لم يلجأ بوتين إلى أن يقول كلمة واحدة فيها بذاءة، أو تهجم مثلما يفعل السلطان الواهم وفريقه، بل ذبح خصمه دون أن يذكر اسم الله عليه
ثلاث كلمات تخرج بها من قراءة 720 صفحة؛ هي الرحلة التي قطعها الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين من عام 1952 تاريخ مولده؛ إلى 2015 تاريخ نشر الكتاب الذي حوى سيرته الذاتية؛ الذي أعده الصحفي ستيفن لي مايرز، وصدر بالعربية بعنوان "القيصر الجديد: بزوغ عهد فلاديمير بوتين".
هذه الكلمات الثلاث التي اختصر بها فلاديمير بوتين قصة حياته؛ بأنه ذو قلب دافئ، وعقل بارد، ويد نظيفة؛ هي ثلاث قيم صنعت الرجل الذي أعاد إحياء قوة دولية عظمى قررت في لحظة تاريخية قاسية التفكك الذاتي، والتحلل الذاتي، والتدمير الذاتي، والخروج جملة وتفصيلاً من التاريخ، بل تحولت بقاياها الى قطع غيار تستفيد منها دول العالم؛ كل حسب طاقته، وكل طبقاً لرؤيته؛ بصورة عبر عنها حينها الكتاب الكبير، الساخر الرائع، المرحوم أحمد بهجت في عموده "صندوق الدنيا" في صحيفة الأهرام المصرية بقوله: "حين تفكك الاتحاد السوفيتي أخذت إسرائيل من بقاياه علماء الذرة، وأخذ العرب الراقصات".. رحم الله أحمد بهجت؛ فقد قال ذلك قبل ظهور الراقصتين "صافينار" و"جوهرة"، فماذا كان سيكتب لو عاينهما.
بعد أن كان أردوغان، وكل فريقه يرددون ليل نهار أنه على النظام السوري أن ينسحب من إدلب السورية الى خلف نقاط الجيش التركي المحتل للأرض السورية، إذا بأردوغان بعد أن جلس مع صاحب اليد النظيفة هو وزوج ابنته، يخرج ناسياً كل تصريحاته، متخليا عن كل مطالبه، راجعاً إلى تركيا راضيا بما قدره له القيصر من بعض ما يحفظ ماء وجهه
تذكرت كتاب القيصر الجديد، حين رأيته يعبث بعقل وقلب وكرامة سلطان الكلمات الجوفاء، وعنتر السيوف الخشبية، وبهلول زمان تفكك، وتدهور أحوال المسلمين، الذي يقيم الأرض ولا يقعدها بخطبة عصماء مملوءة بالفراغ، ويوشك أن يمسك بيده قطعة من السماء؛ حين يلبس مسوح القديسين والرهبان، ويصعد على مسرح التمثيل الديني، وسط السكارى بخمر أوهام الجماعة الفاشلة، وهم يصفقون لمبعوث العناية الإلهية الذي صنع خلافة داعش لتكون "بروفة" أو "ماكيت" للخلافة العثمانية التي ستجعل من قصر أردوغان الفخم "الباب العالي" الذي تخضع عنده رؤوس جميع المسلمين، حينها سيكون أعضاء جماعة الإخوان الفاشلة حاشية السلطان الذين قدموا أوطانهم على أطباق من الهوان تحت أقدام السلطان، وفي مقدمتهم الأحرار الخونة من قيادات الجماعات السورية.
حين ترى فلاديمير بوتين يرد على كل أبواق العثمانية الجديدة؛ الذين ظلوا لأسابيع يملؤون فراغ الفضائيات العربية؛ الفارغة من المحتوى والهدف؛ بدعاية ممجوجة؛ تسوق لمشروع العثمانية الجديدة في سوريا وليبيا، ويهددون روسيا بأن تركيا وريثة الدولة العثمانية التي حاربت روسيا القيصرية 16 مرة، ومستعدة تحاربها المرة السابعة عشر.. فيأتي رد فلاديمير بوتين باردا من حيث طريقته، نارياً من حيث قسوته، مشتعلاً بروح الوطنية في دلالته، فيجعل أردوغان وأتباعه مجرد أقزام تحت أقدام تمثال كاترينا الثانية، الإمبراطورة الروسية التي أذلت الدولة العثمانية، وانتصرت عليها 11 مرة في خمس سنوات من 1787 إلى 1792م. واستولت على القرم، وكسرت تحكم العثمانيين في الطوق المحيط بالبحر الأسود، وأخضعت المضائق التركية: "البسفور والدردنيل" للقانون الدولي، بحيث صارت معابر دولية تستخدمها روسيا بكل حرية.
لم يلجأ بوتين إلى أن يقول كلمة واحدة فيها بذاءة، أو تهجم مثلما يفعل السلطان الواهم وفريقه، بل ذبح خصمه دون أن يذكر اسم الله عليه، وتركه ينزف من كرامته وكبريائه، فبعد أن كان أردوغان، وكل فريقه يرددون ليل نهار أنه على النظام السوري أن ينسحب من إدلب السورية إلى خلف نقاط الجيش التركي المحتل للأرض السورية، إذا بأردوغان بعد أن جلس مع صاحب اليد النظيفة هو وزوج ابنته - الذي يعلم الله وحده ما في يده ويد حماه السلطان - يخرج ناسياً كل تصريحاته، متخليا عن كل مطالبه، راجعاً إلى تركيا راضيا بما قدره له القيصر من بعض ما يحفظ ماء وجهه أمام شعبه، ويحافظ عليه ألعوبة في يد القيصر يشاكس بها أمريكا وحلف الناتو، ويتخلص بها من كل خصوم النظام السوري، ثم بعد ذلك سيفعل فيه القيصر ما يمليه عليه قلبه الدافئ، أو عقله البارد، أو يده النظيفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة