ولاية ثانية محفوفة بالمخاطر.. تحديات بطريق فون دير لاين
تقف أوروبا على مفترق طرق بين الاستقرار أو بداية الانحدار، والعامل المحدد لذلك يتمثل في كيفية إدارة أورسولا فون دير لاين للتكتل.
بحلول الوقت الذي تنتهي فيه ولايتها الثانية، في عام 2029، قد يأتي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ويتركه بعد نهاية ولايته المحتملة، وقد تكون زعيمة أقصى اليمين، مارين لوبان، هي التي تدير فرنسا، وقد يجلس عدد من الشعوبيين الآخرين على طاولة قمة الاتحاد الأوروبي إلى جانب فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر.
وفي السياق، نقلت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي، دون الكشف عن هويته، قوله: "ستكون السنوات الخمس المقبلة صعبة للغاية بالنسبة لها".
من ناحية أخرى، يعرف الجميع في عالم السياسة الأوروبي، فون دير لاين جيدا. وليسوا جميعاً من المعجبين بها.
إذ ستضطر إلى التعامل مع المنتقدين الذين يشيرون إلى أسلوبها القيادي المتسلط والكتوم، فهي "لا تستشير عادة سوى عدد قليل من المستشارين الموثوق بهم، وهم عادة من الألمان"، وفق "بوليتيكو"
وعندما يكون الضغط أكبر، فإنها تميل إلى التعامل مع الأمور الأكثر خطورة بنفسها، وهي غريزة يمكن أن تسبب لها المتاعب.
على سبيل المثال، في ذروة الوباء، ألمحت فون دير لاين إلى أنها تفاوضت شخصيا على عقد لقاح ضخم مع الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، ألبرت بورلا، عبر رسالة نصية على هاتفها المحمول، مما أدى إلى دعوى قضائية مستمرة تزعم أنها انتهكت قواعد الشفافية في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الجناح الأيمن من السياسة الأوروبية، تواجه خصوم ينتقدون بشدة تبنيها للسياسات "التقدمية" مثل العمل لمكافحة تغير المناخ.
وعليه، سيكون من الصعب تجاهل كل هذا الضجيج الآن بعد أن أصبح اليمين يتمتع بمزيد من السلطة في أروقة التكتل الأوروبي.
"احذر حليفك الأقوى"
وفي إطار تلك التحديات، يحوم السؤال الأبرز حول "شكل إدارة فون دير لاين" في السنوات المقبلة مع تزايد احتمالات عودة ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
إذ ستجد رئيسة المفوضية الأوروبية صعوبة بالغة في الحفاظ على توازن العلاقات عبر الأطلسي، بعدما شهدت السنوات الأربع الماضية ما يوصف على نطاق واسع بأنه "العصر الذهبي" للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن.
وعمل مساعدها، بيورن سيبرت، بشكل وثيق مع مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، لتنسيق السياسات في كل شيء بدءًا من الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا إلى سياسة الصين.
ومع ذلك، كان ترامب يستمتع بمواجهة زعماء الاتحاد الأوروبي، مثل المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، خلال رئاسته الأولى.
وفي الوقت الحالي، مع وجود السيناتور، جيه دي فانس، من ولاية أوهايو، كمرشح لمنصب نائب الرئيس، قد يذهب ترامب إلى أبعد من ذلك من خلال تنفيذ تهديداته بخفض الاستثمار الأمريكي في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتمثل تهديدات ترامب، احتمالا مرعبا بالنسبة للعديد من الحكومات الأوروبية التي تفتقر إلى دفاعاتها القوية.
وفي حين يجد زعماء الاتحاد الأوروبي العزاء في حقيقة أن ترامب لم يعمل في الواقع على تقويض حلف الناتو بأي شكل محوري كرئيس، فإنهم هذه المرة يستعدون لتنفيذ ترامب وفانس تهديداتهما من خلال قطع الرابطة عبر الأطلسي التي استمرت 80 عاما.
وبصورة أكثر دقة، فإن تعيين فانس يثير القلق بشكل خاص بالنسبة لأوروبا وفون دير لاين، فتأكيده على أنه "لا يهتم بما يحدث في أوكرانيا" يهدد بتركها وبقية الزعماء الأوروبيين المؤيدين لأوكرانيا وحدهم في مواجهة الروس.
وبالإضافة إلى تعريض النظام الأمني عبر الأطلسي للخطر، مهد ترامب الطريق لصدام اقتصادي هائل مع الاتحاد الأوروبي بإعلانه عن نيته فرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة.
وفي السياق، تقول ماجدة روج، الخبيرة السياسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهي مؤسسة بحثية، إن فون دير لاين "ستتعرض لمزيد من القومية الاقتصادية والحرب التجارية والحمائية من جانب إدارة ترامب".
وأضافت: "قد تتمكن من إقامة علاقة إيجابية مع الصين، من خلال لعب دور كبير في تعزيز الأمن الاقتصادي وضوابط التصدير".
وترى روج أنه مع احتمال انفصال الولايات المتحدة وأوروبا عن بعضهما بشأن السياسة تجاه روسيا، إذا فاز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فمن الأفضل لفون دير لاين أن تركز على المجال الوحيد الذي قد يتفق فيه بروكسل والبيت الأبيض الجمهوري، ألا وهو الصين.
وأكدت أن "الوصول إلى الأمريكيين وإقناعهم بأنها ليست منافسا على (مكان) الصين وأن ضرب أوروبا بالرسوم الجمركية ليس في مصلحتهم، هو أحد الأشياء التي يمكنها أن تؤثر فيها وتقودها".
"آفة في حظيرتنا"
ولن تكون مهمة فون دير لاين أسهل على الصعيد الداخلي، حيث يتعين عليها التعامل مع رئيس الوزراء المجري أوربان.
ففي حين فازت فون دير لاين بمعركة رئيسية للقوى الوسطية، فإن الحلفاء الأقوياء مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز - المحركان اللذان يدفعان الاتحاد الأوروبي - أصبحا ضعفاء سياسيا في أعقاب نتائج الانتخابات في بلديهما.
وفي هذه النقطة، قال نيكولاي فون أوندرزا، عالم السياسة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: "لدينا ماكرون ضعيف للغاية. لدينا على الأقل لمدة عام آخر مستشار ألماني ضعيف إلى حد ما، لذا فإن السؤال هو: إلى أي مدى تستطيع فون دير لاين أن تملأ الفراغ في هذه المرحلة؟".
وما يزيد من تفاقم الافتقار إلى الدعم الذي تحظى به فون دير لاين من حلفائها التقليديين في الاتحاد الأوروبي هو العداء الصريح من داخل الكتلة من خلال الشعبويين اليمينيين مثل خيرت فيلدرز في هولندا ولوبان في فرنسا.
وفي نفس الاتجاه، يصور أوربان نفسه على أنه زعيم معارضة فون دير لاين.
كما وعد زعماء أقصى اليمين بالمقاومة بينما تعالج فون دير لاين التحدي الأول في ولايتها الثانية؛ توفير مبالغ ضخمة من أموال الاتحاد الأوروبي لإعادة التصنيع وإعادة تسليح الدول الأوروبية
هل تستطيع؟
ويصر مساعدو فون دير لاين على أنها تتمتع بخبرة كافية للتعامل مع ما هو قادم، لكن هناك مسؤولين آخرين في الاتحاد الأوروبي صريحون بشأن التحديات التي تواجهها.
ووفقا لـ"بوليتيكو"، لم تكتسب فون دير لاين خبرتها في التعامل مع السياسة إلا في وقت متأخر من حياتها.
فقبل دخولها عالم السياسة في ألمانيا لأول مرة في الثلاثينيات من عمرها، قضت فترة في كاليفورنيا، حيث ركزت على الحصول على الدكتوراه في الطب وتربية سبعة أطفال مع زوجها هايكو فون دير لاين.
وبعد أن تغلبت على الشكوك الأولية سواء في الداخل أو في بروكسل، نجحت خلال فترة ولايتها الأولى في ترسيخ مكانتها كزعيمة حازمة، حيث أدارت مؤسسة تضم نحو 32 ألف موظف بقبضة قوية.
لكن اعتمادها على مجموعة صغيرة من المساعدين أغضب العديد من زعماء الاتحاد الأوروبي الذين شعروا أنه كان ينبغي التشاور معهم بشكل أكبر.