الإرهاب يتوسع بـ«الساحل الأفريقي».. اختبار لمنطقة هشة و«ثغرة قديمة»

تظهر استراتيجية الزحف على الفراغ الأمني بوضوح في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تستغل التنظيمات الإرهابية ثغرات في تهديد الوضع الأمني.
في هذا السياق، يرى خبراء سياسيون متخصصون في الشأن الأفريقي، أن تصاعد الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل يعكس فشلًا مركبًا للسياسات الأمنية الإقليمية والدولية، مؤكدين أن انسحاب فرنسا والدول الغربية من هذه المنطقة، بالتوازي مع هشاشة الأنظمة الحاكمة، خلقا فراغًا استراتيجيًا سمح للتنظيمات الإرهابية بتوسيع نفوذها وتعزيز انتشارها.
وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي السياسي الفرنسي السابق في منطقة الساحل الأفريقي، نيكولا نورماند، لـ"العين الإخبارية"، إن "الانسحاب الفرنسي من مالي والنيجر وبوركينا فاسو لم يكن مجرد انسحاب عسكري، بل شكّل تحولًا جذريًا في موازين القوة في واحدة من أكثر المناطق هشاشة على مستوى العالم".
وتابع "أُتبِع بتراجع في الجهود الاستخباراتية والدبلوماسية، ما فتح المجال أمام جماعات مثل نصرة الإسلام والمسلمين وداعش في الساحل لإعادة تموضعها في مناطق جديدة، وخصوصًا في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو".
وأضاف أن "الخروج الفرنسي تسبّب في إحداث فراغ معقّد تجاوز البعد الأمني، ليمتد إلى تعطيل شبكات التنسيق الاستخباراتي والجهود الدبلوماسية التي كانت قائمة لعقود، وهو ما استغلته الجماعات الإرهابية بأقصى سرعة".
وأوضح نورماند أن هذا التحول أدى إلى ما سمّاه "انكشافًا استراتيجيًا" لدول المنطقة، في ظل غياب بدائل فعالة تملأ الفراغ الذي تركته باريس، لا من قبل السلطات العسكرية الحاكمة في الساحل، ولا من قبل الحلفاء الجدد.
"آليات وطنية"
غير أن الأنظمة الحاكمة في النيجر، تعمل بكثافة على تطوير آليات وطنية ناجعة، وتحالفات أفريقية، لمكافحة التنظيمات الإرهابية، لكن هذه الإجراءات تحتاج وقتا لتظهر نتائجها، وفق محللين أفارقة.
نورماند عاد وقال إن الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة، وتنظيم "داعش" في الساحل، "وجدت في هذا الفراغ فرصة لإعادة التمركز والتوسع، خصوصًا في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي منطقة ذات تضاريس معقدة وحدود رخوة، تعاني أصلاً من ضعف السلطة المركزية وغياب البنية التحتية الأمنية".
وفي حين يرى نورماند أن "انسحاب دول الساحل من منظمة إيكواس "زاد من عزلتها وأضعف التنسيق الإقليمي، ما جعل الحدود أكثر عرضة للخرق، وساهم في تحويل الساحل إلى بؤرة متجددة للإرهاب العالمي"، تعمل هذه الدول في إطار تحالفات بينية تركز على تحقيق التنمية ومكافحة الإرهاب.
"هشاشة"
أما الباحث السنغالي عبدولاي با، المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي في مجموعة التفكير الإفريقية (WATHI)، فقال لـ"العين الإخبارية"، إن "التحولات الجيوسياسية الأخيرة، خاصة تقارب سلطات الساحل مع روسيا، لم تترجم بعد إلى استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب، وهو ما يزيد من هشاشة الموقف الأمني، ويفاقم من معاناة المدنيين الذين باتوا في مرمى نار التنظيمات المتطرفة".
وأشار الخبيران إلى أن "مستقبل المنطقة مرهون بإعادة بناء الثقة بين الحكومات والفاعلين الدوليين، وبتبني مقاربة متعددة الأبعاد تشمل الأمن، التنمية، والحكم الرشيد، بدلًا من الاكتفاء بالحلول العسكرية المؤقتة".
وقال تقرير مستقل صدر مؤخرًا عن معهد الاقتصاد والسلام، إن منطقة الساحل الأفريقي لا تزال تمثّل "مركز ثقل الإرهاب العالمي"، للعام الثاني على التوالي، مع تسجيل أكثر من نصف وفيات الهجمات الإرهابية عالميًا في عام 2024 ضمن هذه الرقعة الجغرافية.
وبحسب "المؤشر العالمي للإرهاب"، فإن 3,885 شخصًا قُتلوا في أعمال إرهابية في منطقة الساحل العام الماضي، من أصل 7,555 ضحية سُجلوا في أنحاء العالم، ما يعادل 51%. ويبرز هذا الرقم غير المسبوق اتساع رقعة العنف المسلح في دول مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر، التي تتصدر قائمة الدول العشر الأكثر تضررًا من الإرهاب عالميًا.
بوركينا فاسو تبقى الأكثر تضررًا للعام الثاني على التوالي، مع تسجيل 1,532 وفاة، تليها مالي بـ604 قتلى، ثم النيجر الذي شهد ارتفاعًا بنسبة 94% في عدد الضحايا مقارنة بـ2023، ليصل إلى 930 قتيلاً.
التنظيمات الإرهابية
وتشير تقارير أمنية إلى أن النشاط الإرهابي في الساحل تقوده حاليًا مجموعتان أساسيتان: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM أو JNIM)، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة، تنشط بالأساس في مالي وبوركينا فاسو، وتنظيم داعش الإرهابي في الساحل (EIS).
والأخير يتمركز في المناطق الحدودية بين النيجر ومالي، وينافس بشراسة الجماعة الأولى على الموارد والهيمنة.
وتُتهم هذه الجماعات بارتكاب هجمات وحشية ضد المدنيين والعسكريين، بالإضافة إلى أعمال خطف ونهب، ما يعمّق من الأزمة الإنسانية في المنطقة ويدفع مئات الآلاف إلى النزوح القسري.
وبصفة عامة، تواجه دول الساحل تحديات متشابكة: ضعف التنسيق العسكري، محدودية الموارد، انقطاع المساعدات الغربية، فضلًا عن انسحابها من منظمة "الإيكواس"، ما فاقم من عزلتها. ويرى مراقبون أن الاعتماد المتزايد على شركاء جدد مثل روسيا، رغم توفيره بعض الدعم العسكري، لا يمكنه أن يعوّض غياب هيكلة استراتيجية شاملة للتنمية والأمن في آنٍ معًا.
aXA6IDMuMTM2LjI2LjE3IA== جزيرة ام اند امز