انتخابات هولندا.. عزلة أقصى اليمين تهدد بجمود سياسي
مع رفض الأحزاب الهولندية المشاركة في ائتلاف مع زعيم أقصى اليمين خيرت فيلدرز، قد تعاني البلاد من جمود سياسي يستمر لشهور.
يعود الناخبون في هولندا إلى صناديق الاقتراع غدا الأربعاء بعد أقل من عامين من الفوز المفاجئ لحزب خيرت فيلدرز وهو فوز قد يتكرر غدا لكن مع احتمال ضئيل لوصول حزبه إلى الحكومة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب "الحرية" من أقصى اليمين الذي يتزعمه فيلدرز قد يحتل المركز الأول مرة أخرى في التصويت الذي يأتي نتيجة انسحابه من الائتلاف اليميني الحاكم والمكون من 4 أحزاب منقسمة.
وكان حزب الحرية قد انسحب من الحكومة في يونيو/حزيران الماضي، على خلفية النزاع بشأن خطته المكونة من عشر نقاط لشن حملة صارمة على اللاجئين وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الغضب الذي أثاره استعداد فيلدرز لعرقلة الحكومة بسبب مطالبه التي اعتُبرت على نطاق واسع غير قابلة للتطبيق أو غير قانونية، دفع جميع الأحزاب السياسية الرئيسية إلى رفض الانضمام إليه في ائتلاف جديد.
وبموجب النظام الهولندي، يُنتج كل 0.67% من الأصوات نائبًا واحدًا، وبالتالي لا يفوز أي حزب منفرد بالأغلبية، ويتعين على الحكومات الائتلافية الفوز بتصويت الثقة في برلمان يضم 15 حزبًا أو أكثر قبل توليها السلطة.
كل هذا سيجعل الأمور صعبة، إن لم تكن مستحيلة، على فيلدرز، الذي أمضى أكثر من 20 عامًا تحت حماية الشرطة بعد تهديدات بالقتل، لكنه يُصر الآن على رغبته في تولي رئاسة حكومة أقلية.
وقبل أيام قال فيلدرز لقادة أحزاب آخرين "إذا كان حزب الحرية هو الحزب الأكبر في انتخابات الأربعاء، وتركتمونا في مأزق، ولم ترغبوا حتى في التحدث إلينا أو الحكم معنا، فإن الديمقراطية قد ماتت في هولندا".
ومرة أخرى، هيمنت قضية الهجرة على الحملة الانتخابية، حيث شددت العديد من الأحزاب المعتدلة خطابها وتحولت المظاهرات إلى أعمال عنف، بما في ذلك احتجاجات أمام مساكن طالبي اللجوء وأعمال شغب في لاهاي.
ومع ذلك فمن المرجح أن يتم استبعاد فيلدرز من الحكومة حتى لو فاز بالمركز الأول وهو أمر غير مؤكد خاصة مع احتمال خسارة حزب الحرية ما يصل إلى ثلث مقاعده الحالية البالغ عددها 37 مقعدا.
ويرى الناخبون أن الحكومة المنتهية ولايتها، التي يهيمن عليها حزب الحرية، واحدة من أكثر الحكومات عجزًا في تاريخ هولندا الحديث، إذ فشلت في الوفاء بوعدها الرئيسي بتطبيق أشد أنظمة الهجرة صرامة في أوروبا ومعالجة النقص الحاد في السكن على المستوى الوطني.
ووفقا للاستطلاعات فمن المتوقع أن يحقق أكبر المكاسب الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) ليرتفع عدد مقاعده من 5 إلى 22 وأيضا حزب "دي 66" الليبرالي التقدمي بحصوله عى 23 مقعدا بدلا من 9.
وقال هنري بونتنبال، الزعيم الشاب للحزب الديمقراطي المسيحي والذي يُنظر إليه على نطاق واسع كرئيس وزراء محتمل "ما شهدناه هو عامان من سياسة الانقسام والفوضى" وأضاف "نريد أن نُقدم سياسة أمل ومسؤولية".
وتعهد بونتنبال بإعادة "اللياقة" إلى السياسة الهولندية، معتبرا أن فيلدرز "لا يدافع عن الديمقراطية" وأن "أي ائتلاف بأغلبية في البرلمان" سيكون ديمقراطيًا.
أما روب جيتن، زعيم حزب "دي 66" فكان متفائلًا بنفس القدر خلال حملته الانتخابية وقال للغارديان "على مدار السنوات القليلة الماضية، سمعنا الكثير من السلبية من السياسة الهولندية.. لكن هذا بالضبط ما سئم الناس منه".
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن تحالف المعارضة من يسار الوسط، المكون من حزب اليسار الأخضر وحزب العمال، بقيادة نائب رئيس المفوضية الأوروبية السابق فرانس تيمرمانز، يحتل المركز الثاني بعد حزب الحرية.
وقال تيمرمانز لوسائل الإعلام الهولندية "مشكلة هذا البلد هي أنه في العامين الماضيين، لم يحدث شيء ولم يتم حل أي مشكلة، بل تفاقمت كل مشكلة.. نحن بحاجة إلى إعادة تشغيل هذا البلد، ووضعه على المسار الاجتماعي".
ومن المتوقع أن يخسر أعضاء الحكومة المنتهية ولايتها من الأحزاب الأربعة وهي حزب الحرية، وحزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الليبرالي المحافظ بقيادة رئيس الوزراء السابق مارك روته، وحركة المزارعين والمواطنين الشعبوية، وحزب العقد الاجتماعي الجديد الوسطي مقاعدهم.
وفي ضوء هذه المؤشرات، يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بالحكومة التي ستنبثق عن أشهر من المفاوضات المعقدة للغاية.
وبافتراض أن البرلمان سيصوت ضد أي محاولة لتشكيل حكومة أقلية بقيادة فيلدرز سيفقد حزب الحرية حق تشكيل ائتلاف وينتقل هذا الحق إلى الحزب الذي يحتل المركز الثاني وفقا لكلايس دي فريس من جامعة أمستردام.
ومع توقع وصول 16 حزبًا إلى البرلمان، ولكن ستة منها فقط بأكثر من 10 مقاعد، من المرجح أن تكون النتيجة النهائية ائتلافًا واسع النطاق بقيادة إما يسار الوسط وإما يمين الوسط، لكنه سيضم أحزابًا من كلا التوجهين.
ومهما كانت طبيعته، سيحتاج الائتلاف الجديد إلى التحرك ورغم تركيز الحملات على الهجرة، يرى الناخبون أن أكبر مشكلة تواجهها البلاد هي نقص المساكن.
وإذا لم تتم معالجة هذه الأزمة وغيرها من القضايا المُلحة مثل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية فقد تكون الحكومة المقبلة قصيرة الأجل.
وقالت ليوني دي يونغ، الخبيرة في شؤون أقصى اليمين بجامعة توبنغن "هناك استياء كبير لدى الناخبين من العديد من القضايا الأخرى أيضًا.. وفيلدرز شخص قادر على استغلال هذا الاستياء وتحويله إلى أصوات".