كيف تسببت صراعات الشعوب في ظهور البطاقات الملونة بالملاعب؟
هل تتخيل وجود حكم لمباراة كرة قدم دون أن يحمل بطاقات صفراء وحمراء لإنذار أو طرد اللاعبين؟ هكذا كان حال اللعبة قبل ستينيات القرن الماضي.
يرجع الفضل إلى الحكم البريطاني كين أستون في ابتكار البطاقات الملونة لفرض القرارات الانضباطية على اللاعبين بملاعب كرة القدم، والسبب في ذلك كان وجود صراعات بين بعض الشعوب، ألقت بظلالها على مباريات الساحرة المستديرة.
معركة سانتياجو
قبل ظهور البطاقات الصفراء لم تكن هناك طريقة لإنذار أو تحذير اللاعبين في المباريات، وكان الطرد الشفهي هو العقوبة الوحيدة، وكانت تتم أحيانا بعد الاستعانة بأمن الملعب حال رفض اللاعب الخروج.
تشيلي استضافت نهائيات كأس العالم 1962، وفي الجولة الثانية من مرحلة المجموعات التقى المنتخب صاحب الأرض مع نظيره الإيطالي، في مباراة تعد من بين الأعنف في تاريخ اللعبة، إن لم تكن أعنفها بالفعل، وأطلق عليها "معركة سانتياجو"، نسبة إلى العاصمة التشيلية.
السبب في حالة الاحتقان بين تشيلي وإيطاليا كان الشحن الذي قامت به الصحف في البلدين قبل اللقاء، حيث إن الصحف الإيطالية لم تكن راضية عن إسناد تنظيم البطولة إلى الدولة اللاتينية، التي تعرضت لزلزال عنيف بقوة 9.6 ريختر قبل عامين من المونديال.
الصحافة الإيطالية أشعلت فتيل الحرب الإعلامية الكروية، ووصفت تشيلي بأنها بلد متخلف وفقير يعمل سكانه بالدعارة وتجارة المخدرات، وأنها فشلت فشلا ذريعا في تنظيم النسخة السابعة من المونديال.
ما قالته الصحف الإيطالية أغضب شعب تشيلي، وردت الصحف التشيلية بوصف الشعب الإيطالي بأوصاف لا تقل بشاعة.
وبدلا من التركيز على ممارسة كرة القدم، عكف لاعبو تشيلي وإيطاليا على القيام بالتحامات قوية واللعب بعنف حتى وصل الأمر لضرب بعضهم بعضا، وقام الحكم بطرد الإيطالي جورجيو فيريني بعد 12 دقيقة فقط، لكنه رفض مغادرة الملعب لتتدخل الشرطة وتجبره على الخروج.
استمر اللكم والركل المتبادل بين لاعبي المنتخبين، ثم كسر أحد لاعبي المنتخب المضيف أنف لاعب في الآزوري، وانتهت المعركة في النهاية بفوز أصحاب الأرض 2-0 على الفريق الإيطالي الذي أنهى اللقاء بـ9 لاعبين، علما بأن المباراة توقفت أكثر من مرة بعد تدخل الشرطة للفصل بين اللاعبين.
حرب الفوكلاند في المونديال
لعدة قرون استمر النزاع بين بريطانيا والأرجنتين على السيادة في جزر الفوكلاند المجاورة للدولة اللاتينية، وعلى الرغم من أن حرب الفوكلاند لم تندلع إلا عام 1982، فإن هذه القضية تسبب في توترات سياسية عديدة بين الدولتين في أكثر من مناسبة.
في عام 1964، وبعد سنوات قليلة من توقيع اتفاقية لنزع السلاح بتلك المنطقة، قامت الأرجنتين بمناورات حربية في جزر الفوكلاند بالاشتراك مع جارتها تشيلي، وهو ما اعتبرته بريطانيا عملا استفزازيا.
وفي كأس العالم 1966 في إنجلترا، التقى المنتخب الإنجليزي مع ضيفه الأرجنتيني في الدور ربع النهائي، وحدثت معركة مصغرة بين اللاعبين في ملعب "ويمبلي" بالعاصمة لندن، أسفرت عن توقف المباراة في أكثر من مناسبة، وطرد أحد لاعبي "التانجو".
الفكرة تولد في الشارع
أستون هو من أدار مباراة "معركة سانتياجو"، وكانت آخر مباراة يديرها في كأس العالم، حيث شغل بعدها عضوية لجنة الحكام في الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، وكان مشرفا على الحكام في 3 نسخ متتالية بالمونديال (1966 و1970 و1974).
ما حدث في مباراة إنجلترا والأرجنتين بمونديال 1966 دفع الحكم الإنجليزي السابق لمحاولة البحث عن حل لتحذير اللاعبين قبل طردهم، وأثناء قيادة سيارته في شارع "كينسينجتون هاي ستريت" شاهد إشارات المرور بالألوان الصفراء والحمراء والخضراء، مما أوحى له باستخدام اللون الأصفر للتحذير، والأحمر للإقصاء.
وبعد عودة كين إلى منزله، ساعدته زوجته هيلدا على تفعيل نظام الترميز اللوني، حيث صنعت له بطاقتين من الورق باللونين الأصفر والأحمر، وقصتهما لتتلاءما مع جيب قميصه.
استخدمت البطاقات بشكل تجريبي في نهاية الستينيات من القرن الماضي، فيما تم الاعتماد عليها لأول مرة في كأس العالم بنسخة 1970 في المكسيك، قبل أن يتم استخدامها في باقي البطولات خلال السنوات اللاحقة.
كذلك تم اعتماد هذه البطاقات أيضا في العديد من الرياضات الأخرى ومنها كرة اليد، مع وجود اختلافات في طريقة استخدامها حسب القواعد.
aXA6IDMuMTcuMTU0LjE0NCA= جزيرة ام اند امز