان، وفق المنظمة، متأخراً عن العديد من الدول العربية التي تمنح المرأة هذا الحق مثل تونس والجزائر ومصر والمغرب واليمن.
ويرفض عدد كبير من السياسيين واللبنانيين منذ عقود تعديل قانون الجنسية، بحجة رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى لبنان منذ 1948، والعائلات المتحدرة منهم.
وتناقص عددهم بسبب القيود المفروضة عليهم والظروف البائسة التي يعيشونها، ويبلغ عددهم اليوم 174 ألفاً على الأقل، وفق تقديرات رسمية.
وأضيفت إلى خطاب "المخاوف" من توطين الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة مخاوف مماثلة من توطين السوريين الذين لجأوا إلى لبنان منذ بدء النزاع في بلادهم في 2011 ويتجاوز عددهم المليون.
ويقول رافضو منح الأم حق إعطاء الجنسية لأولادها إن تجنيس سوريين وفلسطينيين (وهم من المسلمين بمعظمهم) من شأنه أن يزعزع "التوازن الطائفي" في بلد صغير متعدد الطوائف، ويقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية.
ويقول سامر (33 عاماً) المولود لأب فلسطيني وأم لبنانية خلال مشاركته في مظاهرة في بيروت: "لا نطالب بتوطين الفلسطينيين وإنما بإعطاء الجنسية للمولودين من أم لبنانية فقط. هذا حق طبيعي".
ويضيف الوالد لثلاثة أطفال: "نحتاج إلى الجنسية للعمل ولتسجيل أطفالنا في المدارس والاستفادة من الضمان الاجتماعي".
في 2018، اقترح وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل مشروع قانون يخوّل المرأة اللبنانية حق منح الجنسية لأطفالها، إذا كانت متزوجة من أجنبي على ألا يكون سورياً أو فلسطينياً.
وتعلّق رندة قباني، منسّقة حملة "جنسيتي كرامتي" التي تمّ إطلاقها عام 2011، بالقول "إنها عنصرية".
وتوجد في سجلات الحملة طلبات لنحو 10 آلاف عائلة يريد أفرادها الحصول على الجنسية اللبنانية، 60% منهم سوريون، و10% مصريون و7% فلسطينيون، فضلاً عن أردنيين وعراقيين وأمريكيين وأوروبيين.
وتوضح قباني أن "نحو 80% منهم مسلمون مقابل 20% من الطوائف المسيحية".
مسؤولون جدد
وعادت المطالب بإعطاء الأم حق منح الجنسية إلى الواجهة خلال المظاهرات الشعبية التي شارك فيها مئات آلاف اللبنانيين.
وتقول قباني: "قبل الحراك، كانت الأمهات يشعرنّ بالخجل لدى الكلام عن الموضوع. اليوم يطالبن بصوت عالٍ بأن يحصلن على هذا الحق".
وحمل متظاهرون خلال الأسابيع الماضية لافتات كثيرة حول هذا الموضوع بينها: "ما فيي إحمل جنسية إمي، بس فيي دافع عن ثورتها".
وتشارك سحر أيوب، وهي أم لفتيين في الـ14 و16 من العمر يحملان الجنسية السورية، في الحراك الشعبي منذ انطلاقته في بيروت.
وتقول: "سأبقى سنوات في الشارع حتى يصل صوتي، وأحصل على حقي المكتسب لي ولأولادي ولكل امرأة لبنانية".
ونظمت حملة "جنسيتي كرامتي" مسيرة شارك فيها المئات، الأحد، انطلقت من أمام وزارة الداخلية إلى ساحة المظاهرات في وسط بيروت.
ونصبت الحملة خيمة خاصة لها في ساحة رياض الصلح، إلى جانب خيم مماثلة ترفع كل منها راية مطلب حقوقي مختلف.
داخل الخيمة، تنظم دانا حلقات حوارية لتشرح لمتظاهرين آخرين أهمية الحملة، ولدعوتهم إلى المساعدة على رفع الصوت للمطالبة بحق المرأة في منح الجنسية لأولادها.
ورغم الجهود المبذولة، تدرك دانا أن المسيرة ما زالت طويلة، ولا تتوقّع أي تقدم من دون تغيير جذري في السلطة.
وتقول: "حين يصل إلى السلطة مسؤولون جدد جديرون بها، لا أتخيل أن أحداً سيمنع عن المرأة اللبنانية حق منح جنسيتها لأولادها".