نتنياهو بين كماشة ترامب واليمين المتطرف..فهل ينجو من هدنة غزة؟
يجزم كثيرون بأن مهارات نتنياهو السياسية في البقاء معروفة، لكن هذه المرة يواجه مأزقا محكما بين ترامب واليمين المتطرف.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما حذر الرئيس الأمريكي المنتخب آنذاك دونالد ترامب من أن "الثمن باهظ للغاية" إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس بحلول يوم التنصيب، بدا أن هذه الكلمات موجهة إلى الحركة المسلحة.
ولكن الآن بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن وبدء تنفيذه، يوم الأحد الماضي، تقول مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "هو الذي يشعر بالخطر".
فقد حظي الاتفاق بإشادة في مختلف أنحاء العالم، واحتفل به السكان في قطاع غزة. كما حظي بتأييد أغلبية الإسرائيليين.
لكن الاتفاق تهدد بإسقاط حكومة نتنياهو، التي ظلت متماسكة بفضل حرب مفتوحة في غزة ووعد "بالنصر الكامل".
وبعد يوم واحد من موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي على الاتفاق، استقال إيتامار بن غفير، وزير الأمن القومي ورئيس حزب "أوتزما يهوديت" اليميني المتطرف، من الحكومة.
وبالتالي خفّضت مقاعد الكنيست (البرلمان) الستة التي يسيطر عليها حزب بن غفير، أغلبية الائتلاف في البرلمان المكون من 120 عضوا إلى 61 أو ربما 62 مقعدا.
وكان زعيم اليمين المتطرف الآخر، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أكثر تحفظا، وقال إنه سيبقى، ولكن فقط إذا استأنفت إسرائيل هجومها على غزة في غضون ستة أسابيع أخرى، بعد الجزء الأول من الاتفاق المكون من ثلاث مراحل.
وفي حال غادر سموتريتش في النهاية بمقاعده السبعة في الكنيست، فإن الائتلاف سيفقد أغلبيته.
ترامب في الصورة.. فماذا سيفعل نتنياهو؟
في تحليلها الذي طالعته "العين الإخبارية" تشير "فورين بوليسي" إلى أنه لو كان الأمر يتعلق بحسابات سياسية محلية بحتة، لما وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار على الإطلاق، على الأرجح.
فعلى مدار العام الماضي، رفض المقترحات التي قدمها الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن والتي لم تكن مختلفة كثيرا عن المقترح الذي وافق عليه مؤخرا، وذلك "خوفا من أن يؤدي الاتفاق إلى هروب سموتريتش وبن غفير"، وفق المصدر نفسه.
غير أن الفارق هذه المرة هو أن ترامب دخل الصورة وسيظل فيها لمدة أربع سنوات مقبلة.
ويخشى نتنياهو إهانة ترامب، المعروف بحبه للانتقام. بحسب تعبير "فورين بوليسي".
وأضافت في هذه الجزئية "لا يقل أهمية عن ذلك أنه (نتنياهو) يريد أن يكون الرئيس الأمريكي على رأس أجندته الأكبر، وهي المواجهة مع إيران بشأن طموحاتها النووية والخطوة التاريخية لإقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية".
والسؤال الذي تطرحه المجلة هنا، هو ما إذا كانت الاعتبارات السياسية المحلية ستعود إلى الواجهة ويتراجع نتنياهو عن التزام وقف إطلاق النار الذي قطعه لترامب.
وقد أشار نتنياهو إلى ذلك في التصريحات التي أدلى بها بشأن الاتفاق، حيث وصف المرحلة الأولى بأنها "وقف إطلاق نار مؤقت" وتعهد بأن إسرائيل لن ترتاح حتى "تكتمل جميع أهداف حربها".
وتشمل أهداف الحرب، القضاء على حماس، وهو ما قد يمنع نتنياهو من احترام وقف إطلاق النار.
ويقال إنه أخبر سموتريتش أنه لن يكون لديه أي سبب للتنحي في نهاية المرحلة الأولى. ومع ذلك لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كان نتنياهو يهدف إلى التملص من الاتفاق أم لا.
واعتبرت "فورين بوليسي" أن "حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وجد نفسه بين كماشة ترامب واليمين المتطرف هي خطأه إلى حد كبير".
فطوال الحرب، أكد للجمهور الإسرائيلي أنه سيقاتل حتى "النصر الكامل"، والذي يعني، من بين أمور أخرى، القضاء على حماس وإنقاذ الرهائن بالقوة العسكرية وليس بالتوصل إلى اتفاق.
لماذا تُعتبر حرب غزة مهمة لليمين المتطرف؟
تقول "فورين بوليسي" إن اليمين المتطرف يشاطر نتنياهو مخاوفه من محاسبة الحكومة عندما تنتهي الحرب من خلال لجنة تحقيق حكومية للتحقيق في الإخفاقات التي سمحت لحماس بمهاجمة إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أو من خلال الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة من المرجح أن تخسرها.
وبالنسبة لشريحة واسعة من اليمين المتطرف، فإن الحرب هي الوسيلة لتحقيق حلم عكس انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005 وإعادة توطين الجيب الفلسطيني المحاصر. وفق المصدر ذاته.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن الإسرائيليين في معسكر اليمين "كانوا واثقين من أنه مع وجود ترامب في البيت الأبيض، ستتمكن بلادهم من متابعة قائمة أمنياتهم وهي: ضم الضفة الغربية، وهجوم متجدد على استقلال القضاء في إسرائيل، وآخر على المنشآت النووية الإيرانية، وهجوم مستمر على غزة".
وهنا، لفت تحليل المجلة إلى أن الإشارات القادمة من ترامب نفسه ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي سيشرف على الهدنة، تشير إلى أنهم يعتزمون ضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وبالتالي، فإن نتنياهو سيخوض مجازفة جدية إذا لعب نفس النوع من الألعاب مع ترامب كما فعل مع إدارة بايدن، عندما "أعاق" مفاوضات وقف إطلاق النار وتجاوز الخطوط الحمراء لواشنطن بشأن القضايا الإنسانية.
لكن، قد تأتي حماس لإنقاذ نتنياهو من خلال انتهاك شروط وقف إطلاق النار أو اتخاذ موقف صارم بشكل خاص في المرحلة الثانية من الاتفاق.
ومع ذلك، فإنه بحلول الثاني من مارس/أذار القادم أو بعد ذلك بفترة قصيرة، قد يعود الائتلاف سليما ويخوض الحرب التي اعتقد الجميع أنها انتهت، أو لا.
وإذا أصرت إدارة ترامب على أن يحترم نتنياهو وقف إطلاق النار، فسوف يظل بن غفير خارجا وسينضم إليه سموتريتش.