التجربة الهولندية.. في يوم البيئة العالمي: البلاستيك نعمة أم نقمة؟
انطلقت اليوم الإثنين الخامس من يونيو/حزيران 2023 فعاليات الاحتفال بالذكرى الخمسين لليوم العالمي للبيئة.
ومنذ 1972 أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم كإحدى أكبر المنصات العالمية للتوعية البيئية.
وأقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن تركز احتفالية 2023 التي تستضيفها كوت ديفوار (غرب أفريقيا) بالشراكة مع هولندا باليوم العالمي للبيئة على الحلول المتاحة لمعالجة مشكلة التلوث البلاستيكي، داعية الحكومات والشركات وأصحاب المصلحة الآخرين توسيع نطاق الإجراءات وتسريعها لحل هذه الأزمة.
ويتشارك عشرات الملايين من الأشخاص عبر الإنترنت ومن خلال الأنشطة والأحداث والإجراءات الشخصية في جميع أنحاء العالم، الاحتفال بهذا اليوم كل عام.
وتعد هولندا من بين عدد من البلدان التي تواجه هذا التحدي وتتبنى فوائد اقتصاد البلاستيك الدائري.
وعلى هامش الاستعداد للاحتفالية ومكافحة التلوث البلاستيكي، قالت ميلاني شولتز فان هيغن، وزيرة البيئة الهولندية "نحن بحاجة إلى حلول حقيقية وفعالة وقوية.. كجزء من العديد من السياسات التي تستهدف المواد البلاستيكية، تلتزم هولندا والمجتمع الأوروبي عمومًا بشكل كامل بتقليل إنتاج واستهلاك المواد البلاستيكية الأحادية الاستخدام، والذي يمكن بل ولابد من استبدالها ببدائل دائمة ومستدامة".
اقتصاد البلاستيك الدائري
تتمتع هولندا بتجربة فريدة في الاقتصاد الدائري وبشكل أكثر تحديدًا البلاستيك الدائري، فالبلاستيك المشتق من النفط في تركيبة كل ما يحيط بنا كالأغلفة وألياف الملابس ومواد البناء والأدوات الطبية وغيرها، وازداد إنتاجه السنوي أكثر من الضعف خلال عشرين عاما ليصل إلى 460 مليون طن، وقد يزداد ثلاثة أضعاف بحلول 2060 إذا لم يتخذ العالم تدابير حيال ذلك.
التحدي الذي واجهته هولندا وسبقت فيه غالبية البلدان الأوروبية وتفوقت حتى عالميا هو إيجاد طرق لإنتاج واستخدام البلاستيك بطريقة مستدامة.
وبحلول عام 2050، تطمح هولندا إلى أن يكون لها اقتصاد دائري، وتضع الحكومة الهولندية هذا كهدف وتعتبر الانتقال ليس ترفا بل ضرورة.
وحسب الموقع الرسمي للحكومة الهولندية (www.government.nl) قدمت الحكومة بداية العام الحالي، برنامج الاقتصاد الدائري الوطني 2023-2030 إلى البرلمان.
هذا البرنامج ليس من الصفر بل هو استمرار لسنوات من الالتزام، وركزت سياسة الاقتصاد الدائري لدى هولندا بشكل أساسي على نهج طوعي غير ملزم، ورغم أهمية العمل التطوعي المناخي، فإن الأمر بحاجة إلى حلول إلزامية وجماعية.
وفي خطتها اعتمدت الحكومة الهولندية مزيجًا من إجراءات التسعير ووضع المعايير والتحفيز، وتدابير عامة تهدف إلى استبدال الحلقة وتضييقها وإبطائها وإغلاقها.
تدابير لمجموعات منتجات محددة مثل الأثاث والمنسوجات والإسكان ومزارع الرياح، وتدابير داعمة تهدف إلى المعرفة والابتكار والتعليم والمشتريات وريادة الأعمال الدائرية.
وترى ميلاني شولتز فان هيغن، وزيرة البيئة الهولندية أنه "نظرًا للكمية الكبيرة من المواد البلاستيكية الدقيقة التي تحيط بنا كل يوم، نحتاج إلى جعل الناس أكثر وعيًا بالمخاطر الصحية. بالتعاون مع وزارات الصحة والرعاية والرياضة".
وأوضحت من خلال خطة الحكومة قيامها بتمويل برنامج شامل متعدد السنوات للتحقيق في مخاطر المواد البلاستيكية الدقيقة على صحة الإنسان، ودعت اللجنة المسؤولة عن البرنامج إلى تقديم تدابير طموحة لتقليل المواد البلاستيكية الدقيقة في جميع السياسات والتشريعات الأوروبية ذات الصلة، مثل التصميم البيئي لتنظيم المنتجات المستدامة (ESPR).
التجربة الهولندية
يساعد نهج الاقتصاد الدائري في هولندا في معالجة التلوث البلاستيكي عند المصدر، خاصة وصناعة البلاستيك مسؤولة حاليًا عن حوالي خمسة في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
ولا تعتمد هولندا في مكافحة التلوث البلاستيكي واللدائن الدقيقة على إعادة التدوير فقط، لكنها تبدأ من المنبع بسياسة "تضييق الحلقة وإبطاء الحلقة وإغلاق الحلقة"، أي تقليل كمية المواد البلاستيكية التي تستخدمها.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف شملت خطة هولندا للاقتصاد الدائري ومكافحة التلوث البلاستيكي:
- تحفيز استخدام مواد مختلفة وأكثر استدامة.
- الاستخدام الطويل وإعادة استخدام المنتجات البلاستيكية والتغليف بدلاً من الاستخدام الفردي.
- تصنيع المواد البلاستيكية الجديدة من الكربون المتجدد، مثل النفايات البلاستيكية كوسيلة مهمة لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتنسجم الخطة الهولندية مع الأهداف التي تنعكس أيضًا في التشريعات الأوروبية، مثل توجيه المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد واقتراح المجلس الأوروبي لوضع لائحة بشأن نفايات التغليف والتعبئة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويجب هنا الإشارة إلى امتلاك هولندا صناعة كيميائية كبيرة يصاحبها درجة عالية من إعادة التدوير الميكانيكي. وهو ما يعني أرى فرصًا أكبر لجعل البلاد مركزا أوروبيا "لإعادة تدوير البلاستيك" عالي الجودة.
التحديات والخطط المستقبلية
تسير التجربة الهولندية في مكافحة التلوث البلاستيكي على استراتيجية إعادة تدوير جميع النفايات البلاستيكية بكفاءة عالية من البلاستيك إلى البلاستيك، واستهلاك منخفض للطاقة وجودة عالية.
ومن أجل تحقيق أهدافها الوطنية بشأن مكافحة التلوث البلاستيكي وتحويله لفرصة استثمارية نظيفة تتوافق مع أهداف الاستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة لا تزال تواجه أمستردام عددا من التحديات أبرزها:
- الحاجة لزيادة قدرة إعادة التدوير الميكانيكية بالإضافة إلى قدرة إعادة التدوير الكيميائي.
- وجود سوق مواد معاد تدويرها تعمل بشكل جيد.
- وضع معايير طموحة لأهداف المحتوى المعاد تدويره في التعبئة والتغليف في أوروبا، بما في ذلك قواعد الحساب المتفق عليها.
وبشأن المستقبل تقول الوزيرة فان هيغن إن الحكومة الهولندية ستدخل في عام 2027 التزامًا وطنيًا لتطبيق المواد البلاستيكية المعاد تدويرها أو الكتلة الحيوية لإنتاج مواد بلاستيكية جديدة، وضرورة رفع هذا الالتزام إلى مستوى 30 في المائة في عام 2030.
وسينطبق الالتزام على جميع المواد البلاستيكية ومن المتوقع أن يعمل بشكل مشابه للسجل الحالي للوقود الحيوي.
ولتحقيق أهداف هولندا المستقبلية بشأن البلاستيك تعمل وزارة الاقتصاد والمناخ على توفير أموال إضافية لدعم الانتقال إلى اللدائن الدائرية، ومساعدة الشركات على إغلاق الحلقة البلاستيكية ، لتحقيق هدف أكبر بأن تصبح هولندا رائدًا أوروبيًا في مجال البلاستيك الدائري!
ووضعت هولندا نصب أعينها شعارا جديدا أن "البلاستيك في المستقبل سيكون فقط نعمة وليس نقمة!"
من هنا بدأت هولندا
يقوم غالبية الهولنديين بفرز وإعادة تدوير نفاياتهم بطريقة أو بأخرى، تتم إدارة النفايات في هولندا على مستوى الحكومة المحلية، مما يعني أنها تختلف قليلاً حسب المكان الذي تعيش فيه.
وهناك طريقتان للتخلص من النفايات وإعادة التدوير في هولندا، في معظم المناطق المبنية ، يجب عليك إيداع نفاياتك وإعادة تدويرها في حاويات مشتركة، وهناك نقطة إعادة التدوير في هولندا مع صناديق ذات ألوان مختلفة.
عادة ما يكون للبلديات حاويات للنفايات والورق والزجاج والبلاستيك والمعدن وتغليف المشروبات تبدو هذه الحاويات المشتركة مثل الصناديق المعدنية الكبيرة.
ترفع الغطاء لوضع النفايات أو إعادة التدوير في الحاوية الصحيحة ويتم وضعها في وحدة تخزين ضخمة تحت الأرض، ثم تقوم لاحقا البلدية بإفراغ هذه الحاويات بانتظام.
بمجرد فرز المواد المُعاد تدويرها ، يُعاد تدويرها عادةً في هولندا، تذهب النفايات غير القابلة لإعادة التدوير إلى محرقة أو مكب النفايات، لتصبح هولندا "دولة خضراء".
وقد استحدثت بعض المناطق في امستردام عاصمة الدراجات في أوروبا مشروع تجريبيا يكافأ السكان لإعادة تدوير المواد البلاستيكية بالعملات الخضراء، ويمكن استخدام هذه العملات الخضراء كعملة في مجموعة متنوعة من الشركات المحلية.
الشركة المسؤولة عن إدارة المخطط، تراه كوسيلة للمقيمين لتحويل "القمامة لكنز"، كما يمكن للشركات والمجتمعات والأفراد الاستفادة من المشروع حيث يقوم شخص أو أسرة بالتوقيع على المخطط ويأخذ أكياس نفايات مصممة خصيصًا بينما تمتلئ الحقائب بالبلاستيك وتعاد إلى النفايات، يحصل العملاء على عدد من العملات الخضراء اعتمادًا على كمية الأكياس التي يملؤونها.
ويمكن لمستهلكي العملة الخضراء الاستفادة من عدد من السلع والخدمات التي تختلف من إصلاح الدراجات ودروس اليوغا مع خصم مرن على القهوة المجانية وتسوق البقالة الرخيصة.
التجربة الهولندية في إعادة التدوير مهمة لأوروبا والعالم خاصة وأنه من المتوقع تصل مبيعات المنتجات البلاستيكية في هولندا إلى 9.5 مليار يورو بحلول عام 2026 ، مقارنة بـ 8.8 مليار يورو في عام 2021، كما أنه من المتوقع أن تصل صادرات المنتجات البلاستيكية إلى 27.8 مليار دولار بحلول عام 2026.
وحسب الأرقام الرسمية ففي عام 2021، صدر الهولنديون أكثر من 211 مليون كيلوجرام من النفايات البلاستيكية ، ذهب ما يقرب من 70 مليون كيلوغرام منها إلى إندونيسيا وحوالي 64 مليون كيلوغرام إلى فيتنام. ويمثل هذا زيادة مضاعفة في الصادرات إلى الدول النامية مقارنة بعام 2020.
يشار إلى أن 175 دولة مجتمعة في باريس قررت يوم الإثنين بعد خمسة أيام من المحادثات الشاقة، أن تنتهي المسودة الأولى لمعاهدة دولية متوقعة للغاية لمكافحة التلوث البلاستيكي بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني.
ودعت لجنة التفاوض التابعة للجمعية العامة إلى إعداد "مسودة أولى لنص" لـ "صك ملزم قانونًا" قبل الجولة الثالثة من المحادثات في نيروبي، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على المعاهدة في عام 2024.
ويساهم البلاستيك أيضًا في ظاهرة الاحتباس الحراري ، حيث يمثل 3.4 في المائة من الانبعاثات العالمية في عام 2019 ، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
وفقًا للاتجاهات الحالية، سيتضاعف الإنتاج السنوي من المواد البلاستيكية القائمة على الوقود الأحفوري ثلاث مرات تقريبًا بحلول عام 2060 إلى 1.2 مليار طن، بينما ستتجاوز النفايات مليار طن.
aXA6IDMuMTM3LjE3OC4xMjIg
جزيرة ام اند امز