"العين الإخبارية " في كواليس انقلاب النيجر.. "ظل الرئيس" يقفز للواجهة
هل "تمرد" رئيس النيجر على "ظله" فقفز الأخير للواجهة ليعاقبه على طريقته ما يشي بأن كل ما يحدث سليل صراع داخلي على السلطة ليس أكثر؟
سيناريو يطرح نفسه في ظل موجة القراءات التي تحاول كسر عتمة ما وراء التطورات المتسارعة في النيجر، منذ احتجاز الرئيس محمد بازوم بالقصر من قبل الحرس الرئاسي.
حصار سرعان ما استكمل جميع ملامح انقلاب أيده الجيش الذي أعلن تعليق العمل في كل المؤسسات وإغلاق الحدود البرية والجوية وفرض حظر تجول من الساعة العاشرة مساء حتى الخامسة صباحا.
ورغم أن معظم القراءات تتقاطع عند السياق الجيوسياسي وتدخل الانقلاب في إطار الصراع الدولي على النيجر الغنية باليورانيوم، إلا أن لاعبا جديدا -لكن داخلي- يسجل دخوله بساحة التحليلات.
البداية
الصحفية المصرية المختصة بالشأن الأفريقي صباح موسى، ترى أن القصة بدأت بشكل مفاجئ بحصار الحرس الرئاسي، بقيادة عمر تشياني، للرئيس بازوم داخل القصر الجمهوري لإجباره على تقديم استقالته.
وتقول موسى، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن بازوم رفض الاستقالة ولذلك استمر الحرس الرئاسي في الحصار، ولكنه لم يقتحم القصر، وظل الرئيس بداخله ومعه كل وسائل اتصاله التي خاطب من خلالها الداخل والخارج.
وأضافت، استنادا لمعلومات واردة من العاصمة نيامي، أن الرئيس مازال محتجزا داخل القصر، وأنه لم يقدم استقالته حتى اللحظة، كما أعلنت القوات التي انقلبت عليه، وسط إدانات دولية بما حدث، وتظاهرات شعبية في الشارع تضامنا مع الرئيس المحتجز.
ومستدركة: "إلا أن شهود العيان على الأرض تؤكد أن هذه التظاهرات ليست بالمستوى المطلوب، وأنها ضعيفة ولا يمكنها إجبار المنقلبين على الإفراج عن بازوم، مقابل محتجين آخرين مؤيدين للانقلاب ويرفعون أعلام روسيا".
"الظل" إلى الواجهة؟
وفق موسى، فإن مصادر مطلعة تؤكد أن ما يحدث في النيجر بعيد حتى الآن عن الصراع الدولي بين فرنسا وروسيا، مشيرة إلى أن ما يحدث هو نتيجة لصراع على السلطة بين الرئيس السابق محمدو يوسفو والحالي محمد بازوم.
وأوضحت أن بازوم عندما تولى السلطة في 2021 عقب حصوله على 55% فقط من الأصوات في الانتخابات الرئاسية بدعم مباشر من يوسفو نفسه، لم يكن يسيطر على مقاليد الأمور بالبلاد.
ولفتت إلى أن "يوسفو كان هو الحاكم الفعلي من وراء ستار والدليل على ذلك يتمثل في عدم تغيير أي من رجال الدولة ولا طاقم الحكم بعد تولي بازوم الرئاسة، ورئيس الحرس الرئاسي نفسه (عمر تشيامي) الذي قام بالانقلاب هو أحد رجال يوسفو، إضافة إلى عدد مهم من جنرالات الجيش".
وتابعت: "يبدو أن بازوم حاول الخروج من هذه الدائرة بتغيير المنظومة الموالية للرئيس السابق، وأنه بالفعل حاول إقالة رئيس الحرس الرئاسي قبل أسابيع قليلة، ولكنه فشل في ذلك".
ورجحت أن يكون "الانقلاب الجاري نتيجة لغضب يوسفو على ما حدث، وأنه قام هو ورجاله بتنفيذ الانقلاب على الرئيس الذي لم يطع حتى النهاية، وما يبرر ذلك صمت الرئيس السابق بما يعكس تأييده لما يحدث".
تمويه؟
بحسب موسى، فإنه من الواضح للمراقبين للأحداث أن العملية الانقلابية بالنيجر هي داخلية وتبدو تقليدية ولكنها ليست عنيفة حتى الآن، فلم تقتحم القوات المنقلبة على الرئيس قصره، فيما يتوقف نجاحها بشكل كامل على مدى صمود المنقلبين بوجه الإدانات الدولية.
وتقول إن "الانقلابات في الدول المجاورة وبأفريقيا عموما سواء كانت في تشاد ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وغيرها، بدأت بنفس الطريقة حتى اعترف المجتمع الدولي والإقليمي بهم بعد ذلك".
وتشير المعلومات الواردة من النيجر حتى الآن، فإن الرئيس لم يسلم بل يؤكد أن الشعب سينتصر له، كما أنه لا يزال محتجزا داخل قصره يواصل اتصالاته.
كما ترى موسى أن "ما تردد عن مفاوضات قادها الرئيس السابق يوسفو بين بازوم والحرس الرئاسي للخروج بتسوية ليس سوى تمويه لإثبات عدم ضلوعه في ما يحدث".
و"حتى إدانة فرنسا تحديدا للانقلاب قد تقرأ في هذا الإطار"، تتابع: "لأنه من المعروف ولاء بازوم ويوسفو التام لباريس، وأن ما يحدث ربما جاء بعلم فرنسا نفسها وتخطيط بينها وبين يوسفو، وإلا لو كانت تشعر بالخطر لتدخلت بشكل مباشر لإنقاذ بازوم من خلال قواتها الموجودة بالبلاد، أو المرتكزة بشكل مكثف في تشاد القريبة".
إلا أن هذا السيناريو بدا ضعيفا بعد تأييد الجيش للانقلاب وإعلانه إغلاق المجال الجوي، محذرا من أي تدخل في الشؤون الداخلية بالنيجر.
وترى الصحفية المصرية أن ما تقدم يؤكد أن الجيش لن يسمح بأي تدخل خارجي وخصوصا فرنسا التي قال إن إحدى طائراتها العسكرية هبطت صباح الخميس بمطار نيامي الدولي.
وقالت: "يقرأ ذلك من زاوية ولاء جنرالات الجيش للرئيس السابق والمعروف بولائه لفرنسا وأن الأمور تسير وفق ما خطط لها".
وإجمالا، تعتقد موسى، استنادا لمصادر مقربة من دوائر الحكم في النيجر، أن يوسفو خطط للانقلاب على بازوم لفسح المجال لشخص آخر قريب وله حاضنة اجتماعية كبيرة بالنيجر من قبيلة الهوسا تحديدا والتي تمثل 50% من السكان.