الفصائل المسلحة والانتخابات العراقية..تحديات بين الصندوق والبندقية
مع اقتراب الانتخابات العراقية، يبرز حضور الفصائل المسلحة بقوة، ما يطرح تساؤلا حول خريطة النفوذ القادمة
ويستعد العراق في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لإجراء انتخابات تشريعية تكثف الحكومة ومفوضية الانتخابات استعداداتهما لضمان سيرها.
انتخابات يقول مراقبون إنها تمثل اختبارا لقدرة الدولة على بسط سيطرتها في وجه تزايد نفوذ الفصائل المسلحة لاسيما الموالية لإيران التي تأمل من خلال هذا الاقتراع الاحتفاظ بتأثيرها المحوري، بعد تراجع نفوذها الإقليمي خلال العامين الماضيين.
ومنذ سنوات، تمسك طهران بمفاتيح في العراق، سواء عبر أحزاب شيعية كان لها دور رئيسي في تسمية رؤساء الحكومات، أو عبر فصائل مسلحة موالية لها تشكل جزءا أساسيا من ما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي تقوده في المنطقة، والمناهض للولايات المتحدة وإسرائيل.
مشهد انتخابي متعدد الأوجه
ومع انطلاق الحملات الانتخابية، يهيمن المرشحون المرتبطون بالحركات المسلحة على المشهد الانتخابي.
والجماعات المسلحة الموالية لإيران، والتي تخوض الانتخابات كثيرة، ومن أبرزها:
"حركة صادقون" (مليشيات عصائب أهل الحق).
حركة حقوق (كتائب حزب الله).
تحالف خدمات (كتائب الإمام علي).
تحالف سومريون (جند الإمام).
منظمة بدر (مليشيات بدر).
قائمة الهوية الوطنية (مليشيات بابليون المسيحية).
كما انخرطت بعض الألوية والفصائل المسلحة على قوائم متعددة من بينها ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وآخرون ضمن دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
السلاح المنفلت وسقف النفوذ
وتعد مسألة "السلاح المنفلت" وحل "المليشيات" من أبرز التحديات في المشهد السياسي العراقي.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي "ناجح الميزان" لـ"العين الإخبارية"، إن "المليشيات باتت تتحكم بالوزارات، وتوجه أجهزة الأمن، وتسيطر على قطاعات اقتصادية واسعة، وتستخدم الانتخابات لتثبيت شرعيتها".
وأضاف: "الفكرة التي قامت عليها العملية السياسية بعد 2003 كانت بسيطة، هي أن دمج الجماعات المسلحة في الدولة سيجعلها تتخلى عن السلاح. لكن ما حدث هو العكس تماما، الدمج لم يروضها، بل نظّم نفوذها".
ويعتمد الإطار التنسيقي، المظلة السياسية للأحزاب الشيعية المتحالفة مع الفصائل المقربة من إيران، استراتيجية خوض الانتخابات بقوائم منفصلة لضمان أكبر عدد من المقاعد قبل إعادة الائتلاف بعدها.
وبعد هزيمة تنظيم "داعش" عام 2017، جرى دمج فصائل الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الأمنية الرسمية، تحت سلطة رئيس الوزراء، لكنها عمليا تعمل باستقلالية واسعة وتملك نفوذا سياسيا واقتصاديا خاص.
التحديات الأمنية
والشهر الماضي، أصيب شخصان في هجوم لمسلحين مجهولين على مكتب المرشح مثنى العزاوي، جنوب بغداد.
وينتمي العزاوي إلى "تحالف عزم" وهو ائتلاف سياسي عراقي سني يترأسه مثنى السامرائي.
وأتى الهجوم بعد ثلاثة أيام على مقتل المرشح للانتخابات البرلمانية صفاء المشهداني الذي كان يشغل هو الآخر منصب عضو مجلس محافظة بغداد، بانفجار عبوة ناسفة استهدفت مركبته.
والمشهداني مرشح عن بغداد ضمن "تحالف السيادة" الذي يعد من أكبر التحالفات السنية العراقية التي تخوض الانتخابات والذي يتزعمه خميس الخنجر ورئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني.
وقال "تحالف السيادة" في بيان له، إن "هذه الجريمة الجبانة امتداد لنهج الإقصاء والاستهداف والغدر الذي تتبعه قوى السلاح المنفلت والإرهاب التي تسعى جميعا إلى إسكات الأصوات الوطنية الحرة".
غطاء الانتخابات
من جانبها، قالت المحللة السياسية، ليلى الدليمي، لـ"العين الإخبارية"، إن "المفارقة أن نفس الفصائل التي دخلت الساحة لمحاربة داعش، أصبحت اليوم اللاعب الأقوى في النظام السياسي، بعد أن أدركت أن من يملك السلاح يمكنه أن يملك أيضاً الأصوات".
وبالنسبة للدليمي، فإن "النظرية الديمقراطية تفترض أن الإدماج السياسي يؤدي إلى الاعتدال: تدخل الجماعات المسلحة النظام، تتحول إلى أحزاب، فتتخلى عن السلاح. لكن العراق أثبت هشاشة هذه الفرضية".
وأشارت إلى أن "المؤسسات الرسمية لم تستطع احتكار السلاح، فبقيت ألوية الحشد (الشعبي) تعمل بشكل مستقل، والحكومة تفتقر إلى القدرة أو الإرادة لفرض سلطتها عليها".
وأوضحت "الأحزاب المليشياوية حافظت على منظوماتها الاقتصادية ومصادر تمويلها، فاكتسبت شرعية سياسية دون أن تغيّر بنيتها العسكرية"، منوهة إلى أن "التمويل والرعاية الإقليمية منحاها تفوقا ماديا وتنظيميا على الدولة".
وتابعت "وهكذا لم يتحول المسلحون إلى مدنيين، بل صاروا مدنيين مسلحين بشرعية انتخابية".
كيف تراقب إيران المشهد؟
ويرى المحلل السياسي إحسان الشمّري في حديثه لفرانس برس، أن طهران حاليا "غير مستعدة لخسارة العراق الذي تعتبره مجالها الحيوي وأحد مرتكزات أمنها القومي".
من جهته، يعتبر رئيس "المجموعة المستقلة للبحوث" منقذ داغر أن السياسة العراقية "دائما مهمة جدا لإيران... لكن الاهتمام شيء، والقدرة على التأثير هو شيء آخر".
ويضيف المحلل العراقي لفرانس برس "إيران الآن ليست في موضع يجعلها تملي شروطها وتملي ما تريد، (لكن) هذا لا يعني أنها لن تتدخل ولن تحاول أن تؤثر".
التيار الصدري يقاطع
وانتهت الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2021 بفوز تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، لكنه انسحب منه بسبب خلافات مع "الإطار التنسيقي" الذي يضم أحزابا حليفة لطهران.
لكن هذا العام، أعلن الصدر رفضه المشاركة "في عملية انتخابية عرجاء لا همّ لها إلا المصالح الطائفية والعرقية والحزبية"، ودعا مناصريه إلى مقاطعة التصويت والترشيح.
وتوسعت دعوة الصدر في دعوته لمقاطعة الانتخابات لتشمل منع تعليق اللافتات الانتخابية للمرشحين في مدينة الصدر شرقي بغداد، المركز الرئيسي للتيار، وهو مشهد لم تألفه الحملات الانتخابية في الدورات الماضية، حتى في أكثر فتراتها توترا.
ولطالما شدد الصدر على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وتقوية مؤسساتها الأمنية من جيش وشرطة، إلى جانب الدعوة إلى استقلال القرار العراقي، ومكافحة الفساد ضمن مسار إصلاحي شامل.
وقضية السلاح واحدة من أكثر الملفات انقساما في المجتمع العراقي، بين من يراها أولوية وطنية لا بد من حسمها، ومن يربطها بتعقيدات إقليمية وتوازنات داخلية قد تفجر الأوضاع إذا لم تدار بحكمة.
انتخابات في أرقام
وهذه الانتخابات هي السادسة منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. ويزيد عدد الناخبين عن 21,4 مليونا مسجلين لاختيار البرلمان المؤلف من 329 مقعدا، لولاية تمتد أربع سنوات.
ويتنافس أكثر من 7700 مرشح ثلثهم تقريبا من النساء، على مقاعد مجلس النواب في البلاد التي يتجاوز عدد سكانها 46 مليون نسمة. وشهدت دورة عام 2021 أدنى نسبة اقتراع (41%).
والانتخابات مدخل أيضا لاختيار رئيس جديد للبلاد، وهو منصب رمزي بدرجة كبيرة مخصص للأكراد، وتسمية رئيس جديد للوزراء، وهما عمليتان تتمان عادة عن طريق التوافق وقد تستغرقان أشهرا.