انقلاب وإرهاب وفقر.. ثالوث نيجري يرفع أسهم الرعب بالساحل الأفريقي
حمم انقلاب النيجر تعبر أسوار البلد المحاصر بعواصف الإرهاب لتراكم عوامل الرعب في الساحل الأفريقي، حيث تنشط القاعدة وداعش وبوكو حرام.
تداول قسري على السلطة يطيح بالرئيس محمد بازوم مقابل صعود الجيش في سيناريو شبيه حد التماهي بما حدث بالجارتين بوركينا فاسو ومالي، مع فارق التوقيت فقط.
لكن من أبرز القضايا التي فجرها انقلاب النيجر؛ التساؤلات حول مستقبل الحرب على الإرهاب في دول الساحل والصحراء وغرب أفريقيا عموما.
ويخشى مراقبون أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي والفوضى الأمنية التي خلفها الانقلاب إلى إعاقة الجهود الدولية المبذولة لوقف تمدد التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام.
بينما يتشكك آخرون في قدرة السلطة العسكرية الحالية على تحقيق نقلة جادة وجديدة ونوعية في الحرب الفعلية على الإرهاب.
بمرمى الإرهاب
النيجر، كباقي دول الساحل الأفريقي والصحراء، ينتشر فيها الفقر والفساد والتوترات العرقية، كما تعاني ضعف المؤسسات الحكومية وغياب دورها في رعاية المواطنين، ما خلق بيئة خصبة ساعدت الجماعات الإرهابية والمتطرفة على الانتشار والتوغل والتموضع الجيوسياسي.
فجماعة "بوكو حرام" النيجيرية تتمركز، منذ 2015، على الحدود الجنوبية الشرقية للنيجر أي بالقرب من بحيرة تشاد، وظلت تنفذ هجماتها من خلال مدينتي بوسو وديفا الحدوديتين مع نيجيريا.
كما يتمركز تنظيم "داعش" على الحدود الغربية مع مالي عقب توغله بمناطقها الشمالية وتنفيذ هجمات عدة على النيجر أوقعت ضحايا مدنيين بالإضافة إلى مقتل 4 من أفراد القوات الأمريكية عام 2017.
بينما يتمركز تنظيم القاعدة في الجهة الغربية للنيجر ممثلاً في "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، فيما شهدت الأجزاء الغربية من البلاد مطلع أبريل/نيسان 2021 هجمات متفرقة، حيث هاجم الإرهابيون قريتين، وقتلوا أكثر من 100 شخص.
جهود دولية ضد الإرهاب
في ظل تمركز الجماعات الإرهابية والمتطرفة بالمناطق الحدودية للنيجر، وظهور مجموعات إرهابية جديدة، واندماج أخرى، ونجاح هذه الجماعات في تجنيد قطاع الطرق بدول الساحل وغرب أفريقيا، قامت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتدخل لوقف تنامي الجماعات الإرهابية.
جرى ذلك عبر تفعيل القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، وتأسيس قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات التي بلغ قوامها 8 آلاف جندي، وإنشاء بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي في مالي.
وفي ضوء تصاعد مخاطر الجماعات الإرهابية وتهديدها للمصالح الفرنسية، اعتمدت باريس نهجاً عسكرياً من خلال تدشين كل من عملية "سرفال" العسكرية، والتي انطلقت في 2013، واستمرت 17 شهراً حيث تم نشر 4 آلاف و500 عسكري.
ونجحت العملية في استعادة بعض المدن في شمالي مالي، ولكنها لم تمنع الهجمات على هذا البلد والنيجر، بعد اتحاد تنظيم القاعدة مع جماعات الإرهابية تحت اسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وتوسعت أنشطتها لتشمل دول الساحل.
الانقلاب والإرهاب
حول مدى انعكاسات انقلاب النيجر على مستقبل الحرب على الإرهاب في دول الساحل والصحراء، يرى عمرو عبدالمنعم، الكاتب والباحث المصري في الإسلام السياسي، أن الانقلاب سيدعم وجود الجماعات الإرهابية بصورة غير مباشرة وسيعطيها الفرصة لإعادة التمركز الجغرافي على حدود النيجر.
ويقول عبدالمنعم -في حديث لـ"العين الإخبارية"-، إن "الجماعات الإرهابية لن تكون على وفاق مع أي سلطة حاكمة سواء مدنية أو عسكرية، إلا أنه من المؤكد أن هجماتها على النيجر واستهدافها للقوات العسكرية وللمدنيين، كان معولًا في هدم الدولة وزعزعة مكان الرئيس محمد بازوم مما سهل الانقلاب عليه".
وأضاف أنه "من المعلوم أن الظروف المغذية للإرهاب والتطرف متوفرة بشكل كبير في النيجر مقارنة مع باقي دول المنطقة، فالمجتمع به نحو 63 % تحت خط الفقــر بحسـب تقرير لمنظمة اليونيسكو، إضافة إلى تواضع أداء المؤسسات الحكومية في مشاريع التنمية المحلية والتشغيل".
وتابع أنه "وفقًا لما نقلته بعض الوسائل الإعلامية المحلية، فإن أكثر من 900 مدرسة أُغلقت بسبب انعدام الأمن، كل هذا صعّب مهمة حكومة بازوم وجعل البعض يصفها بالفاشلة".
وحذر من "خطورة انشغال قادة الانقلاب بالخلافات مع الدول الإقليمية، والتفاوض للحصول على الاعتراف بهم وتدعيم سلطاتهم، مما سيخلق بيئة خصبة من الفوضى السياسية والأمنية والعسكرية ستسمح للجماعات المتمركزة على الحدود والمتحالفة مع بعض القبائل مثل الطوارق والفولانيين، بالتموضع وإعادة ترتيب صفوفها والحصول على العتاد اللازم لخطوتها التالية".
وتوقع أن تنشأ مواجهات محتملة بين القوات المسلحة بالنيجر والجماعات الإرهابية التي ستحاول الاستفادة من التشتت، أو الانشغال بالتمرد، وإعلان دولة ربما تتبع داعش في المنطقة الحدودية الثلاثية التي تقع بين بوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا.
فرنسا وروسيا
من جهته، يعتبر منير أديب الكاتب والخبير في شؤون الحركات المتطرفة، أن الانقلاب العسكري في النيجر هو انعكاس للصراع الروسي الأوروبي.
وقال أديب لـ"العين الإخبارية"، إن "قوات فاغنر تدعم قادة الانقلاب وفرنسا تساند الرئيس محمد بازوم، وهذا الصراع سيؤثر بصورة عكسية على جهود محاربة الإرهاب في أفريقيا عموما وغرب أفريقيا على وجه الخصوص".
وتنفي روسيا دعمها للانقلاب في النيجر ودعت إلى ضبط النفس واستعادة الشرعية الدستورية، لكن المظاهرات المؤيدة للتحرك العسكري رفعت رايات روسيا أمام السفارة الفرنسية في نيامي.
وأضاف أن "فرنسا خسرت مالي وبوركينا فاسو وحاليا النيجر، وأصبح في هذه الدول حكومات موالية لروسيا والصين، ولعل رفع الأعلام الروسية في مظاهرات تأييد الانقلاب في العاصمة نيامي يؤكد أننا أمام مشهد من مشاهد الصراع العالمي على أرض أفريقية، وهذا الصراع سيخلق فوضى أمنية ويضعف مؤسسات الدولة".
ووفق الخبير، فإن "النيجر كانت بالتعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا نقطة انطلاق حقيقية وأخيرة لمواجهة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، فبعد الانقلاب في بوركينا فاسو ومالي أصبحت نيامي الشريك الوحيد لأوروبا وأمريكا في منطقة الحدود الثلاثية (بوركينا فاسو ومالي والنيجر)، وقدمت جهودا بارزة لمكافحة الحركات الإرهابية".
وتوقع أديب أن تتوقف كافة الجهود الدولية والأممية لمحاربة الإرهاب في غرب أفريقيا ودول الساحل في حال استمر الانقلاب الأخير.
وأشار إلى أن القوات الأمنية بالنيجر ستكون مشغولة بتأمين العاصمة ووقف أي تحركات مضادة لقادة الانقلاب، ما سيعوق التعاون الأمني الدولي، ويتيح الفرصة للتنظيمات الإرهابية بالتمركز وشن عمليات على دول الساحل، فيما لن تستطيع القوات النيجرية مواجهة هذه الجماعات منفردة.
وحاليًا، تنشط الجماعات بالإرهابية المرتبطة بالقاعدة وداعش شمالي مالي، وشمال بوركينا فاسو وشرقها، وشمال شرقي نيجيريا، وجنوب شرقي النيجر، كما أنها وجدت ملاذا لها في بحيرة تشاد التي تحيط بها كل من تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون.