نيجيريا.. الرهان على بخاري مجددا
التحديات أمام بخاري تتمثل في استكمال الحملة ضد جماعة بوكو حرام الإرهابية ومكافحة الفساد وزيادة معدل النمو الاقتصادي.
أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في نيجيريا فوز الجنرال محمد بخاري، مرشح حزب مؤتمر كل التقدميين بولاية رئاسية ثانية، بعدما حصد 57% من أصوات الناخبين، مقابل 41% من الأصوات لمنافسه عتيق أبوبكر، مرشح حزب الشعب الديمقراطي، لتنهي بذلك سباقاً احتدم على رئاسة البلاد لصالح بخاري، الذي سيقود البلاد لسنوات أربع مقبلة، يتطلع خلالها الشعب لرؤية بلاده وقد استعادت أمنها، ونجحت في تحسين الاقتصاد، ومحاربة الفساد، وترميم صورتها القومية.
وأجريت الانتخابات في الـ23 من فبراير/شباط الماضي، بعدما تأجلت لمدة أسبوع لأسباب لوجستية، وأخرى أمنية ترتبط بتأمين أكثر من 120 ألف مركز للاقتراع، في دولة يزيد عدد ناخبيها على 87 مليون ناخب، وبدأت الحملة الانتخابية رسمياً في مطلع العام الجاري واستمرت لمدة شهر، وتخللها الكثير من الجدل والحملات الدعائية وأحداث العنف الدامية، التي راح ضحيتها المئات من أنصار مرشحي الرئاسة، البالغ عددهم 73 مرشحاً، لكن كل التوقعات كانت تؤكد أن بخاري وعتيق أبوبكر هما الأكثر حظاً في الفوز.
وركزت الحملة الانتخابية على 3 قضايا أساسية تتعلق بملفات الأمن والاقتصاد ومكافحة الفساد، ولم يكن للبعد الديني دور مؤثر خلالها، حيث ينتمي كلا المرشحين الأساسيين لمسلمي الشمال النيجيري.
وأكدت حملة بخاري أحقيته في الحصول على ولاية رئاسية جديدة لاستكمال الخطوات التي قطعتها البلاد صوب استعادة الأمن وإصلاح الاقتصاد وتحقيق العدل الاجتماعي، بالتركيز على الدور المحوري للدولة، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.
في المقابل، انتقدت حملة عتيق أبوبكر أداء بخاري خلال ولايته الأولى، مؤكدة أن البلاد لم تعد أكثر أمناً في عهده، وأن سياساته الاقتصادية لم تؤتِ ثمارها المرجوة، في ظل بطء معدلات النمو، وارتفاع نسبة الفقر إلى 44% وانتشار البطالة بنسبة 23%، كما شككت في جهوده لمكافحة الفساد، مؤكدة أنها ليست أكثر من دعاية تستهدف تشويه الخصوم، وأن الوقت قد حان للتغيير.
في غضون ذلك، صدرت تحليلات تؤكد أن عتيق أبوبكر هو الأقرب للرئاسة، استناداً إلى قوة رأس المال الذي يمثله، والدعم الغربي لبرنامجه، وتأييد الرئيس الأسبق للبلاد أوليسجون أوباسانجو له، حيث عمل أبوبكر بإدارته كنائب للرئيس خلال المدة من 1999 إلى 2007، الأمر الذي قد يمنحه أصوات المسيحيين بجنوب البلاد، لكن بخاري نجح في قلب كل التوقعات، متخطياً منافسه بنحو 4 ملايين صوت، الأمر الذي يدفع للتساؤل بشأن العوامل المفسرة لتلك النتائج.
عوامل نجاح بخاري
حظي بخاري بثقة مواطنيه نتيجة العديد من العوامل؛ أهمها: نجاحه في استعادة الأمن نسبياً شمال شرق البلاد، بعد الحملة الإقليمية التي قادها ضد جماعة بوكو حرام الإرهابية، مستنداً خلالها إلى خبراته العريضة كجنرال سابق بالجيش، بالإضافة لإجراءاته الصارمة ضد الفساد، والتي طالت أشخاصاً لم يكن من المتوقع محاسبتهم، مثل رئيس البرلمان ورئيس المحكمة العليا، خاصة أن الأموال التي استعيدت من أباطرة الفساد أودعت في حساب خاص بالبنك المركزي، لإعادة توزيعها لصالح الشعب.
كما نجح بخاري في إخراج الاقتصاد الوطني من دائرة الركود التي كان يقبع فيها منذ 2014، إثر انخفاض أسعار النفط بنسبة 70%، لذا راهن المواطنون على المؤهلات القيادية لبخاري، وما يتمتع به من نزاهة وانضباط وتقشف وتدين، متجاهلين الشائعات المتعلقة بالحالة الصحية لرجل تجاوز عمره 76 عاماً، بعدما قضى 5 أشهر في بريطانيا للعلاج.
في المقابل، رأى المواطنون في عتيق أبوبكر مرشحاً يفتقر إلى الخبرات الأمنية، ولا يمتلك برنامجاً لمكافحة الإرهاب، باستثناء زيادة تسليح الجيش، رغم انتمائه لولاية أداماوا، أحد معاقل جماعة بوكو حرام، كما يرون أن وضعه كرجل أعمال ثري ومتهم سابق بالفساد يجعله مجرد واجهة للمصالح الأجنبية والنخبة الرأسمالية في لاجوس، وهي العاصمة التجارية للبلاد، وأنه قد يستغل منصب الرئيس في دعم مصالح كبار الرأسماليين على حساب الكادحين، الذين يتجاوز عددهم 80 مليون نسمة.
وتزايدت تلك المخاوف مع إعلان برنامج أبوبكر الانتخابي الذي ارتكز على السعي لتقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية، والاتجاه نحو خصخصة القطاعات الاقتصادية، خاصة قطاع النفط والتعدين، إضافة لخطة تعويم العملة، التي تعهد بتطبيقها بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، والتي من شأنها زيادة الأعباء على الشرائح الاجتماعية الدنيا، التي لا تزال تعاني تبعات برامج التثبيت والتكيف الهيكلي.
استناداً إلى كل العوامل سالفة الذكر، منح الناخبون الثقة للجنرال بخاري، فيما رفض حزب الشعب الديمقراطي الاعتراف بنتيجة الانتخابات، مؤكداً أنه سيطعن عليها بسبب التجاوزات التي شابت العملية الانتخابية خاصة أثناء فرز الأصوات، لكن تقارير مراقبي الانتخابات -خاصة البعثات التابعة لمنظمات المجتمع المدني، والاتحادين الأفريقي والأوروبي- جاءت لتؤكد أن الانتخابات جرت في أجواء سلمية، وأنها شهدت ارتفاعاً في مستوى المشاركة، خاصة بالنسبة للنساء والشباب، وأن أحداث العنف القليلة التي تخللتها والمخالفات التي شابتها ليس لها تأثير معنوي على مجمل نتائجها. وهو ما يعني تأييد فوز بخاري بالرئاسة.
تحديات أمام الرئيس الجديد
يرتبط بقاء بخاري في السلطة بثورة متزايدة للتوقعات من جانب مواطني نيجيريا، خاصة فئة الشباب التي تزيد نسبتها على 30% من الشعب، والذين يعولون على الرئيس في مواجهة التحديات الجسيمة التي تقوض استقرار البلاد.
وتتمثل تلك التحديات في استكمال الحملة ضد جماعة بوكو حرام، التي تمثل التهديد الأمني الأكبر بالبلاد، ومكافحة الفساد، وزيادة معدل النمو الاقتصادي، الذي لم يتجاوز 1.9% خلال العامين الأخيرين، بما يتناقض مع كون نيجيريا تمثل الاقتصاد الأكبر حاليا بالقارة الأفريقية، والـ26 عالميا بناتج محل إجمالي يبلغ 594.3 مليار دولار مايو 2017، فضلاً عن مجابهة الفقر وتحقيق العدل الاجتماعي، حيث تتركز الثروة بالعاصمة، فيما تعاني ولايات الشمال وبعض ولايات الجنوب فقراً مدقعاً، وضع نيجيريا في المرتبة الـ153 وفقا لمؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.
وتشير المعطيات إلى أن نيجيريا نجحت بالفعل في تحسين صورتها القومية، كدولة ذات تقاليد ديمقراطية مستقرة، بعد نجاحها في تنظيم الانتخابات للمرة السادسة على التوالي منذ عودة الحكم المدني للبلاد عام 1999، وأن بخاري سوف يواصل نجاحه في تحجيم جماعة بوكو حرام، مستفيداً من الانشقاق في قيادتها، والدعم الإقليمي، وما تلقاه "داعش" الذي تبايعه الجماعة من ضربات موجعة في معقله الأساسي بالعراق وسوريا.
لكن بخاري في المقابل سوف يواجه صعوبة بالغة في النهوض باقتصاد البلاد، الذي يعاني اختلالات هيكلية، لا ترتبط بالسياسات الحكومية فحسب، إذ ينتمي الاقتصاد النيجيري لفئة الاقتصادات الريعية، التي تعتمد على تصدير المواد الخام مقابل استيراد المنتجات المصنعة، حيث تمثل صادرات النفط 90% من الناتج القومي لنيجيريا، وهو ما يجعله اقتصاداً هشاً، سريع التأثر بتقلبات الأسعار العالمية للنفط، تنطبق عليه متلازمة "الدولة الغنية والشعب الفقير".
aXA6IDMuMTQ1LjM4LjY3IA==
جزيرة ام اند امز