عام 1859، استخدم عالم الجغرافيا الألماني، أوسكار بيشل، مصطلح المجال الحيوي، أو مساحة المعيشة، للإشارة إلى المكان الضروري لوجود السكان.
وبعد 150 عاماً، نجد أن مفهوم "المجال الحيوي" -يعامل الدولة ككائن له حاجاته، وإن كانت قدراتها أكبر من مساحتها فعليها التوسع- ينطبق حرفياً على المشكلة الديموغرافية النيجيرية، التي يستغلها الإرهابيون لصالحهم، إذ يعي مُنظّرو التنظيمات الإرهابية جيداً هذا المفهوم السكاني المتعلق بالمساحة المسكونة في نيجيريا، لذلك يوظفونها بإتقان لما يخدمهم.
ونلاحظ أنه في عام 1960، كان عدد سكان نيجيريا 40 مليون نسمة، وفي سنة 2021 قُدّر بنحو 220 مليون نسمة، فيما تشير التنبؤات إلى أن العدد سيصل إلى 400 مليون بحلول عام 2050، و750 مليوناً في عام 2100.
مع هذه الأرقام، وبمعرفة أن هناك أكثر من 250 مجموعة عرقية تعيش في نيجيريا، ليس من الصعب استنتاج أننا نشهد إعدادا لفصول معركة سيطرة على المناطق المسكونة، حتى لو حاول الإرهابيون منح الصراع هناك صبغة دينية أو عرقية أو اجتماعية.
ويبلغ متوسط الكثافة السكانية في نيجيريا نحو 200 نسمة لكل كيلومتر مربع، وفي بعض ولاياتها نجد متوسطات أعلى من 400، وأخرى مثل "لاغوس" تصل إلى أكثر من 2000 في الكيلومتر الواحد، فيما يبلغ متوسط كثافة السكان في الإمارات العربية نحو 129 لكل كيلومتر مربع، وفي إسبانيا 94 نسمة لكل كيلومتر.
معدلات الكثافة السكانية في نيجيريا مشكلة مُركّبة، إذ يجد السكان صعوبات في الحصول على دخل، بل وحتى في إيجاد قوت يومهم، فهناك حالياً مناطق في نيجيريا تصل فيها نسبة البطالة إلى 50٪ من عدد السكان، وهنا تبدأ الكارثة، يُضاف إليها أنه خلال 28 عاماً من الآن سيتضاعف عدد السكان عملياً في نيجيريا، وإذا لم يتم تبنّي الحلول الناجعة لتلك المشكلة ستكون الفوضى العارمة حتمية الوقوع.
ويملك إرهابيو "داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام" مناطق نشاط في شمال نيجيريا، وخارج تلك الأراضي يواصل الرعاة وقطّاع الطرق زرع الرعب في قلوب السكان، ما يتسبب في عمليات نزوح كبيرة.
ويعيش المسيحيون، الذين يتعرضون لعمليات قتل بأعداد كبيرة من قبل إرهابيين منذ سنوات، في هذه المناطق على الزراعة، وتتعرض محاصيلهم للإتلاف بسبب عبور قطعان ماشية الرعاة في أراضيهم، ومن المفارقات أن هذا الأمر يحدث في الغالب على الطرق الخمسة الرئيسية لدخول الماشية إلى نيجيريا، والتي تحافظ على النظام الغذائي للبلاد، وإذا كانت هذه الطرق ضرورية الآن، فكيف ستكون أهميتها بحلول عام 2050 مع تضاعف عدد السكان؟.. ماذا سيحدث إذا تم تهجير المزارعين من مناطقهم؟
قد يكون الإرهابيون يخططون لاحتلال هذه الأراضي من خلال تغيير الخارطة الديموغرافية، كما هو الحال في مناطق أخرى بأفريقيا، أو أنهم يريدون التحكم في الوديان، التي تتدفق إلى الساحل الأفريقي.
يمكن وصف ما يحدث هناك في نيجيريا بـ"التطهير الديني"، لكنه في الواقع ليس كذلك، لكن هذا بالضبط هو ما يحاول الإرهابيون تصويره، متناسين أنهم يقتلون مسلمين من مجموعات عرقية أخرى بحجة أنهم "ليسوا مسلمين أنقياء".
ومع تفشي الفساد وارتفاع معدلات النمو السكاني وعدم الاستقرار بسبب انعدام الأفق، وعمليات الخطف والسرقة والإرهاب في نيجيريا، ستكون هناك احتمالات لموجة هجرة غير مسبوقة.
ويعرف الإرهابيون هذه المعطيات تماما، لذلك سيواصلون الضغط من أجل عدم تغيير هذا الوضع بالاستفادة من مصطلح المجال الحيوي، الذي يتناسب تماماً مع خططهم الهادفة إلى استنزاف الدول الغربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة