على الجانب التركي بدا الاتفاق وكأنه أبقى على الرعاية التركية لجبهة النصرة، وهو ما يعطي المشروعية لاستمرار العمليات العسكرية
خلافا للسقف العالي الذي ذهب أردوغان به إلى موسكو جاء اتفاقه مع بوتين بشأن وقف إطلاق النار في إدلب السورية، ففضلا عن أن الاتفاق هش ولا يحمل أسس الديمومة، تخلى أردوغان عن كل اللاءات التي رفعها طوال الفترة التي سبقت الاتفاق.
إذ إن الاتفاق أقر ببقاء الجيش السوري في المناطق التي استعادها مؤخرا، ولم يتحدث بكلمة واحدة عن طريق إم-5، كما لم يتطرق إلى مصير نقاط المراقبة التركية، حيث كان أردوغان يصر على كل ما سبق، وإلا فإن عمليته المسمى بدرع الربيع سيتواصل إلى ما بعد إدلب كما قال وهدد مرارا.
ثمة مؤشرات واضحة تؤكد أن هدنة بوتين-أردوغان هي على صفيح ساخن منذ اليوم لدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وأن الاتفاق ليس سوى فاصل في معركة إلحاق الهزيمة بالمشروع التركي في سوريا، وأردوغان المهزوم في إدلب، كما في معركة استخدام اللاجئين ضد أوروبا، قد لا يجد أمامه سوى توجيه بوصلة عدوانه إلى كوباني-عين العرب
ولعل النقطة الوحيدة التي تشكل جوهر الاتفاق هي إعلان وقف إطلاق النار. في الواقع إذا كانت روسيا حققت مكاسب كبيرة من الاتفاق عبر فرض رؤيتها، وكذلك من خلال تجاهل الشروط التي كانت تركيا تطالب بها، فإن الجيش السوري بدا الرابح الأكبر، لا لأن الاتفاق رسخ وجوده في مناطق استراتيجية مهمة مثل سراقب ومعرة النعمان ومناطق حيوية من جبل الزاوية، بل لأنه أقر بحقه في مواصلة الحرب ضد الجماعات المسلحة والإرهابية المرتبطة بتركيا، ولا سيما أنه أشار بوضوح إلى وحدة الأراضي السورية.
فيما على الجانب التركي بدا الاتفاق وكأنه أبقى على الرعاية التركية لجبهة النصرة، وهو ما يعطي المشروعية لاستمرار العمليات العسكرية السورية والروسية في المرحلة المقبلة.
بدا الاتفاق وكأنه محاولة لنزع خيار المواجهة بين روسيا وتركيا أكثر من كونه اتفاقا لتحقيق السلام في إدلب، فالتناقض الروسي-التركي واضح في استراتيجية الطرفين، إلى درجة أن كلا من بوتين وأردوغان أقر على الهواء مباشرة بالخلافات العميقة بينهما بشأن الأزمة السورية، وهو ما يؤكد أن الاتفاق لم يحل القضايا الأساسية، وإنما أبقى مواقف الجانبين متباعدة.
وهذا يعني أن وقف إطلاق النار ليس سوى فاصل أو استراحة محارب استعدادا لجولة جديدة من المعارك، خاصة أن هامش المناورة لم يعد ممكنا أمام أردوغان في ظل رعايته لجبهة النصرة وغيرها من المجموعات الإرهابية والمسلحة، حيث يراهن أردوغان على هذه المجموعات في بقاء احتلاله ونفوذه في الشمال السوري، فضلا عن ابتزازه للعالم.
بوتين لم يقدم تنازلات لأردوغان وإنما انتصر لمنطق المصالح الاقتصادية والسياسية في علاقات بلاده مع تركيا، وهو عندما يفعل ذلك كان ينظر إلى البعد الأمريكي والأوروبي، وفيما أردوغان الذي يدرك أن الاتفاق لم يأتِ كما تشتهي سفنه أدرك أهمية هامش المناورة عندما لوح بحق الرد على الجيش السوري، إذ اعتدى على قواته، حسب وصفه.
كما غمز من زاوية المواقف الأوروبية والأمريكية، ربما انتظارا لبلورة موقف داعم له من هذه الأطراف، خاصة إذا فشلت المفاوضات التكميلية بين الجانبين التركي والروسي، ولعل بوتين أدرك ما يدور في خلد أردوغان عندما رفض مسبقا عقد قمة رباعية مع ميركل وماكرون وأردوغان.
ثمة مؤشرات واضحة تؤكد أن هدنة بوتين-أردوغان هي على صفيح ساخن منذ اليوم لدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وأن الاتفاق ليس سوى فاصل في معركة إلحاق الهزيمة بالمشروع التركي في سوريا، وأردوغان المهزوم في إدلب، كما في معركة استخدام اللاجئين ضد أوروبا، قد لا يجد أمامه سوى توجيه بوصلة عدوانه إلى كوباني-عين العرب، ليقول للداخل التركي أنه يحارب (الإرهاب الكردي)؛ إذ إنه يدرك أن هزيمته الحقيقية والنهائية هي في الداخل في وقت تشير فيه كل المؤشرات إلى أنها باتت قريبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة